الانسحابات الأميركية من المنطقة: جعجعة من دون طحين؟! بقلم/ محمد محمود مرتضى
قال مسؤولون أمريكيون، منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز”: إن إدارة “ترامب” تبحَثُ سحبَ أعدادٍ كبيرة، ربما بالآلاف من قُــوَّاتها العاملة في أفغانستان، وإذا تأكّــد هذا فإن أعداد القُــوَّات ستنخفض من مستواها الحالي والذي يبلغ أربعة عشر ألفًا، في خطوة تأتي بعد قرار “ترامب” بأن القُــوَّات الأمريكية ستنسحب من سوريا.
وفيما قال متحدثٌ باسم البيت الأبيض: إن “ترامب” لم يصدر أوامر إلى البنتاغون بسحب القُــوَّات من أفغانستان، إلّا أن الإدارة الأميركية لم تنكر التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة تخطط لسحب ما يقرب من نصف القُــوَّة المنتشرة حاليًّا في أفغانستان.
تأتي هذه التقارير في وقت تتكثفُ فيه التحَـرّكات نحو “مفاوضات السلام” حول أفغانستان، إذ التقى المبعوث الأمريكي الخاص “زلماي خليل زادة”، بممثلي طالبان الشهر الماضي، وناقش القضايا المتعلقة بانسحاب القُــوَّات الأميركية في المستقبل وكذلك مقترحات وقف إطلاق النار.
من المعلوم أن “طالبان” تصر على التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، في موقف هو أشبهُ بتحميل واشنطن المسؤولية عما يجري في أفغانستان، وأن الحكومةَ المحلية هناك لا تستطيعُ أن تقدم أَوْ تؤخر شيئاً من دون الأمريكي، لذلك فضلت التفاوض معه مباشرة من جهة، ومن جهة أُخْــرَى تصر على عدم التفاوض مع الحكومة بدعوى عدم شرعيتها من جهة ثانية.
التقارير عن احتمال تخفيف واشنطن لوجودها العسكريّ إلى النصف تمهيداً لانسحاب كلي من أفغانستان، تتزامن مع إطلاق ترامب تصريحاته عن سوريا؛ ورغم أن تصريحات الانسحاب من سوريا بدت في المرحلة الأولى جازمة، ووضع لها جدولاً زمنياً بحدود السبعين يوما، وأدت إلى جملة استقالات واستنكارات، إلّا أن واشنطن عادت لتتحدث عن عدم وجود جدول زمني محدّد لهذا الانسحاب وربطته بتطور الاتّفاق مع تركيا حول طريقة التعامل مع الكرد.
ويبدو أن مناورة الكرد في الانسحاب من منبج وتسليمها للجيش السوري (وهي مدينة كانت ستسقط بيد التركي عاجلاً أم آجلاً وتقع غرب الفرات لا شرقه)، قد أعطت مفعولها في كبح الانسحاب الأميركي دون مراعاة مصالح الكرد الذين أعطوا واشنطن الكثير.
تصريحات واشنطن حول انسحاب محتمل من سوريا لم يكن الأول، فقد سبق لواشنطن أن أعلنت عن ذلك منذ أشهر. ثم عادت هذه التصريحات لتخبو.
من المؤكّــد أن واشنطن تفكر جدياً بإعادة انتشار قُــوَّاتها في المنطقة، سواء عبر الانسحابات، أَوْ إعادة التموضع وتخفيف حجم القُــوَّات، إلّا أن من المؤكّــد ايضاً أن أي انسحاب أميركي لن يكون من دون أثمان، ويبدو أن واشنطن تقوم بدراسة الاثمان من جهة، ودراسة البدائل من جهة أُخْــرَى.
ففي سوريا، كانت “القُــوَّات العربية” أحد البدائل، لكن يبدو أن هذا الخيار استبعد (حالياً) لعدم انسجامها مع التوجه الجديد في الانفتاح على سوريا ديبلوماسياً، وإعادة ترميم العلاقة معها، فيما يبدو أن الخيار التركي أَكْثَــر ملاءمة أمريكياً شريطة حفظ “المنجزات” الأميركية مع الكرد.
أما في أفغانستان، فإن المفاوضات الأميركية مع “طالبان” تحتل أهميّة قصوى، نظراً لتداخل هذا الملف مع الملفين الإيراني والروسي، حيث الحدود الكبيرة لهاتين الدولتين مع أفغانستان، ما يدفع واشنطن لمحاولة إحداث اختراق كبير في العلاقة مع “طالبان”.
إن التصريحات الأميركية المتكرّرة والمتنوعة عن انسحابات من أفغانستان وسوريا تبقى، إلى اليوم، جعجعة من غير طحين، تهدف لإحداث بلبلة في العلاقات بين الدول المعنية بهذين الملفين (الأفغاني والسوري)، بانتظار تبلور الاتصالات مع البدائل، فإما أن تؤدي إلى انسحاب فعلي، وإما تأجيل الانسحاب أَوْ تعليقه، لأسباب لن تعجز الإدارة الأميركية عن الإتيان بها.
* العهد الإخباري