عام سلاح الجو المسيّر
المسيرة | ضرار الطيب
لم يكُنْ ظهورُ طائرة “قاصف 2K” في ميدان المواجهة معطىً ثانوياً أَو تغيُّراً عابراً في معادلة المعركة مع العدوان، فبعد أَيَّـام قليلة من أول هجوم معلَن وموثّق نفّــذته الطائرة على قاعدة العند العسكريّة، تطورت الأحداثُ بشكل متسارع، ليكشفَ أن الإنتاجَ الجديدَ من الطائرات المسيّرة أصبح تحولاً مرحلياً استحوذ على واجهة المشهد العسكريّ بأكمله، إذ أعلنت القُــوَّاتُ المسلحة، أمس، عن وجود أجيالٍ أكثرَ تطوراً من الطائرة الجديدة، وأن العام القتالي 2019 بأكمله سيحملُ صفةَ “عام سلاح الجَـوّ المسير” كترجمة مختصرة لمفاجآت أكبر تنتظر العدوّ في المجال الجوي، على غرار العام الماضي الذي حمل شعار “العام البالستي” والذي تميّز بالوصول إلى الصواريخ الذكية التي صنعت تحولات كبيرة في الميدان، على أن القُــوَّات المسلحة بشّرت أَيْضاً بتطورات جديدة في المجال الصاروخي خلال هذا العام، ما يعني أن المفاجآت ستتكامل من الجهتين البالستية والجوية، لتشكّلَ معادلةً فريدةً أبرز سماتها أنها تكسر احتكار التفوق الجوي الذي كان يعتمد عليه العدوّ بشكل رئيسي خلال قرابة 4 أعوام.
“قاصف 2k”: بدايةُ تحوّلٍ مرحلي شامل
في مؤتمر صحفي عقده أمس السبت، كشف المتحدثُ الرسمي للقُــوَّات المسلحة، العميد يحيى سريع، عن المزيد من مواصفات طائرة “قاصف 2k” التي أثارت اهتماماً محلياً ودولياً واسعاً منذ هجوم قاعدة العند، وقال سريع إن الطائرة صنعت بطريقة متطورة بحيث “لا تستطيع الرادارات التقاطها ولا يمكنُ للمنظومات الأُخْــــرَى اعتراضُها وتُعتبَرُ هذه الطائرة من الصناعات الحديثة” وهو ما يجيبُ على أبرز الأسئلة التي طرحتها وسائلُ الإعلام الأجنبية خلال اليومين الماضيين والتي تركزت بشكل رئيسي على كيفية وصول الطائرة إلى أجواء قاعدة العند التي تحتضن وسائل حماية ودفاع حديثة، ومع ذلك، فهي إجابةٌ تفتحُ تساؤلاتٍ أُخْــــرَى عن مدى التطور الذي وصلت إلى قدرات سلاح الجَـوّ المسيّر في اليمن الفقير الذي يستعد لدخول العام الخامس من العدوان والحصار.
المتحدثُ العسكريّ كشف أَيْضاً عن وجود “جيل ثانٍ وثالث من طائرة قاصف 2k” وأن “هناك مخزونا استراتيجيا كَبيراً منها لدى الجيش واللجان” معلناً أن “التصنيع الحربي حقّق قفزاتٍ كبيرة في مجال الطيران المسيّر وأن العام الجاري سيكونُ هو عام سلاح الجَـوّ المسيّر” وهو إعلان مفسّر تماماً بنوعية النقلة الخَاصَّــة التي أحدثها ظهور “قاصف” الجديدة من حيث التطور التقني والاستخباراتي والأثر المميز الذي أحدثه هجومُ قاعدة العند بالذات، والذي لم تنتِه نتائجُه بعدُ، إذ أعلن إعلامُ العدوان أمس عن مصرع رئيس ما يسمى الاستخبارات العسكريّة المعين من العدوان، متأثراً بجراح أصيب بها جراء الهجوم.
هذه النقلةُ النوعيةُ التي كسرت كُــلَّ ظروف الحرب والحصار والتفوق المادي للعدوّ، لم تقتصرْ على سلاح الجَـوّ المسيّر وحسب، إذ أعلن ناطقُ القُــوَّات المسلحة أَيْضاً عن “وجود صواريخ بالستية حديثة سيتم الكشفُ عنها لاحقاً” ما يعني أن ظهورَ “قاصف 2k” مثّل علامةً على الانتقال إلى مراحل متطورة جديدة في كافة المجالات وليس في المجال الجوي فحسب، وبالنظر إلى آخر مستوى “حديث” معلن وصل إليه التصنيع الصاروخي (منظومة بدر1-P الذكية) فإن احتمالات التطور إلى ما بعد ذلك تشكل رعبا مستقلا على العدوّ.
وبالتوازي مع تصريحاته، قدّم متحدِّثُ القُــوَّات المسلحة عرضاً مصوراً لعمليتين نفّــذتهما طائرة “قاصف 2k” في جيزان وعسير، وأظهر العرض مشهداً واضحاً لهجوم الطائرة على تجمعات الجيش السعوديّ في المنطقتين، وبدا انفجارُ الطائرة كَبيراً، وسجّلت الكاميرا الجوية نقل صرعى وجرحى العدوّ من موقعي الهجوم، وتشكّل عمليةُ التصوير الجوي دليلاً آخر على تكامل التطور الذي يعيشه سلاح الجَـوّ المسيّر، وبلوغه إلى مراحلَ مستقرة تجاوزت كُــلّ التحديات الجوية، وبالتالي كسرت احتكار العدوّ للتواجد العسكريّ في الأجواء.
