بعد أربعة أعوام من العدوان على اليمن، لا يزال البعض يبيع وهم الانفصال لـ(الجنوبيين) بقلم أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
أتابعُ ويتابعُ الرأيُ العام الوطني وعبر العديد من المواقع الإلكترونية ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي سيلاً من التحليلات والمقالات وحتى الانطباعات الشخصية للعديد من الكُتّاب مِمَّن يتداولون إشكاليةَ القضية الجنوبية فهم بين كاتب مُخضرم أَوْ متوسط المستوى، أَوْ حتى من الهُواة الذين يشخبطون بعبارات لا معنى ولا مغزى لها وهؤلاء لا يُعتَدُّ بهم ولا بكتاباتهم. لكن المُحيِّرَ في الأمر في تلك الكتابات من البعض مِمَّن يُفترَضُ تميُّزُهم بالحنكة السياسية والتجربة الحزبية الطويلة في مضمار الكتابات حول الهوية ببعديها اليمني والعروبي والإنْسَاني.
عاش اليمانيون في جهات جغرافيتهم الأربع طيلةَ سنوات أربع طبعت حياتهم بطابع الحرب والعسكرة والدمار وما ترتب عليها من فجائع الموت الجماعي إلى الفردي والإصابة بالجائحات من الأمراض التي قد نساها العالم كالكوليرا والدفتريا وغيرها مع مجاعة شاملة بلغت حدود 14 مليون إنْسَان، حتى أصبحنا نُعرَف في التقارير الدولية بأننا نعيشُ أكبرَ مأساة إنْسَانية يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، والمتسبب الرئيس بطبيعة الحال في كُلّ كوارث اليمنيين هم دول العدوان بقيادة المملكة العربية السعوديّة وحكومة الإمارات العربية المتحدة.
والقاصي والداني في الداخل والخارج يدركُ الآنَ بأن (الجنوب) أي المحافظات الجنوبية والشرقية وأجزاء من محافظات الحديدة وتعز ومأرب تعيشُ اليوم تحتَ الاحتلال السعوديّ الإماراتي، يقابله رفضٌ شعبي لهذا الاحتلال وما يسببه من عمليات قمع وترهيب واغتيالات وسجون سرية ومصاعبَ خدمية عديدة يتحمل وزرها المواطن اليمني في جنوب الوطن المحتل منذ بدء العدوان في الـ 26 مارس 2015م وحتى كتابة هذا المقال. لقد أصيب الرأيُ العام المحلي اليمني بالذهول والحيرة عندما شاهد الغالبيةَ المطلقة من قادة (الحراك الجنوبي) وهم يتحولون بقدرة قادر إلى أصدقاء ومتعاونين وحتى عملاء ومرتزِقة مأجورين للقادة العسكريين الميدانين السعوديّين والإماراتيين، وَيجاهرون للأسف الشديد بعمالتهم دون حياء من الله عز وجل ومن عباده أجمعين، ولَم يدركوا حتى اللحظة ما سيكتبه التأريخ عنهم، وكيف سينظر إليهم أحفادهم والأجيال من بعدهم في هذا العمل غير الأَخْــلَاقي وغير الوطني بكل المعايير الدولية والقانونية الإنْسَانية لمفاهيم القيم والأَخْــلَاق والوطنية.
بعضُ الشخصيات اليمنية التي سقطت في وَحْل العمالة والارتزاق كنّا نحترمها ذات يوم؛ لأَنَّ لديها إسهاماتٍ وطنيةً مشهوداً لها بالتميز في بناء الدولة اليمنية الوحدوية. أما البعضُ الآخر من هؤلاء فهم جاهزون للسقوط من أول حركة تتبناها دول الاحتلال، وبالتالي لا يستحق هؤلاء حتى التوقف عند ذكر أسمائهم. للتذكير فحسب، فإن عدداً من هؤلاء (القادة الجنوبيين) كانوا حينما يتحدثون عن الوطنية والكرمة والمقاومة، تحسبهم تلاميذ نجباء أحراراً من خريجي مدرسة أرنستو تشي جيفارا، أَوْ فيدل كاسترو، أَوْ نيلسون مانديلا، أَوْ أحمد سوكارنو أَوْ من أتباع نظرية وتجربة الزعيم العربي جمال عبدالناصر التحررية. لكن الواقع المر يقول بأن هؤلاء (القادة) ليسوا سوى موظفين مُنفذين طيّعين للضباط السعوديّين والإماراتيين في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال.
