دورُ العلماء والمتعلمين .. بقلم/ قاسم الإدريسي
يقولُ اللهُ تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].
وقال اللهُ تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9].
وقال الله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران] /15.
فاللهُ تعالى عندما خلق الإنْسْان اختصه وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً، ثم اصطفى من بني آدم أنبياءَه وأولياءه فكانوا أئمةَ العلم والهداية، وبهم تُعرَفُ طُرُقُ النجاة وبهم يستضيئ العباد.
ثم جعل لأولئك الحواريين والأنصار ممن لزمهم وشرب من نبع علمهم، واهتدى بهديهم، فكانوا مَن يقصدهم الناس لعلمهم وتقربهم إلى الله تعالى، فأهل العلم هم أهل ولاية الله وحزبه، وهم من وجبت لله عليهم الحجة، فهم معنيون أكثرَ من غيرهم بتبيين الحَـقّ وإبلاغ الحجة؛ فلذا فإن على العالم أن يتصفَ بأمور ويحذر من أمور، فإذا صدَّق فعلُه الصالحُ قولَه في الحَـقّ نال به رضوانَ الله سبحانه، فيبلغ بذلك الرضوان درجة الربانيين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والحافظين حدود الله، وللعالم وطالب العلم صفات عليه أن يتحلى بها ويلزمها ومنها:-
1- الإخلاص لله تعالى فيما حصله من العلوم، فلا يبتغي بذلك الدرجات عند الناس ولا أن ينال منهم الثناء، فإنه بذلك يعمى عن الهدى، وينتقل من كونه هادياً للناس إلى رجل جدال ومِراء، وجدالُه ذلك ومراؤه لا لإظهار الحَـقّ وتبيينه، وإنما لتعلو كلمته وترجح كفته.
2- أن يأخذ دينَه عن تفكُّر وتدبُّر وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (من أخذ دينه عن التفكّر في آلاء الله، وعن التدبر لكتابه، والتفهم لسنتي، زالت الرواسي ولم يزل، ومن أخذ دينَه عن أفواه الرجال، وقلّدهم فيه، ذهبت به الرجالُ من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال)، وقد تكرر قول الله وثناؤه لذوي الألباب ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
3- أخذ الكتاب بقُــوَّة وذلك بالالتزام بما فيه والتمسك به مهما كانت الظروف والمشاق والصعوبات، قال الله تعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ).
4- عدم مداهنة الظلمة والطغاة أَوْ الخوف منهم، وإنما يظل أخوف ما يخاف منه هو الله تعالى ومن غضبه ومن نقمته، وهذا هو مقتضى تلك العلوم التي تعلمها والحق وإلا فأين هو من ذلك العلم؟!، قال الله تعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا).
5- ألا يبيع دينَ الله بأي ثمن مهما بلغ؛ لأَنَّه ومهما نال فقد خسر رضوانَ الله تعالى ونال ببيعه خُسراناً وعذاباً بقدر تلك المسئولية التي احتملها، ثم يكون النكال عليه والنقمة أشدَّ من غيره من عامة الناس، قال الله تعالى (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ).
6- أن يصدق قوله بفعله، حتى تصدق فيه القدوة والأسوة، وحتى لا يكون ممن قال الله تعالى عنهم ﴿يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.
7- أن ينصُرَ الحَـقّ ويعمل على إزهاق الباطل ويجعل من ذلك العلم الذي سعى لجمعه نوراً يستضاء به، ويهدي الناس به إلى صراط مستقيم.
