نحو صناعة وعي إيماني راشد .. بقلم/ محمد أمين الحميري
ساعد الفكرُ الوهّابي الدخيلُ على شعبنا اليمني طيلةَ عقود ماضية في صناعة وعي مزيّف في مختلف المجالات، ولم يكن هذا التوجهُ عفوياً، فقد كانت تقفُ وراءه أنظمةٌ ومخابرات خارجية في مقدمتها نظام ومخابرات آل سعود، وحقيقةً فقد نجح أصحابُه نجاحاً كبيراً في تهيئة المجتمع لأي مُخَطّط يمكن تنفيذُه وتمريره دون أية مقاومة فكرية أَو عسكريّة، وهذا ما لمسناه في العام 2015 م عند العدوان على اليمن، ذلك العدوان الذي يعتبر تحصيلَ حاصل ونتيجةً لجهود كبيرة بُذِلَت على كُلّ الأصعدة فيما مضى، وكان للخطاب الديني الحظُّ الأوفرُ فيها، ومن أبرز ما خلفه تغييب الهُوية الإسْلَامية الأصيلة من واقع الناس، وصرف المجتمع عن التفكير في قضايا كبيرة إلى الانشغال بجزئيات العِلْم بها لا ينفعُ والجهل بها لا يضر، سواء من خلال منبر المسجد أَو مختلف وسائل الإعلام والتأثير الأخرى، وهو الأمرُ الذي جعل الكثيرَ في ظل العدوان يقفُ الموقفَ الخطأ بين مؤيد له وبين متخاذل صامت، وبين متواطئ، وإنْ كان الله – كما نلمس – قد أحبط مُخَطّطاتِهم وتبخرت تلك الجهودُ التي بذلوها فلم تؤتِ ثمارَها بالشكل الذي كانوا يريدونه، والمهم اليوم ماذا بعد؟..
وحسب متابعتي في إطَار الصحوة الإسْلَامية وواقع مختلف التيارات، فهناك مسؤوليةٌ كبيرةٌ في ضرورة إصلاح المسار في الجانب التعليمي من جهة والإرشادي من جهة أخرى، والعمل على المعالجة والترشيد من خلال خطط مدروسة وسياسات حكيمة تأخُذُ في الاعتبار التنوعَ الثقافي والمذهبي وتهدف في مجملها إلى الارتقاء بالأداء بتدرج، وَلتكُنِ البدايةُ من وزارة الأوقاف مثلاً، وكيف يمكن معالجةُ مشكلة الخطاب الديني المتأزم البعيد عن مجريات الحياة وَالمتوقف عند قضايا دينية محدودة، وَليكن هذا التطوير من خلال دراسة أبعاد المشكلة وحيثياتها وصولاً إلى إيجاد الحلول الممكنة.
وبالمناسبة فقد سَعُدْنا يوم أمس السبت بحضور لقاء جمع بعضَ خطباء التيار السلفي من مختلف الفصائل السلفية مع وزير الأوقاف ونائبه وقطاع الإرشاد في الوزارة، وقد كان هدفُ اللقاء توجيهَ الخطاب السلفي نحو ملامسة قضايا الأمة المهمة وما يتطلع له البلدُ من مناهضة العدوان والعمل على استنهاض الشعب لإدراك المُخَطّطات التي تحاكُ، وعمل ما يلزم، وتمخض عن اللقاء تشكيلُ لجنة من السلفيين أنفسهم لوضع المقترحات والرؤى المناسبة لترشيد الخطاب ومواكبة المستجدات بالتنسيق مع الأوقاف وتحت إشرافها.
وهذه بادرةٌ جيدةٌ سيبدأ عملُها في أمانة العاصمة كمرحلة أولى على أمل تعميمها في مختلف المحافظات، وإذا جئنا للحقيقة فقد كنا نتطلعُ منذ وقت مبكر وليس في ظل العدوان، كنا نتطلعُ من زمان إلى إعادة النظر في رسالة المسجد، وإلى ترشيد الخطاب الديني بما يمكّنُ من صناعة وعي إيْمَـاني راشد، وإخراج أجيال صالحة يقظة فاعلة ومؤثّرة في الحياة، ولكن كما نعلم جميعاً فقد كان النظام في اليمن كحال مختلف الأنظمة في المنطقة من حيث الحرص على استمرار الوضع على هذا النحو من الفوضى الفكرية والعبث، بل ودعم هذه الأطراف على حساب تلك؛ بغيةَ استمرار الصراع وبقاء المجتمع مخدَّراً متخلفاً وكل ما يفهمه عن الإسْلَام هو ذلك الإسْلَام المشوّه، إسْلَامٌ على مقاس هذا التيار، وإسْلَامٌ على مقاس تلك الجماعة وهكذا..، ومهما يكُنْ فأمامنا اليوم فرصةٌ للإصلاح والتغيير نحو الأفضل وأن يكونَ الأمرُ على عاتق وزارة الأوقاف والإرشاد كجهة رسمية وليس لفلان أَو علّان حتى لا يحصُلَ النزاعُ والشقاق ويدخل في النفوس التحسُّسُ، وربما تطور الأمر للفوضى وحصل النفور، سيما والعدو حريصٌ على وجود أي تصرُّف خاطئ ليعمل منه مادةً دسمة للتشويه بالقوى الوطنية الحرة واستهداف تماسك الجبهة الداخلية والتعايش الذي أعْلَت من شأنه الدولة في صنعاء طيلة أربعة أعوام رغم كُلّ الحملات الممنهجة للعدو الهادفة لاستهداف المجتمع من خلال إشعال الفتن وتقديم السلطة الحاكمة بصورة مخيفة وموحشة.
على أمل أن المرحلةَ القادمةَ ستشهدُ تحولاتٍ نوعيةً في هذا السياق، خاصةً والعقلاء في مختلف التيارات كُثْرٌ، وما دام الهدف هو رضا الله ونفعُ البشر والسعي لبناء دولة قوية مستقرة، فاللهُ الميسِّرُ والمُعين.