أليس هؤلاءِ (القادةُ) مُجَــرّد شخوص لشرعنة العدوان والقتل والتدمير الذي مارسته وتمارسه السعوديّة والإمارات بحق الشعب اليمني طيلة زمن العدوان؟ ألم يتخذ العالم الغربي الرأسمالي الصديق للسعوديّة قرارات واضحة لمنع بيع وتصدير الأسلحة الأوروبية والاسترالية والكندية إلى السعوديّة؛ بسببِ استخدام هذه الأسلحة ضد الشعب اليمني؟ ألم يتخذ الكونجرس الامريكي قراراً بالأغلبية بإلزام سيد البيت الأبيض/ دونالد ترامب بوقف تجهيز وتسليح المملكة السعوديّة كي لا تقتل أطفال ونساء وشيوخ اليمن المدنيين؟ بعد كُلّ ذلك يأتي البعض ليكتب بسذاجة مُفرطة عن أن الجنوب ينبغي أن يستعيد (دولته الجنوبية) وبهوية غير يمنية ومسمى غير يمني، ويطلب أن تعود اليمن الجنوبية إلى زمن ما قبل الوحدة اليمنية المباركة وتحت قيادة هؤلاء القادة الانفصاليين!!! أظنُّ أن من يتركَ العِنانَ لقلمه أَوْ لأصابعه تحاكي (الكي بورد) ويكتب هذياناً كهذا، فإنما يهوِّم خارج الواقع في ما يكتب، ويكرر تلك الكتابة الحالمة الغارقة في الوهم عن دولة وأرض افتراضية، يبحث لها عن قادة وهميين يعيشون إما في الفنادق والمنتجعات الفارهة، أَوْ تعيش أسرهم رهائن لدى دول العدوان في الرياض وأبوظبي واسطنبول.
إن مَن ينتظر خيراً من هؤلاء الأشخاص وشيئاً مفيداً ذا قيمة للقضية الجنوبية هو أشبهُ بمن يلهث خلفَ السراب البعيد اعتقاداً منه أنه سيشربُ من ماء زُلال، لكنه في حقيقة الأمر لا ولن يقبض سوى الريح من خلف هذه الأوهام. على هؤلاء النشطين في كتابة وترويج أوهام الانفصال، التي لا طائل منها سوى مواصلة الضحك على المواطن البسيط وبيع الأوهام الكاذبة، أولاً الاستيقاظ من سباتهم ومن غيبوبتهم الكهفية الطويلة، وَعليهم ثانياً القراءة بتمعن لحقيقة أن (قياداتهم) أصبحوا جزءاً أصيلاً من مؤسسات دول العدوان، فجزء عميل للسعوديّة والآخر عميل للإمارات، ولا يتحركون إلا بإرادة المحتلين ووفقاً لمشيئتهم.
لقد أثبتت الأحداثُ أن المشاريعَ العِرقيةَ الجِهَوية والمناطقية الانفصالية ليس لها مستقبلٌ. لنأخذ الطموح القومي الكردي في كُلٍّ من العراق وسوريا وإلى أين وصل؟ ونمعن النظر في تجربة الانفصال في جنوب السودان وما حل بالمواطن المدني من مأساة الحرب الأهلية. وثمة تجاربُ إنْسَانية أُخْـــرَى عديدة في العالم ليس المجال مناسباً هنا لاستعراضها انحسرت وربما سقط مشروعها الانفصالي إلى غير رجعة، ولا ضير أن نتعلمَ من الآخرين في هذا الشأن العام.
ما زلنا في مربع التفاؤل والأمل في أن يعُمَّ الأمن والسلام في ربوع اليمن، استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2451 بتأريخ 21 ديسمبر 2018م المبني على تفاهمات ستوكهولم عاصمة المملكة السويدية بشأن اليمن بشكل عام ومحافظة الحديدة وتعز بشكل خاص وإطلاق الأسرى والمعتقلين من طرفي النزاع. كُلّ ذلك يدفعنا للتمسك بخيط الأمل لتحقيق السلام الدائم في العام القادم بإذن الله. وأن يتوقف البعض من الكُتاب والسياسيين عن مغالطة اليمنيين الجنوبيين ببيع وَهْم الانفصال والعودة إلى ما قبل الـ 22 مايو 1990م؛ لأَنَّ الوحدةَ اليمنيةَ قد حفظت لليمنيين كرامتَهم وإنْسَانيتَهم من ذلك النظام الشمولي الذي لا نحبذ أن نذكّرَ هؤلاء الانفصاليين بفظاعاته وجرائمه المروّعة في حياة اليمنيين، وممارساته غير الإنْسَانية وتجربته الكريهة في مصادرة المال والثروة وكرامة الإنْسَان معاً. إنه النظام التوتاليتاري البغيضُ الذي نبذه العالَمُ من موسكو وجميع دول العالم التي كانت تستظلُّ بظِلاله الحمراء الملتهبة، واللهُ أعلمُ منَّا جميعاً.
وفوق كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم..
*رئيس مجلس الوزراء