المعادَلة تتغير .. بقلم/ محمد أمين الحميري
قبل أيّام تسلّمت الأحزابُ السياسيةُ الوطنيةُ مسودَّةَ الرؤية الوطنية لبناء الدولة والتي قدمها المجلسُ السياسي الأعلى في وقت سابق لحكومة الإنقاذ الوطني للاطلاع والمراجعة، وإن وجد من ملاحظات وإضافات لدى الأحزاب على الرؤية سيتم تقديمُها للمعنيين وأملُنا أن تُؤخَذَ بعين الاعتبار، الجديرُ بالذكر وأنا أطالعُ في المسودة هو إمكانيةُ التغيير نحو الأفضل والنهوض باليمن إلى مستوى الدول المتقدمة وإن كانت اليمن اليوم في أحلك الظروف وأصعبها، فعدوانٌ وحصارٌ خانقٌ ومؤامرة عالمية تهدفُ لإجهاض أية محاولة للاستقلالية والاصلاح والبناء، إلا أن نقطةَ القوة التي يمتلكُها اليمنيون اليوم هي أن هناك إرادةً متوفرةً لدى صُنَّاع القرار في عمل تحولات نوعية، وهذا ما أدركه الشهيدُ الرئيسُ صالح الصمَّاد رحمه الله حينما أطلق مشروعَ بناء الدولة وإيْمَانه أن كُلَّ التحديات التي تواجهُها اليمنُ والوضع المأساوي الذي تعيشه لن يكونَ عائقاً أمام أي طموح يتطلعُ له الشعبُ حتى ولو كلّف ذلك تقديمَ التضحيات الكبيرة فشيءٌ طبيعي، إذ الأهمُّ هو العزيمةُ والجديةُ في الاستمرارية ومواجهة التحدي بالتحدي، تحدّي إبراز هذا المشروع وبلورة الفكرة بالشكل الأمثل، وحشد الطاقات في اتّجاه الإسهام الفاعل في بناء الدولة.
ومما يجعلُ لهذا المشروع اليومَ أهميتَه الكبيرةَ هو أنه في هذا الطريق قد خسرت اليمنُ أحدَ أهمِّ رجالاتها والرجل الأول في هذا المشروع وهو الشهيدُ الرئيس واضعُ مرتكزاته وأُسُسِه، وعليه فلابد أن تكونَ الهمَمُ أكبرَ والمعنويات عالية وبالله يكون العون والتوفيق.
ها هو اليمنُ الذي أُريدَ له أن لا يكونَ.. بعد أربعة أعوام يعلن حضورَه البارزَ من جديد، فالرؤيةُ الوطنيةُ لبناء الدولة هي الخطوةُ الأولى في اتّجاه الإصلاح الشامل وفي هذا من الإغاظة لقوى العدوان الشيء الكبير، فالرؤيةُ التي نتمنَّى بلورتها وإثراءَها أكثرَ والعمل على إيجاد حامل مؤهَّل لها ويكونُ العملُ من خلال رؤية واقعية تركّز على الأولى فالأولى وتنطلقُ من خلال قراءة واعية للماضي والحاضر واستشراف أمثل للمستقبل.
هذه الرؤيةُ تمثّلُ رسالةً واضحةً أن اليمنَ إلى خير، فكما هو صامدٌ في وجه العدوان الوحشي هو كذلك صامدٌ في إدارة شؤونه الداخلية ومحاربة الفساد وإصلاح الأداء والعمل على إيجاد نموذج لدولة قوية يسودُها النظامُ والقانونُ والعدل والمواطنة المتساوية..
الشعبُ اليمني على موعد مع التغيير نحو الأفضل في مختلف المسارات العسكرية والسياسية والإدارية والنصرُ الكبيرُ في ذلك بإذن الله، وما كان في ظل الظروف المستقرَّة طيلةَ عقود ماضية من المستحيل تحقيقُه بات اليوم في منظور الشعب أمراً طبيعياً مهما كانت الظروف، ولا أبالغُ إن قلت: إن الشعب سيكون شريكاً أساسياً في أية نهضة قادمة، وسيعمل على الحفاظ على مختلف المكاسب التي أحرزها خلال العدوان وفي مقدمتها تعزيزُ الثقة بذاته، وخروجه من حالة الجمود والتبعية إلى حالة التفكير والاستقلالية، وهذا هو الذي سيمكّنه من الدفاع عن أرضه والعمل على استقلال قراره السياسي وسيادة دولته على هذه الأرض..
من قلوبنا: نباركُ للشعب اليمني كلَّ تحَـرّك جادٍّ نحو تعزيز الدور في بناء الدولة، ونؤكّــدُ أن مثلَ هكذا خطوات لم تكن لتكونَ لولا فضلُ الله علينا ثم صمود هذا الشعب الأسطوري وفي المقدمة تضحيات أبطال الجيش واللجان الشعبية أمام الطغاة والمجرمين وتقديم التضحيات، وما بقي هو مواصَلة النضال إلى جانب القيادة السياسية وكل الشرفاء الأحرار الذين نأمل أن يكونوا أهلاً لتحمُّلِ المسؤولية على أكمل وجه، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائمُ وتصغُرُ في عين العظيم كبارُها، وتكبُرُ في عين الصغير الصغائرُ.
المعادَلةُ اليوم تتغير، والطاولةُ تنقلبُ رأساً على عقب ولا أحد في الصدارة إلا الحريصين على تقديم النفع للمجتمع؛ ولهذا فليمد اليمنيون أيديَهم إلى بعضهم البعض ولا يصُحُّ بأية حالة تضييعُ هذه الفرصة السانحة للإصلاح والبناء، حان الوقتُ لتخليص اليمن من الكابوس الجاثم عليها طيلةَ سنوات طويلة وإلى الإمَام لاستعادة مكانته وتحقيق الريادة والتنمية المستدامة له، رغم أنف الأعداء وعملائهم الخائنين.