العملُ العسكريّ الجوي لم يعد حكراً على طائرات العدوان
على ضوء ما سبق، فإن الحديثَ عن انتقال مرحلي كامل في قدرات سلاح الجوّ المسيّر، ليس مجرد تحليل عسكريّ، وهو ما برَز أَيْضاً في التناول العالمي الذي حظيت به “قاصف 2k” إذ نشرت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية مؤخّراً، تقريراً مثيراً أكّــدت فيه أن مسألة التواجد العسكريّ للجيش واللجان الشعبيّة في الأجواء بات أمرا محسوما.
وأوضحت الوكالةُ أن “المصدر” الذي تأتي منه الطائراتُ المسيّرة -والذي يحاول العدوان صرفه إلى إيران في محاولة منه للتغطية على تطور قدرات الجيش واللجان- لا يزال “مسألة جدل”، مشيرة إلى أن بعض مكونات هذه الطائرات قد تكون خارجية، أي أنه تم تجميعها في اليمن، وهو ـ على رغم عدم صحته ـ يؤكّــد تطور القدرات الصناعية اليمنية بشكل واضح، وخلصت الوكالة إلا أنه، بغض النظر عن مصدر الطائرات، فإن سلاح الجَـوّ المسيّر فرض نفسَه كلاعب رئيسي في “معركة الأجواء” التي تشاركُ فيها الطائراتُ الأمريكية والصينية التابعة للعدوان، وبالتالي فإن “الندية” باتت موجودةً.
طائراتُ سلاح الجَـوّ المسيّر لا تشبهُ أية طائرات خارجية
أمَّا معهدُ أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي “FPRI” فقد حاول هو الآخر أن يربطَ في تقرير له بين “قاصف” اليمنية والمنتجات الخارجية، من خلال المقارنة مع طائرات مسيرة استخدمها حزب الله، أَو جماعات أُخْــــرَى في العراق، إلا أنه لم يجد بُدًّا من الاعتراف بأن “قاصف” لديها مميزات خَاصَّــة لم تظهر في أيٍّ من الطائرات التي استخدمتها أيةُ جماعة أُخْــــرَى حتى الآن، ومن تلك المميزات مدى التحليق في الأجواء، والذي قال الموقع إنه وصل إلى “100 كيلومتر” في الهجوم الذي نفّــذته “قاصف1” على مطار أبها الإقليمي في مايو 2018.
تلك المميزاتُ الخَاصَّــةُ تثبت بشكل قاطع محلية الصنع والتطوير في طائرة “قاصف” اليمنية، وبالتالي تنسف كُــلّ المزاعم والدعايات التي تثار حول استيرادها من الخارج، وهي مزاعم يتم إثارتها من قبل تحالف العدوان للحيلولة دون ظهور الجيش واللجان الشعبيّة كقُــوَّة مصنعة للسلاح، وهو الأمر الذي لا تحتمل قوى العدوان تصديقَه؛ لأَنَّه أولاً يكسرُ احتكارَها العالمي للتطور العسكريّ، وثانياً يثبت أن العدوان والحصار الذي تتعرض له اليمن منذ قرابة 4 أعوام فشل فشلاً ذريعاً وعاد بنتائجَ عكسية على كُــلّ القوى الراعية له.
الولايات المتحدة: “تهديدات الحوثيين جدية”
وفي خطوة عكست إدراكَ الولايات المتحدة لما يحاولُ إعلامُ تحالف العدوان إنكارَه من تطور قدرات الجيش واللجان، نقلت جريدةُ الأخبار اللبنانية هذا الأسبوعَ، عن مصادرَ “رفيعة المستوى ” أن وزارةَ النقل الأمريكية دعت السعوديّة والإمارات إلى ضرورة “تحذير الطائرات التي تستخدمُ مجالهما الجوي من خطر وقوع هجمات بصواريخَ بالستية وطائرات مسيّرة ضدهما من اليمن”، حيث اعتبرت الوزارة أن “تهديداتِ الحوثيين جدية” وهو ما يشكّلُ اعترافاً واضحاً بأن تطور قدرات الجيش واللجان بات أمراً مُسَلّماً به من قبل أمريكا.
ومن خلال كُــلِّ المعلومات السابقة، يتضحُ بشكل جلي أن ما وصلت إليه قُــوَّاتُ الجيش واللجان من مستوىً عالٍ من التطور التفني والاستخباراتي، أفصحت عنه الصناعاتُ الصاروخية والجوية الناجحة، بات يهدّدُ كُــلَّ المقومات التي يعتمدُ عليها تحالفُ العدوان في عملياته العسكريّة وبالذات في المجال الجوي، وهو ما يفسّرُ لجوءَ العدوان إلى التضليل الإعلامي ومحاولة ربط الهجمات الجوية الأخيرة لسلاح الجَـوّ المسيّر بـ “اتفاق الحديدة” والسعي للحصول على ضغط دولي يوقف هذه التطورات التي تغلبت على أربعة أعوام من الحصار المطبق والتدمير الشامل لكل مقدرات اليمن.