باقم.. حيث تتضاءل الحياة .. بقلم/ علي الشرفي
صرخ بملء فيه مراراً وتكراراً، لم يفقد الأملُ حيث أعاد الكرّة واضعاً يدَيه بمحيط فمه علّ جزئياتُ الهواء تحملُ أنينَه وألمَـه إلى من يهمه الأمر إن كان يهمه حقيقة، ولكن دون جدوى! فقد كانت الرياح تأخذ حروف صوته عكس ما يريد فتصل صيحاتُه إلى فوهات المدافع والصواريخ الغازية لترد عليه من مخازنها الإنسانية بمعزوفة وفق الطريقة التي يراها الغرب مجدية للتخلص من أصوات مؤلمة تصنف بالمزعجة أَو على الأقل إسكاتها..!
لقد أسدل يديه وراح يتنقل في جغرافيا كان يسميها بيتاً وبوجع عميق يومئ لزاوية ويقول: كان هنا سرير ابني وهنا كانت حجرة، لا. استراحة، بل مطبخ، لا لا وصاح بأعلى صوته إنها هي حجرة أمي التسعينية فتلك نظارتها المكسورة وتلك عصاها التي كانت يوماً تتوكأ عليها..
لقد قفز ابن باقم من على أطلال منزله نحو الخارج مسرعاً ولم نستطع اللحاقَ وقلوبنا يعتصرها الألمُ والغضبُ، فأوينا إلى ركن لا زال منتصباً وسط المنزل بحثاً عن هواء نقي نخفّف به حالة توتر أصابتنا من هول الموقف..
وما هي إلا لحظات حتى عاد صاحبنا تسبقه أنفاسُه إلينا وبيده نصف ورقة ملحوظ أنها ممزقة ومحترقة الأطراف!؟ لقد اقترب منا أكثرَ من اللازم ونحن في ذهول مما يريده، رفع يده اليُمنى إلى رأسه وانتزع غترته البيضاء ورماها بقوة إلى الأرض ورفع يده اليسرى وقال لنا ما ذنب زهير ونجلاء؟! لقد كنت أحبهما أكثر من نفسي!!
تمالكت نفسي وأخذت نفساً عميقاً وقلت له: اصبر يا أخي إن الله مع الصابرين، فمال عني وقال ونعم بالله (ثلاثاً) ثم قال وبصوت عالٍ: هل يظن هؤلاء الأنجاس أننا سننام على الضيم؟ وأن دماء زهير ونجلاء وغيرهما من الأطفال سيذهب هدراً؟ لقد قتلوهم بغارات طائراتهم الأمريكية وغيرها ولكنهم لم يقتلوا عزيمتَنا وكرامتَنا، لقد دمّروا بيتي الذي شقيت لأجله عقداً من الزمن لكنهم محال أن يدمّروا فيها القيم والأَخْلَاق والمبادئ وسنقاتلهم في سبيل الله جيلاً بعد جيل.
وغادرنا وهو يردّد هذه العبارة “جيلاً بعد جيل”..