الإعلام والقيم ومكافحة الفساد .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
في اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي صادفَ التاسع من ديسمبر من كُـلّ عام لن أقيم أي اعتبار لذلك اليوم طالما وأن الفساد السياسي والأخلاقي الدولي يسودُ الكثيرَ من الأنظمة العالمية والمنظمات الدولية في علاقاتها ومواقفها مع الدول العربية والإسلامية وذلك ما شهدناه واقعاً ملموساً في التعامل مع القضايا والملفات الدولية والإقليمية ومنها على سبيل المثال قضايا اليمن وسوريا وفلسطين، وستبدي لنا الأيامُ القادمة إن كان ثمة جديةٌ ومسؤولية لدى الأمم المتحدة في الإشراف على تنفيذ اتّفاق السويد الذي جمع بين الأطراف اليمنية مؤخّراً بمواصلة الجهود الأممية وَالخطوات المرحلية لوقف العدوان على اليمن وكشف مظلومية الشعب اليمني وجبر ضررهم وتعويضهم عما لحقهم من خسائرَ بشرية ومادية ومعنوية وكذلك ملاحقة ومساءلة المتهمين بارتكاب الجرائم بحق اليمن أرضاً وإنساناً، عندها سنرفعُ القبعات تقديراً واحتراماً للجهود الأممية والدولية في سعيها الإنساني والأخلاقي والقانوني، ولو أن تلك المساعي جاءت متأخرةً جداً لكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي.
وعلى كُـلّ حالٍ، فالحديثُ هنا لا يتناول موضوع اتّفاق السويد لكن وبما أن العنوان يتحدث عن مكافحة الفساد وددت التنويه والإشارة إلى تلك الجوانب باعتقادي يقيناً أن العدوانَ على الإنسان وأرضه وعرضه وحقوقه وحرياته يمثل الفساد الأخلاقي والقيمي بذاته؛ لذلك فالفساد إنْ لم يتم القضاءُ عليه واجتثاثه ابتداءً من البيت والأُسْرة فإنَّ دائرتَه ستتسع وتكبر إلى أن تصل تأثيراته وأبعاده السلبية إلى الحي ثم إلى المؤسسات ومنها إلى الأنظمة وسياساتها وتوجهاتها ومواقفها مع غيرها من الأنظمة والدول؛ ولذلك يمكنُ القولُ إنه إذا انتشرت ثقافة مناوئة الفساد بأشكاله وصوره فإنه سيصبح لدى كُـلّ فئات المجتمع وأفراده صورة ذهنية متنورة ومعرفية تفرق بين الحق والباطل وبين الغث والسمين وبين السلوك الحسن والسيء وبين الفضيلة والرذيلة وسيصبح تحديد المواقف والتوجهات إزاء القضايا المصيرية سهلاً وميسراً أمام الكثير من الأحداث والوقائع، ذلك أن الفساد أياً كان نوعه سواءٌ أكان أخلاقياً أَوْ اجتماعياً أَوْ اقتصادياً أَوْ سياسياً فإنه يقضي على القيم الإنسانية ويهدم الكيانات الاجتماعية والأسرية ويأكل القوي لقمة الضعيف ويُشل التعايش السلمي السياسي بين الجماعات والمكونات، وبما أن الفساد هو نبض الظلم والطغيان فإن القيم والمنابر الإعلامية الصادقة هي نبض الحقوق وَالحريات؛ ولذلك فالفسادُ يقفُ حائلاً دون تطلعات الشعوب وآمالهم ويؤرثُ الأحقادَ والضغائنَ بين الناس ويعزّزُ الفجوة والفوارق بين طبقات المجتمع، أما الوازعُ الديني وَالقيمي وحرية الرأي والتعبير فإنها تكشف الفساد وأشكاله وتقضي على صوره وتعالج الاختلالات وأوجه القصور.
الفسادُ كانفلات اجتماعي موجودٌ في البيت والمدرسة وفي الشارع والبيئة وفي الوزارة والمؤسسة وينبغي لمواجهة ذلك تعزيز القيم وترسيخ الوازع الديني والوطني وتعميق الولاء لله وللوطن وإفساح المجال للإعلام وحرية الرأي العمل في الميدان وفي الإدارة بحرية دون تقييد وبمرونة دون تعقيد وَإحباط، الفسادُ هو أُمُّ الجرائم المتمثلة في الرشوة والاختلاس والابتزاز وهو المحسوبية والمصالح الشخصية والأسرية على حساب قيم العدالة وَالإنسانية وعلى حساب المؤهلات والخبرات، وإن لم يتم اجتثاث الفساد وَالقضاء على مظاهره التي تسود عدد من الوزارات والمؤسسات فإننا وبلا شك أمام إعادة إنتاج النظام القديم وإن اختلفت الأسماء فستبقى نماذج أخرى لسلوكيات وانحرافات وعبث بمصالح الدولة، وسيحصل من النتائج ما لا يحمد عقباها، والكارثة في واقعنا اليوم أن من يشار إليهم بالفساد ومن يقومون بتلك السلوكيات يحسبون أنهم يُحسِنون صنعاً وَهم المفسدون ولكنهم لا يشعرون؛ ولذلك أعتقد أن من واجب الإعلام اليوم أن يقومَ بدوره في ترسيخ قيم العدالة والإنسانية كثقافة وسلوك وتعامل، فليس من القيم انعدام النزاهة والشفافية في المعاملات الإدارية والمالية وليس من القيم انتهاك الحقوق والحريات وتكميم الأفواه، وليست من القيم سوء الإدارة والعبث بالمال العام والاستهتار بالمصلحة العامة للمجتمع، وليست من القيم أوجه القصور في الأداء وعدم تحمل المسؤولية واللامبالاة تجاه المهام والأعمال؛ ولذلك ومواجهة للاختلالات والقضاء على أوجه الفساد وصوره ينبغي أن تلعب الصحافة والإعلام دورها وتولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً في توجيه وترشيد المجتمع أفراداً وجماعات ورؤساء ومرؤوسين باتخاذ الفضيلة والقيم منهجاً لتحقيق المصالح العامة للدولة وضرورة التحلي بالمصداقية والشفافية والنزاهة في الأداء والمهام وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب ومحاسَبة المسيء وإكرام المحسن والمخلّص لأعماله، فالقانونُ فوق الجميع ولا استثناء للتجاوزات القانونية والمخالفات الإدارية، وبالتالي حريٌ بالتأكيد أن الإعلام كمنبر لكشف الفساد وترشيد الناس بمخاطره وأبعاد السلبية لا يكفي دونَ أن تترسخَ فينا القِيَمُ والوازِعُ الديني والوطني ومراقبة الضمير والفطرة السليمة وتعزيز دور المجتمع المدني وتفعيل مهام الهيئات القضائية وَالرقابية في مراقبة المفسدين ومحاسبة المتورطين والمتهمين فتلك بلا شك منظومة متكاملة ستتجه بنا إلى بناء مجتمع فاضل ودولة مؤسسات يسودها الأمن والتعايش والسلام قال تعالى: (والعَصْرِ إنّ الإنسَانَ لفِي خُسْر، إلاّ الّذيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الَصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالصّبْر).