للشهداء حقٌّ علينا .. بقلم/ محمد أمين الحميري
نعيشُ هذه الأيامَ ذكرى الشهيد السنوية، وفي الوقت الذي تحدّث فيه الكثيرُ عن مكانة الشهيد وفضل الشهادة في سبيل الله والمنجز الذي حقّقناه في اليمن بفضل الله ثم تضحيات الشُّـهَـدَاء الذين قدموا حياتَهم رخيصةً في سبيلِ كرامةِ كُلِّ اليمنيين وعزة واستقرار اليمن، ولا يزال الصمودُ مستمراً لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة ورجال القبائل في وجه العدوان الوحشي الذي تتعرضُ له اليمن.
في هذه المناسبة يجدُرُ الإشارةُ أَيْضاً إلى قضية مهمة وهي أن ثمة زهداً كَبيراً لدى فئة كبيرة من الناس في مجال المسارَعة للخيرات، وأعظمُ هذه الخيرات الجهادُ في سبيل الله، فعندَهم زهدٌ حتى ولو كان النفيرُ للحفاظ على كليات أساسية وقضايا مصيرية كالحفاظ على الدين والعقل والعرض والمال، فنتيجةَ أسباب متعددة لا يزال البعضُ متنصلاً عن القيام بمسؤوليتهم، ومن ناحية أُخْــرَى لا تزالُ النظرةُ للشهيد وعظم ما قدمه نظرةً قاصرةً، وربما وصل الأمرُ عند بعضهم إلى حَـدِّ الإساءة للشهداء واعتبار تضحياتهم في غير مكانها؛ وإسهاماً في معالجة هذا الخلل.. فحسب متابعة كاتب هذه السطور، فإن من أبرز أسباب هذه النظرة المختلَّة هو الخطاب الديني المزيَّف لدى الكثير من المتصدّرين في باب التوعية والإرشاد، حيث عمل هذا الخطابُ في بعض مساراته عند تناول موضوع الجهاد على تقديم الجهاد بتلك الصورة المقزّزة التي انتهجتها بعضُ الجماعات المتطرفة مما يُعرَفُ بتنظيم القاعدة وداعش ومَن دار في فكلهم، فكُلُّ ما يقومون به من زعزعةٍ للأمن والاستقرار وأعمال الذبح والسحل للمخالفين والتفجيرات والاغتيالات من أعمال الجهاد –كما يزعمون-، والكُلُّ يعلمُ مَن يقفُ وراء هذه التنظيمات وأبعاد تلك الأعمال الإجرامية على صعيد الأُمَّـة فيما بين أبنائها وما يُحدِثُه هذا التوجهُ من آثار سلبية أَو على صعيد السياسة العالمية وما دأبت عليه قوى الهيمنة وفي مقدمتها أمريكا مِن وراء ممارسات هذه التنظيمات في أَكْثَــرَ من بلد واتخاذ ذلك مبرراً لتدخلها هنا أَو هناك.
وهناك مسارٌ سلبيٌّ آخر، حيث ترى فئةٌ أُخْــرَى في إطار العمل الإسْلَامي أهميّة الحياد والتهرب عن القيام بواجبهم ولو في توصيف ما يحدث من مؤامرات ولو وصل الأمر إلى العدوان على الشعوب الإسْلَامية وأُهلك الحرث والنسل، فهم يذهبون إلى اعتبار ما يجري من قبيل الفتنة والاقتتال بين المسلمين حتى لو اتضحت الحقائق وبانت الأمورُ فستظل النظرةُ قاتمةً، وهذا التصور أسهم بصورة أَو بأُخْــرَى في التخذيل وصرف الناس عما ينبغي القيام به، بل فقد خدم هذا التوجه العدوّ الحقيقي من حيث لا يشعر أصحابُه عن جهل وعن علم بواقع من يعمل لصالح أجندة معينة.
ومن المؤسف والمخجل أن بعضَ من سلك هذا المسار نراه يغضُّ الطرفَ عن العدوّ وعن تلك التنظيمات حالَ تجنيدهم أبناء المسلمين والزج بهم في معارك المتضرر الوحيد منها هو الأُمَّـةُ الإسْلَامية، والذهابُ لاعتبار مَن يُقتل في هذا السبيل شهيداً لاعتبارات طائفية أَو ما شابه وإنْ لم فهو في قاموسهم من الذين يرجى أن يغفر الله لهم ويتقبلهم، وحال ذكر لأحدهم مَن يسقط شهيداً في سبيل الدفاع عن دينه وعرضه ويقاتلُ تحت راية واضحة ليس في صفها أمريكي ولا فرنسي ولا إسرائيلي ترى وجهَه يتمعر، ذاهِباً إلى أن التوقف عن التوصيف الشرعي لهذا العمل -الجهادي العظيم- هو الخيارُ الأسلمُ، وأمرُهم في نظره إلى الله.. نعم..!!
