تحالف العدوان يستمر في التفكك: المغرب خارج التشكيلة
المسيرة | ضرار الطيب
خلال قرابة أربعة أعوام من إعلانه، تفكّكت التشكيلةُ الرئيسيةُ المعلَنة لتحالف العدوان على اليمن بشكل تدريجي، إلى أن لم يبقَ فيه سوى ثلاثة أعضاء فاعلين هم السعودية والإمارات والولايات المتحدة، فيما تحوّلت بقيةُ الدول التي يضمها إلى مجرد أسماء، أحدها انسحب من القائمة بشكل رسمي، وآخر تم طرده وصار يتبنى خطاباً مضاداً لـ “التحالف” في جوانبَ معينة، والبقية “كمالة عدد” لا أكثر..
تفكُّكٌ يوضحُ طبيعةَ مسار حركة العدوان منذ البداية والذي يمكن الحكم عليه بشكل بديهي أنه مسار فشل، خُصُوصاً إذا تمت مقارنتُه بمسار الطرف المقاوِم للعدوان ممثلاً بالجيش واللجان الشعبية ومن ورائهما سلطة المجلس السياسي الأعلى، الذين باتوا اليوم يتمتعون بموقف عسكري وسياسي واجتماعي أكثر ثباتاً وتماسكاً من أي وقت مضى.
آخرُ مظاهر ذلك التفكك، بدا وَاضِحاً في حديث وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لقناة الجزيرة القطرية قبل أيام، والذي جاء فيه تصريحات مثيرة كشفت أن دور المغرب في “التحالف” صار مفرغاً من أية جوانب “عملية” وإنما مجرد تواجد إسمي.
بوريطة قال: “شاركنا في أنشطة التحالف العربي في اليمن وغيرنا لاحقاً مشاركتنا، بعد تقييم الأمر” وهو تصريح يمكن إسقاطُه بسهولة على منحنى نشاط تحالف العدوان منذ البداية، إذ كان سقفُ توقعات “الانتصار” مرتفعاً بشكل كبير في البداية لدى رعاة العدوان، وبالتالي لم تكن مسألةُ الموقف الأخلاقي ذات معنى لدى الأعضاء الذين لم يكن هَمُّهم آنذاك سوى المكسب السياسي من خلال الانضمام للطرف المتوقع انتصاره، علاوةً على كونه الطرفَ المدعومَ أمريكياً.
وحديثُ بوريطة عن “تغيير مشاركة” المغرب في تحالف العدوان، و”تقييم الأمر” يأتي معبراً عن الجزء الذي هبط فيه سقفُ توقعات الانتصار إلى حدٍّ كبير، فيما صعد مؤشرُ الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها تحالف العدوان في اليمن، وانكشف المشروعُ التدميري الذي ترعاه الرياض وأبو ظبي وواشنطن، بالتوازي مع تزايد حالة الصمود والثبات لدى اليمنيين المقاومين للعدوان بشكل غير متوقع وذي فاعلية عالية، وبالتالي فإن “التقييمَ” الذي تحدث عنه وزيرُ الخارجية المغربي يُترجَم بإدراك فشل تحالف العدوان في اليمن، وهو الأمر الذي قاد إلى “تغيير المشاركة”.
وكتأكيد على أن “تغييرَ مشاركة” المغرب في تحالف العدوان، كان تغييراً انسحابياً وليس مجرَّدَ تغييرٍ فني في آليات المشاركة، يؤكّـد بوريطة قائلاً: “لم نشارك في المناورات وبعض الاجتماعات الوزارية للتحالف العربي في اليمن”، ويشير في ذلك إلى اجتماع وزراء إعلام دول العدوان منتصف العام الفائت الذي لم تشارك فيه الرباط، وهو تصريحٌ يدُلُّ على حرص وزير الخارجية على إثبات الضعف الذي بات عليه دور بلاده داخل تحالف العدوان، كمحاولة لتبرئة ساحة النظام المغربي من السُّمعة الإجرامية التي باتت ترافق “التحالف” في كُــلّ مكان.
تصريحاتُ بوريطة ليست أول مظهر من مظاهر تفكّك تحالف العدوان، وإنما هي أحدثُها فقط، فقد سبق وأعلنت ماليزيا الانسحابَ رسمياً، فيما أعلنت باكستان أنها لن ترسلَ المزيدَ من الجنود إلى اليمن، وبعد طرد قطر صار إعلامها أكثرَ جرأةً في مهاجمة “التحالف”؛ بسببِ الخلاف مع السعودية والإمارات، بينما غاب الدور الفعلي لبقية الدول وعلى رأسها الأردن، وتحوّلت إلى مجرد أسماء تستعين بها الرياض وأبو ظبي في بيانات الإدانة والتأييد.
أما النظام السوداني الذي فتح أبوابَ المتاجَرة بالمرتزِقة مع السعودية والإمارات على مصاريعها، فيبدو أن انتماءَه إلى تحالف العدوان لم يكن ذا فائدة كبيرة له، بالنظر إلى ما يعانيه اليوم تحت ضغط الثورة الشعبية التي فجّرها التدهورُ الشديد للأوضاع الاقتصادية، على أن مشاركة السودان في “التحالف” تعدُّ أيضاً أحد أسباب تراكم الغضب الشعبي ضد نظام البشير، وبالتالي يمكن القول إنه حصل على نصيبه من فشل “التحالف” الذي ينتمي إليه.
وبمقابل هذا التفكّك الذي وصل إليه تحالف العدوان، بعد قرابة أربعة أعوام، يبرُزُ واقعٌ آخر يتعامَلُ فيه المجتمعُ الدولي مع “صنعاءَ” كسلطة أمر واقع، وبشكل رسمي، فيما تعلن قواتُ الجيش واللجان الشعبية عن أجيال متطورة من الطائرات المسيّرة ومنظومات حديثة من الصواريخ البالستية، وتحتفظ الذاكرةُ السياسية والأمنية بوقائعَ كثيرة فشلت فيها الرياض وأبوظبي في إحداث اختراقات داخلية، الأمر الذي يشكّلُ بوضوح شكلَ طرفَي المعادلة النهائية للمعركة: حيث يمضي تحالف العدوان نحو فشل محتوم، ويمضي الشعب اليمني نحو التحرر والنصر.