شعب اسمه عبدالكريم الخيواني .. بقلم/صلاح الدكاك
سيدي ومعلمي وأخي وصديقي.. كنتَ قد عكفتَ بعد اغتيالك أدوزن شلالاتِ حُزني برحيلك الصاعق شعراً ونثراً موقناً أن لا منتهى سيحُدُّ اعتكافي فالفجيعة بك لم تكن عرضاً خارجياً عابراً بتخوم زمنية منظورة للتعافي بل اجتياح لا سابقة له في كُلّ محطات فجائعي أوغلت معه الفجيعة عميقاً لتستوطن نواة روحي ومسارب دمي ودمعي بحيث بات الحزن سجية السجايا وعاطفة العواطف الناظمة لكل سجية وعاطفة لدي..
كيف يمكنُ لرجل استثنائي عميم الحضور حَدَّ الطغيان كعبدالكريم الخيواني أن يكون غيابُه إلا استثنائياً وجارفاً ومدمراً بحجم حضوره المستبد العميم؟..
كيف يمكن لرجل أشعل حرائق كونية بحجم ما أشعلت أن ينسحب بهدوء من يوميات كوكب الأرض دون أن يترك في القلب والذاكرة رماداً بحجم الكوكب وجمراً بوفرة نجوم سمائه.. كيف يمكن لرحيلك الكبير أن يأخذ موضعه في سياق المجريات اليومية العابرة لأرتاح فأتفلت من خناق أنياب الحزن الناشبة في لحم الروح بقسوة تعادل طغيان حضورك في الروح.. كيف لرجل الأعاصير والعواصف الكونية العظيمة المدمرة أن ينصرفَ بخفوت وَخالي الوفاض دون أن يأخذ في معاطف رحيله الشموس والأقمار والدقائق والساعات وَأوراق الكتابة ومداد الكلمات وبذور الأبجدية وأنساغ الدلالات وغاب السنديان الموصول بلحاء أنامله فلا يبقي لنا ولا يذر إلا هدير الذكرى في الفراغ الفسيح؟.. أما سؤال الأسئلة وأكثرها عبثيةً وأنكاها فكان ولايزال: كيف تسنى لرصاصة وضيعة ضئيلة وبلا وزن أن تخطف مجرةً باتساع عبدالكريم الخيواني وتغيب بها في الزحام ذات غفلةٍ باهظة مثخنة بحسن الظن!
صبيحة اليوم التالي لفاجعة رحيلك حزمت حطام أضلاعي ورحلت بحثاً عن مغارةٍ وحشة مواتية لإعادة لصق جذاذها قارباً ومجاديف تنوء بأحزان الرحيل.. عكفت لأكتبك لأكتبني لأكتب وجعي بك شعراً ونثراً لكن رصاصة الغيلة الضئيلة لم تمهلني أكثرَ من بضع ليالٍ وأيام قبل أن أفيق وقد تخلقت لضآلتها أجنحة ضخمة ومحركات وَجنازير ودروع من الفولاذ وباتت إصبعُ القاتل تحالفاً كونياً قوامه مئات الآلاف من الأوغاد والمأجورين وشُذّاذ الأصقاع والقراصنة القادمين جواً وبحراً وبراً لافتراس حلمك الكبير الذي غذوته روحك ودمك وغادرته وقد تخلّق ثورةً وبلداً عصامياً عصياً على الطغاة والأوصياء وشعباً يرفع قهره سماوات كبرياء وطموح وأشواق انعتاق يمانية خيوانية أنصارية حسينية لا حَدّ لها ولا قبل للطغاة بوأدها وتقويضها..
عكفتُ لأكتبك ألماً فانتصبت بنادق الثوار الحفاة المتحدرين من أصلاب نضالاتك تكتبك بالرصاص الحي على صدور الجبابرة والجلادين أملاً لصدور المستضعفين وقيامة جحيم لإمبراطورية الدهس الامبريالي وملوك الاستكبار..
أنت حاضر في صورة كُلّ بطولة يحرثها رجال الرجال بالأظافر والحفا على صخر جبال يمن عبدالكريم الخيواني..
أنت حي في لعلعات الرصاص التي تخرج من سبطانات رجال الرجال طازجة ومتوهجة ككلماتك لتستقر في مفارق جماجم أعداء الشعوب وأكلة لحوم المسحوقين من (نجد مجارير القار) إلى (واشنطن المصب والمنبع).
وكان ضريحك قد تراءى لروحي الموجعة ذات وهن مستبد ثقباً أسود ابتلع معه كُلّ إمكانية لمعاودة الحلم في وطن كريم أَوْ أدنى من ذلك ثم ها أنا أراه اليوم رأي اليقين ثقباً أسود لكن لأطماع الطغاة ولصوص الأكفان والجثامين.. ولا عزاء لقاتليك في انبعاثك حياً عميمَ الحضور كما كُنت وفوق ما كنت، أيها الواحد الذي تناسل شعباً اسمه عبدالكريم الخيواني.