لا مكانَ للموت في عالم الشهداء .. بقلم/ زيد البعوة
الشهادةُ حالةٌ استثنائية فريدة من نوعها في عالم الموت والحياة، هكذا خاطبنا اللهُ سبحانه وتعالى قائلاً: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ)، وفي آية أخرى قال (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ــ ولو نلاحظ من خلال الآية نجد أنه تعالى بعد أن نهانا عن أن نقول إنهم أمواتٌ بل شهداء وإنه قد منحهم الحياة الأبدية قال أيضاً عند ربهم يُرزقون ليؤكّــد لنا أنهم في ضيافته.
جميعُ البشر من مختلف الأجناس أمامهم أجلٌ ينتظرهم وهو الموت لا يمكن أن يتأخروا عنه لحظة واحدة إلّا الشهداء الأبرار فهم اختصروا المسافةَ وجعلوا من الموت مسخرةً حين قرّروا وصل حياة الدنيا بحياة الآخرة الأبدية، فربحوا الدنيا والآخرة، ليس هكذا مصادفة، بل نتيجة إيْمَان منقطع النظير وثقة بصدق وعد الله وبذل وسخاء وصل إلى حَـدّ الروح والدم والنفس فكان عطاء الله لهم عظيماً بقدر عطائهم معه.
وفي الذكرى السنوية للشهيد وفي الوقت الذي لا يزالُ الشعبُ اليمني يقدمُ المزيدَ من الشهداء في مواجهة الطاغوت والاستكبار بقيادة أمريكا وآل سعود وحلفائهم بعدوان ظالم في هذه الظروف الاستثنائية من تأريخ الأُمّة التي تعيشُ حالةَ صراع مستمرّ مع الباطل، وخصوصاً هنا في اليمن الذي يودّع عامَه الرابعَ من الجِهاد والتضحيات والصمود في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ؛ ولأن سُنةَ الله تقضي بضرورة أن تحصل تضحيات في ميادين الجهاد حين قال تعالى (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) لهذا كان لنا ولا يزال شرف الدخول ضمن سنن الله الصالحة والإيجابية.
الشهداءُ رجالٌ صادقون أوفياء بالعهد كرماء أعزاء أحياء أبطال أحرار عظماء شرفاء ثابتون على إيْمَانهم ومبادئهم وقيمهم لا يقبلون بالعبودية ولا بالذلة للطاغوت مهما كانت التحديات قهروا الموت حين عشقوا الشهادة وقهروا الأعداء من الطواغيت حين جعلوا من دمائهم وقوداً للنصر.
في آية واحدة تحدث اللهُ عن الشهداء الأبرار ووصفهم بأوصاف عظيمة في قوله تعالى: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) الآية تتحدث عن المجاهدين في سبيل الله ومن أوساط المجاهدين يأتي الشهداء فهم قبل أن يكونوا شهداء كانوا مجاهدين والمواصفات القُــرْآنية هي التي جعلت منهم شهداء عظماء، فلو نلاحظ من بداية الآية نجد أن الله تعالى وصفهم بقوله (رجال) ومن هو الذي وصفهم بهذا الصفة؟ إنه الله الذي خلقهم فهم رجال أبطال أقوياء أشداء على الكفار رجال بما تعنيه كلمة رجال ثم قال عن هؤلاء الرجال (صدقوا) صادقين في إيْمَانهم بالله وانتمائهم للإسلام صادقين في مبادئهم وقيَمهم، صدقوا مع الله على ما عاهدوه عليه وهو الإيْمَان به قولاً وعملاً وعندما قال عنهم في الآية (مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)، نجد أَيْضاً أن من صفاتِ الشهداء والمجاهدين هو الوفاءَ بالعهد مع الله العهد الذي قطعوه على أنفسهم بالمضي في سبيله في مواجهة أعدائه حتى لو كلف الأمر أن يبذلوا أموالهم وأرواحهم وقد فعلوا ذلك، فكانت النتيجة والمكافأة هي الشهادة في سبيل الله التي هي الحياة الأبدية التي لا موت فيها.
قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ــ وفي عدد من السور القُــرْآنية تحدث الله عن الشهداء ووصفهم بأوصاف عظمية تنطبق عليهم بهم فهو سبحانه من خلقهم ومن اتخذهم شهداء ومن منحهم الحياة الأبدية وخصهم لوحدهم بمقام لا يرقى إليه سواهم من البشر، بل إن الله جعل الشهداء محط فخر واعتزاز وتنافس لمن يرغب في الحصول على رضوان الله حين قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًاً).
الشهداءُ قبل أن يكونوا شهداءَ كانوا بشراً كمثلنا لكنهم آمنوا بالله ووثقوا به وانطلقوا في ميادين الجهاد نصروا الله في مواجهة أعدائه فصاروا مجاهدين، وحين أبلوا بلاءً حسناً وعلم اللهُ بصدقهم اتخذهم شهداءَ حين قال (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ).
وحين اتخذهم شهداءَ أخذهم إليه أحْياءً (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وهذا تأكيدٌ قرآني إلهي على أن الشهداءَ أصبحوا في حالة أمان وطمأنينة إلى درجة أنهم يتمنون أن يلحقَ بهم أهلُهم ومَن ينتمون إليهم ويمضون على نهجهم فيصبحون في كرم الله وضيافته شهداء جميعاً.