لا مُنتصف طريق مع المشروع الصهيوني .. بقلم/ حسن لافي
مشروع التسوية الذي وقّعت عليه منظّمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح منذ أكثر من 25 عاماً، المبني على فكرة حلّ الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، بمعنى التراجع عن أحقيّة الشعب الفلسطيني بكامل تراب فلسطين، والاعتراف بشرعيّة الكيان الصهيوني بالعيش الطبيعي على 78% من فلسطين، تهيأةً لتصبح دولة الاحتلال عنصراً طبيعياً في المنطقة العربية، بات من الواضح أن مشروع التسوية غير قادر على تحقيق أيٍ من الحقوق الفلسطينية، حتى ولو بأيّ حد أدنى يمكن أن يصل إليه تنازل المفاوِض الفلسطيني، ناهيك أن “إسرائيل” على مدار سيرورة مشروع التسوية استطاعت خلق طبقات أمنية وسياسية فلسطينية ارتبطت مصالحها مع التنسيق الأمني مع الاحتلال، من دون أيّ أفق لقبول “إسرائيل” لإقامة كيانية سياسية فلسطينية.
البعض يطرح مشروع المُزاوجة ما بين مشروع التسوية المُتمثّل بالمفاوضات مع الاحتلال، وبين فعل المقاومة ضدّ الاحتلال، من أجل تحسين شروط التفاوض الفلسطيني، وتحقيق إنجازات فلسطينية على مستوى دعم المجتمع الدولي، لكن أصحاب هذا المشروع يتناسون عَمْداً أن الإنجازات الوطنية التي يتحدّثون عنها مُرتبطة بمشروعٍ سياسي يقبله المجتمع الدولي، الذي يحرص على بقاء “دولة إسرائيل”. لذا المشروع المقاوِم بالضرورة يتعارض مع مفهوم المجتمع الدولي لإنهاء الصراع، وبالمُحصّلة لا يمكن أن يتعايش مشروع المقاومة ومشروع التسوية، لذا نتّفق مع طرح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الأستاذ زياد النخالة على ضرورة إعادة تقييم الوضع الفلسطيني برمّته. تحت شعار إعادة بناء المشروع الوطني على أساس أن “إسرائيل” هي العدو التاريخي للشعب الفلسطيني، وأن نُرجِع بوصلة النقاش الفلسطيني إلى إنهاء وجود الكيانية الصهيونية على التراب الفلسطيني. وليس الحديث عن كشف سلوكيات الاحتلال، حيث أنه بعد 25 عاماً من عملية التسوية، أثبتت التجربة بالدليل القاطِع أنه لا يمكن التعايُش مع العقل الصهيوني العنصري الاستيطاني الإحلالي الدموي.
يبقى مشروع المقاومة الشاملة الذي يقطع الطريق أمام أيّ شكلٍ من أشكال الاعتراف بدولة الاحتلال هو الأقدر استجابةً على تحدّيات المؤامرة ضدّ القضية الفلسطينية، فرغم كُــلّ محاولات قَطْع الطريق على تثمير الفعل المقاوِم سياسياً، إلا أن مشروع المقاومة استطاع الانتصار على المشروع الصهيوني في معركة الوعي والرواية. فاستمرار مشروع المقاومة حفظَ القضية الفلسطينية من الاندثار أمام عواصف المُخطّطات السياسية التصفوية للقضية الفلسطينية بمعنى أن المقاومة تُحصِّن الفكر المقاوِم داخل المجتمع الفلسطيني، وتوقِف نزيف كيّ الوعي الوطني العربي وذلك انهيار خطّة “زئيف جابوتنسكي” المُسمّاة “الجدار الحديدي”، فبقاء شعلة الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال يكشف عورات التطبيع العربي الرسمي المُتهافِت أمام الزمن الإسرائيلي، فبالرغم من أن “إسرائيل” استطاعت توقيع اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية إلا أنها لن تصبح يوماً جزءاً طبيعياً من نسيج المنطقة في نظر شعوبها، ولن ينجح حكّام التطبيع العربي بالخروج بعلاقاتهم اللصوصية مع “إسرائيل” للعَلَن مادام الفلسطيني مُتمسّكاً بخيار المقاومة القائِل إن “إسرائيل” هي العدو التاريخي للشعب الفلسطيني.
أما على صعيد المواجهة العسكرية والأمنية فقد كَسرَ مشروع المقاومة مُرتكزات أمنية وعسكرية داخل المنظومة العسكرية لدولة الاحتلال فمنذ انتفاضة الأقصى التي استطاعت بها المقاومة أن تصل إلى قلب دولة الاحتلال من خلال جيشٍ من الاستشهاديين على مدار أكثر من ثلاث سنوات مُتتالية، ليصل لأول مرة في تاريخ الصراع عدد قتلى المستوطنين الصهاينة لـ130 قتيلاً في شهرٍ واحد، ناهيك عن إجبار الاحتلال على الانسحاب من مستوطنات غزّة وشمال الضفة ومن ثم خاضت المقاومة في غزّة ثلاث حروب مع الاحتلال وعشرات جولات التصعيد حتى أوصلت المقاومة المؤسّسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية لحالٍ من الردع تجاه الذهاب إلى حربٍ مفتوحةٍ مع غزّة، وأن قرار الحرب يتطلّب عقْد عشرات الجلسات للكابينت الصهيوني، ولا يجرؤ على اتخاذ هذا القرار.
تشكيك البعض بإنجازات المقاومة كان يمكن أن يُفَهم بالسابق، ولكن بعد تصريح وزير الحرب الصهيوني “أفيغدور ليبرمان” أمام شاشات التلفزة “إن حكومته خضعت أمام المقاومة في غزّة” بات التشكيك بأن مشروع المقاومة ليس له إنجازات عسكرية وسياسية ينبع من خلل في فَهْم طبيعة العقيدة العسكرية لدولة المشروع الصهيوني المبنية على الهجوم، الذي بمجرّد ما تصبح دولة الاحتلال عاجزة عن تنفيذه فإنها ستجد نفسها أمام تقويض لتلك العقيدة العسكرية ما سيؤثّر سلباً على قدرة الكيان الصهيوني بالقيام بالأدوار الموكلة إليه على مستوى المشروع الغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أو حتى على مستوى المستوطن الصهيوني الباحِث عن الأمن والرفاه في دولة الكيان، وهنا تكمن عَظَمة إنجاز مشروع المقاومة المؤمِن ألّا منتصف طريق مع المشروع الصهيوني.
* كاتب فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي
نقلاً عن الميادين نت