فالعالِمُ العاملُ بمقتضى رضوان الله تعالى، إنما يكمل بعمله مسيرة الأنبياء والصالحين، ويرسم بعلمه طريق الحَـقّ المستقيم، وللعالم مهام وأعمال يعجز عنها كثير من الناس، فإذا ما قام العلماء العاملون بمقتضى رحمة الله ورضوانه، والتزاماً بهدى الله وتوجيهاته، فإن علمَه ادعى إلى استقامة الحياة وانتشار نور الهداية، وإزهاق أباطيل المبطلين، وردع الظالمين عن مفاسدهم، ومن تلك المهام التي يلزمها العالم العامل:-
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ، وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
2- الدعوة إلى توحد الأُمَّـة، والعمل على نفي الفرقة، وإعمالاً لقول الله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) فإذا كان هذا نداء لغير المسلمين، فما بالُنا كأمة مسلمة ندعو للفُرقة والتنافر واللهُ تعالى يقول (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
3- العمل على إقامة عامل الإحسان والتضامن الاجتماعي، فالإحسان هو دأب الأنبياء وخلقهم، وصفات أولياء الله ومنهجهم، وبه يستحقُّ العبدُ من الله الرفعةَ ويكون الاصطفاء، قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
4- كشف الحقائق وبثها في أوساط المجتمعات، وفضح الثقافات المغلوطة والتي عمدت على تدجين الشعوب العربية والإسْلَامية للطغاة والمعتدين وبالتالي دجنت تلك الشعوب لأعدائها من اليهود ومواليهم.
5- العمل على إصلاح ذات البَين بين المجتمعات ونزع الأحقاد التي خلّفتها الانتماءاتُ المتعددة التي لطالما خلقت العداوات والفتن بين أبناء المجتمعات العربية والإسْلَامية، وبناء المجتمعات على أُسُسٍ إسْلَامية صحيحة وثابتة.
6- إنشاء مجتمعات مبنية على الخوف من الله ومحبته والتمسك بتعاليم الدين، وتبيين الحلال من الحرام، وحث المجتمعات على الالتزام بما فرضه الله عليهم، والتمسك بالقيم والأخلاق الدينية التي من شأنها أن ترتقي بالأمة إلى ما أراده الله لها أن تكونه.
7- شحذ الهمم وزرع روحية الجهاد لدى الفرد والمجتمع، والتي من شأنها أن تصنع جيلاً لا يخضع لغير الله ولا يقبل بأي معتدٍ أَوْ غازٍ لبلاده، وأن يحمل الروحية الجهادية.
8- الوقوف ضد معالم الفساد التي تستهدف القيم الدينية والعربية، وتحصين المجتمع من الوقوع في شراك أعداء الأُمَّـة وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل والدول الموالية لهم، والذين لا يدّخرون جهداً لنزع ما تبقى في نفوس الناس من دين وأخلاق وقيم، وعليه فإن على العلماء والمتعلمين التحَــرّكَ بجد ونشاط وبقُــوَّة ضد تلك الأعمال، التي من شأنها تدمير الأمم وجعلها لقمة سائغة لأعدائها.
9- كشف الأقنعة الزائفة التي يتلبس بها أعداء الأُمَّـة، كالذي تدّعيه أمريكا من حقوقية وحرية، وكذا ما يدعيه أتباعهم من الأعراب أنهم الوحيدون اللذين يطبقون الشريعة الإسْلَامية، فعلى العلماء كشف أقنعتهم الحقيقية التي لا تعرف سوى سفك الدماء وقتل النفس المحرّمة، وضرب واستهداف الإسْلَام من أوساطه، ونشر آثار الدمار والفساد وما يعملوه من هلك للحرث والنسل للناس، وكذا علاقتهم وتوليهم الصريح والواضح للكيان الصهيوني والذي كله شر محض.
10- إعمار بيوت الله وإقامتها بالذكر والنصح والتواصي، وإقامة حلقات العلم وحلقات تعليم القُـــرْآن، وإنشاء جيل مرتبط بالقُـــرْآن حفظاً وفهماً وعملا قال الله تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ، فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
وعليه فإن العالم والمتعلم مسئولٌ أمام الله تعالى عن قوله وفعله، فعليهم أن ينظروا فيما قدموه للأمة وكيف موقفهم يوم وقوفهم بين يدي الله وكيف سيكون جوابهم وهم أئمة القوم وعلماؤهم، فلينظر امرؤ وما قدّم، فالله تعالى جده سائلهم عما قدموه، هذا ونسألُ اللهُ تعالى الهدايةَ والتوفيقَ والعونَ والسدادَ، والحمدُ لله رب العالمين وصلى اللهُ وسلّم على خير خلق الله أجمعين محمد بن عبدالله وعلى آله الأسوة والقدوة، والله المستعان هو حسبُنا ونعم الوكيل.