انتصار سوريا.. المستحيل الذي ظلّ مُمكناً .. بقلم/ محمد لواتي
* رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي
مَن يعتقد أن دويلات الخليج كانت تتصرّف بأموالها بحكمة تجاه سوريا يظنّ أن التأريخ قد توقّف وأن الجغرافيا لا تأخذ توازنها من البراكين بملء الفراغ فيها.. هي إذن سوريا الصامدة في وجه الأعاصير الكبرى ومن أكثر من ثمانين دولة!! وألف وثمانمائة قناة إعلامية مُعادية وآلاف الصحف والمنشورات السرّية..
انتصرت الجزائر على فرنسا ومعها الحلف الأطلسي بالمقاومة وصمود شعبها وتماسك نسيجها الاجتماعي، واليوم تنتصر سوريا على أعتى عدوان دولي (حرب كونية) بصمود شعبها وبسالة جيشها وأصدقائها في المقاومة، وتعيد العالم إلى النظام الدولي المُتعدّد الأقطاب، ومَن لا يعترف بأن سوريا بصمود جيشها وشعبها حرّرت العالم من الأحادية القطبية كمَن لا يعترف بوجود جغرافية سوريا أصلاً.. ومَن يعتقد أن دويلات الخليج كانت تتصرّف بأموالها بحكمة تجاه سوريا يظنّ أن التأريخ قد توقّف وأن الجغرافيا لا تأخذ توازنها من البراكين بملء الفراغ فيها.. هي إذن سوريا الصامدة في وجه الأعاصير الكبرى ومن أكثر من ثمانين دولة!! وألف وثمانمائة قناة إعلامية مُعادية وآلاف الصحف والمنشورات السرّية.. وكلها اختارت السوء.. دول الخليج بالمساهمة بالمليارات في تخريب سوريا ولكنها أخطأت بلحظة سوء تقدير وأخطأ الغرب معها في تطويع سوريا بهذه الحرب البربرية لصالح إسرائيل. لم يكن إذن كُــلّ هذا النجاح السوري ليحدث لولا صلابة الجيش السوري وصمود الشعب والمقاومة بكل أطيافها وبسالتها وبقيادة سماحة السيّد حسن نصر الله. وبتعبير خبير روسي مختصّ يقول”، لم يعد أمام الولايات المتحدة خيار آخر، حتى ولو كان هذا الخيار بلا أمل” وبالتالي هل بإمكان أردوغان المُتهافِت سياسيّاً وعقائدياً تحييد أخطائه في سوريا ليهدّد ويدعّي أن أنقرة “ستهدم الدنيا على رأس النظام السوري إذا هاجمت قواته الجنود الأتراك المتمركزين في نقاط المراقبة في محافظة إدلب” السورية طبعاً، أم أن ما قالته الرئاسة التركية مجرّد صوت ضفدعة في مستنقع الرذيلة الذي أنتج “داعش” وأخواتها، بالتأكيد فإن مثل هذه الأقوال لا تحكمها مبادئ ثابتة بل تسيّرها أصوات بقايا أثواب العثمانية في خريف عمرها، وأن الادّعاء بأنه يمثل الإسلام والديمقراطية في المنطقة ما هو إلا تكهّنات اضطرارية لبقائه داخل الحكم القائم على الرفض للرأي الآخر والمقيّم أصلاً ضمن ثوابت الفشل.. صحيح أنه حوّل عفرين إلى ما يشبه الثكنة العسكرية وجعلها ظاهرياً جزءاً من ولايته، وأكيد أنه مُخطئ في كُــلّ حساباته لأن الشعوب لاتُقاد بالقهر ولا يُشترى ولاؤها بالوعود. إن خيار التجزئة التأريخية كمنطلق ليس من منطق التأريخ ولا الجغرافية ولا هو أيضاً من قوّة التأريخ، بل هو أحد أعمدة الانبهار باللحظات المؤقتة والتأريخ فيها غير قابل للدوام.. إن خيانة الواقع مثل خيانة الزوج لزوجته نهايته الطلاق أَوْ الانفصال. وإذا كان أردوغان يلعب على المُتناقضات بين روسيا والولايات المتحدة في عهد ترامب على وجه الخصوص، فإنه يكون قد أسند ظهره لمُنحنيات الفكر السياسيّ المتكسّر، فأميركا ذاتها تعيش في لعبة الانهيار وتتصارع داخلياً وخارجياً بل الغرب كله، إن سيادة الغرب على كوكبنا لا تستند إلى قِيَم رفيعة، أَوْ تفوّق تكنولوجي، على الرغم من أهميّة ذلك أيضاً. لكن الغرب حصل على رخائه، وتطوّره التكنولوجي باعتماده حصراً على القوّة العسكرية، التي مكّنته من سرقة المستعمرات، وفرض إرادته، وقواعد لعبته على الآخرين.