هذا هو حالُ الخطاب الإسْلَامي اليوم في واقع مختلف التيارات، وبالنسبة لنا في اليمن فقد ساعد هذا الخطاب كثيراً على تخديرِ المجتمع فيما له صلة بالعدوان، مع أن الأمور واضحةٌ للعيان منذ أول غارة شنها العدوان السعوديّ على اليمن، والمتأملُ العاقلُ المنصفُ سيلحظُ أن التشخيصَ الصحيحَ لما يجري وماذا ينبغي من دور أمر لم تتجاهله لا الشرائع السماوية ولا القوانين الوضعية، وكذلك بشكل أخص المذاهب الإسْلَامية داخل الأُمَّـة الإسْلَامية بكل توجهاتها، ففي كتب الفقه الإسْلَامي في مختلف المذاهب باب يسمى باب الجهاد وفيه مسائل كثيرة تتعلق بالعدوّ إذا غزا بلداً مسلماً ما الذي يجب على أهله وَ… إلخ.
وعموماً وبعد أربعة أعوام من العدوان وما كشفته الأيام من حقائق يجدر هنا لفت انتباه المثقفين المتنورين والعلماء الربانيين إلى إحداث ثورة فكرية هادفة تعمل على إعادة النظر في مختلف القضايا الفكرية وفي مقدمتها موضوع الجهاد في سبيل الله، أهدافه ومقاصده وَ…، واستعراض ما تتعرضُ له اليمن اليوم من عدوان والموقف الشرعي منه، ثم ما هي المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة والمجتمع إزاء الشُّـهَـدَاء وصولاً إلى تحقيق الأهداف المنشودة في السير على دربهم في مواصلة النضال والكفاح في مواجهة الطغاة والمعتدين، وفي مبادلتهم الوفاء في العمل على الإصلاح المستمر في الشؤون الداخلية وتحقيق تطلعات الشعب في ايجاد دولة عادلة مستقرة..
الشُّـهَـدَاءُ حقُّهم علينا بمختلف توجهاتنا الفكرية والسياسيّة كبير، فلا بد من إنصافهم والإعلاء من شأنهم، وعلى الأقل دعوة البعض لتجنُّب الإساءة لهم والتقليل من دورهم.. والتأكيد لهؤلاء أنه لولاهم بعد الله لكان حالُنا اليوم في مناطق إدارة المجلس السياسيّ الأعلى أسوأَ مما يتعرضُ له الشعبُ في مناطق سيطرة المحتل من جرائمَ دون التفريق بين من وقف في صفه وطبّل له وبين من عارض أَو لزم الحياد، الكل مستهدف.
وصحيحٌ إنْ لم ينصف بعض المأزومين الشُّـهَـدَاءَ الأبرارَ، فقد تكفّل اللهُ برفع مقامهم ومجازاتهم خيرَ الجزاء، ومثلُ هكذا دعوة هي من باب النصيحة للعدول عن الرؤى المنحرفة والمواقف الضبابية؛ لما لهذا من أثر سلبي عليهم في الدنيا والآخرة، وعلى المجتمع وما يترتب عليه سلوكهم من تثبيط لمن حولهم عن القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الطغاة والمفسدين والتوجه للإصلاح في الأرض والقيام بمهمة الاستخلاف كما يريد الله.
وكلنا أملٌ أن يجدَ هذا النصحُ آذاناً صاغيةً واعية، خَاصَّـةً والجميعُ في هذه الأرض الطيبة يدركُ أن المسألةَ ليست مسألة انتخابات وصراع في ظروف طبيعية وكُلٌّ يقف في طرف، المسألة لها ارتباطٌ وثيقٌ بديننا وكيف ينظُرُ المؤمنُ الواعي للأمور، أصبحت مرتبطةً بمصيرنا كشعب مسلم وبلد له مكانتُه التأريخية، فإما أن يكون حُرًّا عزيزًا مستقرًّا، أَو لا يكون، الكل سيغرق، وليس فئة أَو جماعة كما يزيّن شياطينُ الجن والإنس لأهدافٍ ومآربَ مشؤومة.
الخلودُ للشهداء، الشفاءُ للجرحى، النصرُ لليمن.