الإخلاص لله أن يكون الإنْسَان رسم طريقه ونذر حياتَه ومماتَه لله في سبيل طاعته
المسيرة/ بشرى المحطوري
ما معنى: مــحــياي لله؟
واصَلَ الشَّهِيْـدُ القَائِدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- حديثَه عن كيفية أن يجعل الإنْسَانُ حياتَه لله، وأنه بالعمل الصالح سيكونُ محطَّ رضوان الله، وأنه يجبُ عليه أن يعرفَ اللهَ المعرفةَ الحقيقية الكاملة، وأن يعرفَ الإنْسَان ما هي علاقته بالله، وأن يرسخ الشعور في نفسه بأنه عبد لله، فتكون بذلك حياته لله، حيث قال: [وأن يعبِّد الإنْسَان نفسه لله معناه في الأخير أن يسلِّم نفسه لله، فيكون مسلِّما لله ينطلق في كُلّ عمل يرضي الله باعتباره عبداً لله هَمُّه أن يحصل على رضوان الله، ويتعامل مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باعتباره هو ملكه وإلهه وسيده ومولاه. في هذه الحالة يكون الإنْسَان أقرب ما يكون إلى الإخلاص، وفي هذه الحالة يكون الإنْسَان قد رسم ومعنى أن حياتي لله: أنني نذرت حياتي لله في سبيله في طاعته، ومماتي أيضا لله، كيف يمكن أن يكون موت الإنْسَان لله؟ من الذي يستشعر لنفسه طريقاً يسير عليه هو نفسه الذي أمر الله به رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما قال له: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. هذه هي الغاية، وهذا هو الشعور الذي يجب أن يسود على نفس كُلّ واحد منا، ويسيطر على نفس كُلّ واحد منا].
وأضاف أيضاً: [لا يتحقق للإنْسَان أن تكون حياته لله إلا إذا عرف الله أولاً، وعبَّد نفسه لله ثانياً، حينها سيرى أن هناك ما يشده إلى أن تكون حياته كلها لله، سيرى بأنه فخر له: أن ينذر حياته كلها لله، سيرى نفسه ينطلق في هذا الميدان برغبة وارتياح أن ينذر حياته لله فتكون حركته في الحياة، تقلباته في الحياة مسيرته في الحياة كلها من أجل الله وعلى هدي الله وإلى ما يحقق رضاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى].
ما معنى: مــمــاتي لله؟
وفي ذات السياق شرَحَ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- قولَه تعالى: [ومماتي لله رب العالمين]، بأن الإنْسَانَ عندما ينطلق مجاهداً لأعداء الله، فإذا ما استشهد فهو لله، وفي سبيله، حيث قال: [أمرت أن يكون مماتي لله أن يكون موت الإنْسَان لله هو عندما يجند نفسه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، عندما يطلب الشهادة في سبيل الله، عندما يستعد للشهادة في سبيل الله، عندما يكون موطنا لنفسه أن يموت في سبيل الله.. لا أتصور معنى آخر يمكن أن يحقق للإنْسَان أن يكون موته لله إلا على هذا النحو وليس فقط أن يكون مستعداً، بل يسعى لأن يكونَ موتُه في سبيل الله، بأن يحظى بالشهادة في سبيل الله، وهذه هي صفة القُـرْآن الكريم جعلها من الصفات اللازمة للمؤمنين أن لديهم هذا الشعور هو الشعور نفسه الذي نتهرب منه، هو الشعور نفسه الذي قد ينصحنا حتى بعض المتدينين به [بطِّل ما لك حاجة إمش على شغلك وعملك…] إلى آخره. بينما القُـرْآن الكريم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصف عباده المؤمنين بأنهم هم من يعرضون أنفسهم للبيع من الله عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} وهذه الآية: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أليس هذا يعني: أن المؤمنين هم دائماً يحملون هذا الشعور، هو: أنهم ينذرون حياتهم لله وأن يموتوا في سبيله].
وأضاف -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-: [ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله، ولا أن يكونوا أنصاراً لله، ولا أن يكونوا بشكل أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ما لم يكن لديها هذا الشعور هو: أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله، هو أنهم يريدون أن يموتوا في سبيل الله. من رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الواسعة بعباده – وهو يفتح أمامهم المجالات الواسعة والمتعددة لما يحصلون من ورائه على رضوانه وعلى ما وعد به أولياءه – فتح أمام الإنْسَان إمكانية أن يستثمر حتى موته الذي هو حتمية لا بد منها، قضية لا بد منها لكل إنْسَان سواء كان براً أو فاجراً كبيراً أو صغيراً لا بد أن يموت، فإن الله لرحمته بعباده فتح أمام الإنْسَان هذا الباب العظيم هو: إمكانية أن يستثمر موته على أعلى وأرقى درجة، أعلى وأرقى درجة].
الشعورُ بالانهزام النفسي.. شيءٌ خطيرٌ ومرفوض
حذّر -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- طلبة العلم وهو يلقي عليهم هذه المحاضرة من خطورة أن يكونوا مهزومين نفسياً، أن يعتقدوا بأنهم لن يستطيعوا أن يغيروا من واقع الأمة السيء شيئا، وأن هذا الشعور خطير، يجب تجنبه، وأن معية الله نصرٌ للإنْسَان حتى ولو كان وحده، حيث قال: [اعمل على أن ترفع كلمة الله على أن تعلي كلمة الله على أن ترفع الأمة وأن تعمل في رفعة الأمة من هذه الوضعية المنحطة التي تعاني منها. هل يمكن أن يحصل لدى أي شخص منا الشعور بهذا؟ أو قد يكون كُلّ واحد منا يقول: ماذا يمكن أن أعمل لهذه الأمة؟ من أنا حتى أعمل على رفعة هذه الأمة! قد يقول واحد منا هذه لأننا أصبحنا كمسلمين بابتعادنا عن القُـرْآن الكريم بابتعادنا عن الله، ولأننا لم نعد نعتد بقدرة الله بجبروت الله بأنه هو القاهر فوق عباده، لم نعد نعتد بمعيته، أن معيته قوة، أن معيته نصر، أن معيته تأييد، إذا ما كان معنا. أصبحنا مهزومين نفسياً لما فقدنا هذه الأشياء أصبحنا مهزومين نفسياً، وأصبح كُلّ واحد منا تقريبا يرى بأنه لا يمكن أن يكون له دور في إنقاذ الأمة من هذه الوضعية التي تعاني منها!].
وضرب -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- مثلاً يؤيّدُ به ويدعمُ به كلامَه، بأن التأريخ مملوء بالتغييرات والثورات الكبيرة التي حصلت على أيادي أناس لم يكونوا مشهورين أو مغمورين في المجتمع، وإنما كانوا أناسا مستضعفين، واستطاعوا أن يغيروا، حيث قال: [لكن أنت لو ترجع إلى أمثلة كثيرة في واقع الحياة ستجد وعلى طول التأريخ أن إنقاذ عباد الله جاء في أغلب حالاته من حيث لا تحتسب الأمة، وعلى أيدي من لم تكن الأمة تقدر أنه ممكن أن يعملوا شيئا في تأريخها وفي حياتها. [الخميني] خرج وهو رجلٌ فقيرٌ مهاجرٌ من قرية تسمى [خُمَين] لو لقي رجلاً آخر وقيل له: إن هذا سيعمل في المستقبل عملاً عظيماً وسيقيم دولة إسلامية ربما لأقسم – هذا الأخير – أن هذا مستحيل، لأقسم أن هذا مستحيل، لكن تحقق هذا وهكذا أمثلة كثيرة].