الأوقافُ وتقريرُ جهاز الرقابة والمحاسبة .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
اختلالاتٌ كثيرة وأوجه قصور متعددة وإهمال للأعمال والمهام الموكلة للقائمين على شؤون الأوقاف، ذلك ما كشفه وأوضحه للرأي العام ولوسائل الإعلام الجماهيرية تقريرُ الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بشأن أداء وزارة الأوقاف لاختصاصاتها ومهامها، وذلك إنما يعكسُ التوجهَ الحقيقي والجاد للقيادة السياسيّة الحكيمة التي تحث وتوجه بصورة دائمة على ضرورة أن تعمل الهيئات الرقابية والقضائية بمهنية عالية ونزاهة وعدالة في كشف وتوضيح الاختلالات والعمل على معالجتها
هناك أوجهُ قصور متعددة ومخالفات في أروقة الأوقاف ودهاليزها وجاء التقرير اليوم ليوضحها ويكشفها وما تحقّق جلياً في تقرير جهاز الرقابة والمحاسبة برهن وأثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة مصداقيةً وموضوعية وأمانة لدى القائمين على جهاز الرقابة وقيامهم بإبراز وتبيين أوجه القصور؛ بهدفِ القضاء على الفساد بكافة أشكاله في كافة أجهزة الدولة ومؤسّساتها والوصول إلى تصويب المسارات وتصحيح الإجراءات وتقويم الأخطاء وتثبيت العمل بالقواعد القانونية المتبعة في جميع الوزارات والمؤسّسات العامة والخَاصَّـة، وكما تحدث نائب وزير الأوقاف من أن تقرير جهاز الرقابة يهدف فعلاً إلى معالجة الاختلالات وليس تصيداً للأخطاء، مشيراً إلى أنه يعتبر بمثابة موجهات لتصحيح الانحراف في عمل الوزارة يجب تلافيه مستقبلاً.
تقريرُ جهاز الرقابة يعتبر بحقٍّ أولَ تقرير شامل ودقيق ومنصف ومجرد من أية محاباة أَوْ مجاملة منذ إنشاء الجهاز؛ كون التقرير أصدر العديد من الملاحظات وتناول تجاوزات إدارية ومخالفات قانونية ولائحية وقصوراً في مواكبة القرارات ومن ذلك مثلاً عدم تنفيذ قرار إلغاء رسوم الخدمات المفروضة على الحجاج والمعتمرين، كما أن عشوائية التكامل في الأعمال والتداخل في مهام واختصاصات إدارات وقطاعات الوزارة معوقات أساسية بدورها تؤثر سلباً على سير الأعمال والمهام، وذلك إنما يعود إلى عدم التخطيط السليم والتنسيق والانسجام فيما بين قطاعات الوزارة وإداراتها المختلفة.
المحافَظةُ على أموال وأصول الوقف الشرعي مسؤولية كبيرة وأمانة يتوجب من القائمين على القطاع المختص بذل الجهود وتحسين مستوى الأداء وبما يحقّق مقاصدَ الواقفين في وصول المنفعة للموقوف عليهم وذلك بضرورة قيام المسؤولين المعنيين بإدارة واستثمار الأموال والأصول الموقوفة لتنميتها وتطويرها وذلك ما لم يتم القيام به وَتمت الإشارة إليه كواحدة من الاختلالات الجوهرية في أداء الوزارة لمهامها.
كما أن عدمَ اتّباع الإجراءات القانونية في عشوائية الصرف المباشر من الإيرادات المحصّلة واستقطاع مبالغ منها دون التوريد للبنك يعد مخالفةً واضحة لنصوص مواد القانون المالي وعقود الإيجار وقانون الوقف الشرعي وكذلك الكشف عن وجود العشرات من الدفاتر وقسائم التحصيل التي لا تزال لدى المتحصلين ولم يتم ترحيلها إلى قاعدة البيانات، علاوةً على ذلك كشف التقرير عن دفاتر لم يتم توريد المبالغ المحصلة بموجبها وَعدم إعداد الحسابات الختامية منذ العام 2012م الأمر الذي يحقّقُ النتيجةَ المؤسفة والوضع الإداري الرديء وغياب دور الرقابة والمراجعة الداخلية في الوزارة.
أعتقد أن من الضروري إزاء ذلك الإهمال وتلك الاختلالات أن يتم تشكيل لجنة تحقيق ومساءلة لمعرفة المتسببين المسؤولين مسؤولية مباشرة عن التفريط واللامبالاة بممتلكات وأموال وأراضي الوقف التي أوضح التقرير أيضاً عن عدم استكمال حصرها وإثبات قيمتها وحمايتها وَالعمل على استعادتها والاستفادة من عائداتها، الأمر الذي يؤدي إلى قيام بعض صغار النفوس والمتنفذين بالاستيلاء والسطو عليها وَتعرضها للمخاطر والضياع والنهب.
لذلك فإن المال العام يُعدّ أحدَ الضروريات التي قصدت الشريعة الإسْلَامية المحافظة عليه وحمايته من أن يعبث به السفهاء ومن ليسوا أهلاً لإدارته وتنميته لصالح من أوقف من أجله.
التقرير تضمن صوراً متعددة من الاستهتار والتلاعب بالموارد المتحصلة من مباني وأراضي الأوقاف، فقد أشار التقرير إلى وجود أرصدة مدوّرة على أمناء صناديق ومتحصلي بعض مكاتب الأوقاف بعشرات الملايين وإلى وجود عدد كبير من أراضي الأوقاف المستولى عليها من جهات حكومية وتراكم قضايا الأوقاف لدى المحاكم والنيابات ومعرفة ما آلت إليه تلك القضايا ومدى تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح الأوقاف.
التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أشار إلى عدم تجديد عقود الإيجارات المنتهية أولاً بأول، فهناك من العقود مضت عليها عشرات من السنين لم يتم تجديدها وعدم تحصيل وتوريد الإيرادات المستحقة للأوقاف الأمر الذي أدى إلى تراكم المديونيات على الجهات الحكومية ومستأجري أراضي ومباني الأوقاف، القصور والإهمال في إحصاء جميع ممتلكات الأوقاف وحصر وتوثيق عقاراتها وتنميتها واتّخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان مصالحها مسألة يجب الوقوف على أسباب ذلك، فواحدة من أهمّ صور الفساد والقصور في المحافظة على الأوقاف هو عدم إلمام الجهة المعنية بإحصائية شاملة ودقيقة لممتلكات وعقارات الأوقاف.
وأخيراً وبعد سرد تلك الاختلالات وأوجه القصور سؤالٌ يطرحُ نفسَه: ماذا بعد التقرير وكيف يمكن معالجة تلك الاختلالات وما هو الواجب القيام به إزاء ذلك؟ وهل ستتم مساءلة المقصرين وَالمتلاعبين بالأوقاف؟
قال تعالى “ولا تُؤتُوا السُفَهاء أَموَالَكُم التِي جَعَلَ اللّهُ لكُم قِيَامَا وارْزقُوهم فيهَا واكْسُوهُم وقُولُوا لَهم قَوَلاً معْروفَا”.