ذكرى الشهداء محطة لترسيخ ثقافة الشهادة .. بقلم/ مرفق يحيى
تطل علينا ذكرى طالما ظلت وجهةَ الأحرار من أبناء الشعب اليمني في البذل والعطاء والفداء والتضحية وهي الذكرى السنوية للشهيد التي يحييها أحبابُ الله ورسوله والمؤمنون وأعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلوات الله علية وآله.
من هذه الذكرى يستقي أبناء اليمن العزة والكرامة والإباء والصمود وثقافة العطاء والثبات والتضحية في سبيل الله فليست ذكرى عابرة، إنها تجديد العهد والولاء والوفاء لشهدائنا بأننا سائرون بدربهم وخطاهم مما كلفنا ذلك.
فالشهداء هم من فهموا القُـرْآن الكريم ونوره الساطع وآياته العظيمة التي أنزلها الله مفصلة وبيّنة لقوم يفقهون، هنا توجد ثقافة كريمة يتثقف بها الصادقون من عباد الله المؤمنين، ثقافة لا تهاب الموت ولا تخشى كيد المعتدين، تثقف بها أصحاب الصدور العارية والأقدام الحافية والقلوب التي تمتلئ قوة إيْمَانية وحكمة يمانية، فبهذه الثقافة انكسر قرن الشيطان وتعرت كُلّ قوى الوهابية الصهيونية وأصبحت ورقة هشة لا قيمة لها ولا خوف منها، وبهذه الثقافة التي تثقف بها رجال الرجال في اليمن، ها هي اليمن وخلال ما يقارب الـ 5 أعوام صامدة منتصرة شامخة عصية في وجه قوى الاحتلال الماردة.
تلك هي (ثقافة الاستشهاد) ومع حلول مناسبة أسبوع الشهيد نستلهم من تضحيات الشهداء وقوة مواقفهم عظيم ثقافة الاستشهاد في سبيل الله وبيع النفس من الله والمتاجرة بالروح والمال والولد في سوق هي سوق الجنة التي دل الله عباده المؤمنين عليها وتاجر بها معهم فنعم هي تلك التجارة، ونعم هي تلك الثقافة التي عندما تخلت الأمة عنها فقدت عزتها وكرامتها وأصبحت أمة محبة للدنيا خاضعة للظالمين معبِّدةً نفسَها لأهوائها وللشيطان الرجيم.
وفي قلب القُـرْآن الكريم ومن بين صفحاته العطرة والطاهرة توجد آيات هي كفيلة على أن تكون للأمة الإسلامية منهجا كافيا لتهتدي بها ولتستضيء بنورها في ظلمات الضلال والانحراف الخطير التي فتك بها، وما هذه الآيات إلا دليل كافٍ على أن الأمة الإسلامية بخنوعها للطاغوت بعيدة عن القُـرْآن وعن الله سبحانه وتعالى.
هنا وفي بعض الآيات يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) كذلك قوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وكذلك قوله جل في علاه (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
فكل من فهم هذه الآيات الباهرات وعمل بها في واقع الحياة هو حقاً يتثقف بثقافة الاستشهاد، فهذه الآيات المهمة أصبحت مغيبةً بشكل كبير وشامل عن واقع حياة المسلمين وعن مناهجهم الدراسية وعن مواقفهم في تعاملهم مع أعداء الله وأعداء الإنسانية، وما غيبها غير اليهود بأيدٍ وهابية عميلة ترتهن للوبية الصهيونية، وها هي الأمة الإسلامية تجني اليوم ثمن تفريطها في هذه الآيات وعدم العمل بها في مواجهة الباطل حسرات وندامة وخزي مبين.
فكل من تفكر في مواقف الشهداء الخالدة وفي تضحياتهم العظيمة وفي كُلّ ما بذلوه من أجل دين الله ومن أجل قضيهم لا بد أن يقف ليسأل نفسه من أين لهم كُلّ تلك القوة والصلابة!!
ولماذا يرمون أنفسهم أمام النار بينما العدو ومرتزِقتهم يولون الأدبار، هنا القُـرْآن الكريم هو من سيجيب على كُلّ هذا قائلاً عن رجال الرجال (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً) لم يبدلوا مواقفهم ولم يبدلوا دينهم الحق بدين أخترعه اليهود وقدموه للمسلمين في كتب اختطوها بأيديهم وجعلوها للمسلمين منهجا يقبل بهم ويخضع لهم ويجعل من الأمة الإسلامية أمة ضعيفة هزيلة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام أعدائها، أمة مصلية للسلام مع من لا يعرفون السلام.
كذلك ثقافة الاستشهاد هي نفسها الثقافة القُـرْآنية التي أرادها الله لنا كخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتذود بنفسها من أجل عزتها وكرامتها، تأبى الضيم وتأبى القهر، وتأبى الهوان، وتأبى أن تركع لغير الملك الديان، فمن يتثقف بهذه الثقافة يعيش عزيزا ويموت عزيزا ويلقى ربه عزيزاً كريماً؛ لأنها منبع للعزة والكرامة، وهي سبيل الثبات في مواجهة الأعداء ودعسهم وإيقافهم عند حدهم وتعريفهم قيمتهم الرخيصة في ساحات القتال.
ختاماً ثقافة الاستشهاد هي الثقافة الوحيدة التي سترد للأمة حقها وستخلص القدس وتحررها من بين أيدي اعدائها الصهاينة، وستخلص البيت الحرام من تحت هيمنة بني سعود مصاصي الدماء الأنذال، وستخلص المسلمين جميعهم من القيود التي في أيديهم وستخرجهم من عبادة الأعجال الطاغوتية إلى عبادة الله وحدَه لا شريك له، فثقافة الاستشهاد هي من ربت رجال الرجال على كلمة واحدة هي نحن لا نهابُ الموت لأن أحبَّ إلينا أن نُقتل في سبيل الله.