بيد أن روسيا تلعب بالوقت ظاهرياً وتسرّع الأحداث داخلياً لبناء قوّة عسكرية قادرة على الإطاحة بالأحادية القطبية حين يتأكّد الوقت لذلك وعلى وجه الاحتياط من أيّ خطأ من تركيا ذاتها لأن تركيا بزعامة أردوغان لا يمكن التنبؤ بما هي عليه واقفة أَوْ منتظرة، إن روسيا لا تهدّد زعامة الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً، بينما تكمن خطورتها فقط، في أنها تتحدّى سياسات القطب الواحد الذي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في العالم، ثم إن السعوديّة وإن كانت تختفي وراء تدوير أسعار النفط كيف ما تشاء ولصالح الولايات المتحدة الأميركية أملاً من أميركا في حماية عرشها أَبد الدهر هي مخطئة وربما تسير نحو الإسقاطات المتتالية لما هو غير سياسيّ بما من هو قشرته، وإن الارتماء في سياسة الآخر لمجرّد وعود أشبه بوعود ترامب المتماهية مع الكذب يدفعها إلى الانعزال عن محيطها الإقليمي الذي هو حجر الزاوية في حمايتها من تلاعبات الآخرين وعلى رأسهم إسرائيل، بإمكانياتها المالية وقد صرّح بها أكثر من مرة ترامب بقوله ” البقرة الحلوب” أوردت صحيفة الواشنطن بوست أن وليّ العهد تسبّب في زعزعة استقرار المنطقة بتصرّفاته المتهوّرة، بما في ذلك اختطاف رئيس الوزراء اللبناني الموالي للولايات المتحدة ومقاطعة قطر” والأكيد أن “موجة تسونامي مدمّرة تجتاح أجزاء كبيرة من العالم وتصل إلى أوروبا التي تشهد انهياراً اقتصادياً كارثياً”، والحال هذه فإن ليس للسعوديّة بصائر تركن اليها ولو لحظات وتعيد بها حسابتها إلا بالتوجه نحو إيران بدلاً من ارتباطها بإسرائيل بالتطبيع المباشر أَوْ بالسر.. إن الحكم الراشد لا ينظر للواقع من خلف الأبواب المغلقة بل من وسط العواصف لتغيير مساراتها أَوْ الاستفادة من مآسيها كحال عاصفة الشر العر بي الذي ألهوه باسم “الربيع العربي” وماذا تفعل السعوديّة الآن وقد طارت أميركا من المنطقة وتركت وكلاءها في بحر من اليأس، يقول الحاخام الأميركي “شناير” في نصيحة مغلفة وفاقدة لأيّ منطق سياسيّ بن سلمان وربما – صدّقه بن سلمان لأنه مهووس بالسلطة ومتهوّر إلى حد قتل من بخالفه الرأي بصور بشعة مثل ما حدث بمقتل خاشقجي- أن “انسحاب القوات الأميركية من سوريا قد يساهم في تقوية وتعزيز علاقات إسرائيل مع الدول العربية” بيد أن التأريخ لا يصدّق إسرائيل حتى في جودها ككيان إرهابي خلافاً لإيران التي أمدّت العالم بحضارة لاتزال فاعليتها قائمة في الفعل الإنساني إلى اليوم فضلاً عن كونها القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة.. إن سوريا وبعد ثماني سنوات من المواجهة لحرب كونية تعود الآن لأداء دورها الريادي، وأنها مازالت بعد هي قلب الصراع العالمي ضدّ الهيمنة الغربية وبالأخص الأميركية، وما تسارع الخطى من دويلات الخليج لإعادتها إلى الجامعة العربية إلا أحد الشواهد الكبرى على ذلك، تقول “صحيفة الغارديان في تقرير لها، تحت عنوان “جامعة الدول العربية تعتزم إعادة سوريا بعد ثماني سنوات من الطرد”، تتحدّث فيه عن توقّع عودة سوريا للجامعة العربية مع تلاشي المعارضة. وتورد الصحيفة نقلاً عن مصادر دبلوماسية، قولها إنه يوجد اعتقاد متزايد بين الأعضاء الـ22 في الجامعة العربية بأن سوريا يجب أن تعود للمنظمة، على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة على السعوديّة ومصر بإرجاء التصويت على الأمر. وما يدل على العودة المرتقبة وبقوّة تؤكّده عودة الإمارات الشريك الاستراتيجي للسعوديّة فقد أعلنت رسمياً الخميس “27/ 12 / 2018 استئناف علاقاتها مع الدولة السورية والتي كانت قطعتها إثر اندلاع الثورة السورية في العام 2011. جاء ذلك في بيان نشرته وكالة أنباء الإمارات الرسمية، والسؤال المهم هو كيف تتشكل خارطة المنطقة بظهور إيران كقوّة إقليمية وتراجع إسرائيل أمام المقاومة وانتصار سوريا الحليف الصلب للمقاومة في وجه إسرائيل..؟ منطق الحرب التي خاضتها سوريا يؤكّد على أن محور المقاومة هو القادر المقتدر على ترسيمها وفق منظوره العروبي والإسلامي والباقي ربما يرتّب في آخر الصفوف حتى وإن ادعى الهيمنة بالقوّة المالية، ومعلوم أن المال لا يبني حضارة ولا يؤسّس لفكر حداثي مبني على المرجعيات التأريخية والجغرافية. فالسعوديّة تعيش آخر أيام ديكتاتورية بن سلمان، وبالنسبة لأميركا يرى الصحافي البارز توماس فريدمان “أن المواطنين (الأميركيين) كانوا يطمحون إلى إرساء تغييرات، لكن ترامب قدمّ لهم الدمار والارتباك والجهل المطلق”. فهل من تقدير سعوديّ جديد لسياستها المتهوّرة في المنطقة أم أن القيدَ (قيد الجهل) باقٍ على حاله؟.