هل تفرض فعالية الطيران المسيّر الحل السياسيّ في اليمن؟ بقلم/ شارل أبي نادر*
في رسالة هي الأولى له لإحدى الوسائل الإعلامية في صنعاء، تطرَّقَ رئيسُ هيئة الأركان في الجيش اليمني اللواء الركن محمد عَبدالكريم الغماري إلى أكثر من نقطة لافتة، تختصر تقريباً الوضع العسكريّ ومستقبل الميدان والمعارك، في الحرب الدفاعية التي يخوضها اليمن بجيشه وبلجانه الشعبيّة بمواجهة تحالف العدوان الإقليمي والدولي.
اللواء الغماري أشار إلى امتلاك معلومات ميدانية واستخبارية، عن استعداد هذا العدوان لأعمال تصعيدية على أكثر من جبهة ومنها على الساحل الغربي، وتحديداً في الحديدة التي يرعاها مبدئياً اتّفاق ستوكهولم الأخير، بالإضَافَة لإرساله أكثر من إشارة عن استعدادهم للسلام بمجرد وقف الاعتداءات. وتابع أنهم كيمنيين بالأساس لم يعتدوا على أحد، بل كانت وما زالت معركتهم دفاعية، وأنهم مضطرون لتطوير قدرات دفاعية مختلفة، منها الطيران المسيّر، لحماية أنفسهم وخلق مستوى معقول من التوازن العسكريّ والميداني بمواجهة تفوق العدوان جوا وبحراً. فكيف يشكل تطوير القدرات الدفاعية وخَاصَّـة الطيران المسيّر نقطةً فاصلةً أَوْ ضاغطة، تؤدي إلى وقف العدوان على اليمن وبالتالي إلى فرض التفاوض نحو التسوية والسلام؟
تشير المناورة الأخيرة (في نهاية العام 2018 المنصرم وبداية العام 2019 الحالي)، والتي نفّذتها وتنفّذها عمليات الطيران المسيّر، إلى مسار لافت، لم يعد من الممكن تجاوزه أَوْ اعتباره مساراً عادياً كمسار العمليات التي تعودنا عليها في سنوات الحرب التي مرت. وحيث لم يكن تحالف العدوان على اليمن قد أنهى احصاء خسائره الموجعة، والتي سقطت من قياداته الأساسية في قاعدة العند في لحج، على إثر استهداف المنصة الرئيسة أثناء احتفال عسكريّ لوحداته في الثكنة الأكبر في البلاد، بطائرة مسيّرة نوع قاصف 2 كي، حتى استهدفت عمليات الطيران المسيّر هدفين آخرين للعدوان في جيزان (الخوبة)، وفي منطقة عسير على مقربة من منفَذ علب الذي يستشرس العدوان منذ أكثر من العامين في محاولة اختراقه وتأمين معبر أساسي نحو العمق اليمني، وأيضاً بواسطة طائرة قاصف 2 كي المسيرة.
هذه السلسلة من عمليات الطيران المسيّر والتي تبعتها مؤخراً سلسلة أُخْــرَى، منها استهداف اجتماع لقيادات العدوان ومرتزِقته في مديرية الخب والشعف التابعة لمحافظة الجوف شمال شرق البلاد، بالإضَافَة لملاحقة الطائرة المسيّرة قاصف 2 كي أكثر من تجمع حدودي للعدوان، في نقاط ارتكاز وتحضير لتنفيذ زحوفات على مواقع الجيش واللجان الشعبيّة، تثبت أن الطيران المسيّر اليمني دخل جديا وبفعالية في عالم السلاح المسيّر، وانه أصبح يمتلك سلاحاً نوعياً، لن تكون نتائجه الميدانية وتأثيراته على الأرض بأقل من تغيير مفصلي واستراتيجي في طبيعة الحرب والمواجهة، في واحدة من أعنف الحروب التي عاشتها وتعيشها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ودول البحر الأحمر.
– تتميز الطائرة المسيرة قاصف 2 كي بقدرة لافتة على تجاوز منظومات الدفاع الجوي المعادية، وقد صممت للتسلّل في بقعة الهدف على ارتفاعات منخفضة، تتفادى من خلال ذلك فعالية أغلب الرادارت وخَاصَّـة رادار الباتريوت، كما أن طبيعة المعدن الذي قد تم تصنيع هيكلها منه، لا يعكس بسهولة إشعاعات الرادار المعادي، وبالتالي يحرم الأخير من قاعدة المعلومات التي تحدّد مسار وطبيعة الطائرة المسيرة.
– من مميزات الطائرة المسيرة قاصف 2 كي أَيْـضاً، قدرتها على التحكم بمسافة انفجارها جواً فوق الهدف، بطريقة تحدّد عبرها المسافة المطلوبة لإحداث الفعالية، فتتحكم بانفجارها الذاتي بطريقة مناسبة لنوع الهدف، إذَا كان واسعاً كمنصة قاعدة العند، أَوْ أضيق كغرفة عمليات ميدانية أَوْ تجمع مركَّز لمجموعة آليات أَوْ أفراد، كما ويمكن التحكم أيضاً بمساحة توزيع الشظايا على الهدف بين مساحة بضلع حوالي 80 متراً حداً أقصى كمساحة قاتلة إلى مساحات أقل، وذلك تبعاً للحاجة من مستوى التركيز أَوْ الانفلاش المطلوب للشظايا على الهدف.
بالمقابل، يبدو أنه يتوفر مخزون كبير من جزئيات القاصف 2 كي ومن المتفجرات الخَاصَّـة بحشواتها المتفجرة الموجهة،، حَيْــثُ يمكن تأمينها بشكل يومي لخدمة عمليات الجيش واللجان الشعبيّة في المعركة، وهناك قرار وقدرة على وضع نماذج أُخْــرَى من الطائرات المسيرة الخَاصَّـة بتدمير التحصينات والدشم العدوة، وهي سوف تصبح جاهزة قريباً وتسلم لعمليات الطيران المسيّر تباعا.
عملياً، لقد تغيرت معركة العدوان بشكل واضح، وذلك بعد تفعيل الجيش واللجان الشعبيّة مناورة القاصف 2 كي أَوْ غيرها من الطائرات المسيرة، فأصبحنا نشاهد حراكاً أقل لآليات هذا العدوان في أغلب الجبهات الحدودية والداخلية، كما أنه خفض بشكل كبير محاولات الزحوفات التي كان يقوم بها بشكل أوسع على أغلب الجبهات أيضاً، وذلك كله خوفاً من فعالية الطائرة المسيرة قاصف 2 كي.
انطلاقاً من ذلك، لا يمكن إلا التوقف أمام هذا التغيير الميداني لمناورة العدوان، والتي أرفقوها بعمليات استهداف جوي، نفّذوها بشكل هستيري على مواقع في العاصمة صنعاء، ادّعوا أنها نقاط تجميع أَوْ تخزين واطلاق للطيران المسيّر، ليتبين من الشهداء المدنيين من الأطفال والنساء أنها أماكنُ سكنية – مدنية بامتياز.
وعليه، وكما جاء اتّفاق الحديدة كنتيجة طبيعية مفروضة على العدوان، بعد أن اعترف بطريقة غير مباشرة بفشله وعجزه في عشرات المحاولات الواسعة للسيطرة على مدينة ومرفأ الحديدة، فوافق مرغماً على التفاوض، وكانت مفاوضات السويد التي انتجت اتّفاق الحديدة، هل سيكون تفعيل الطيران المسيّر وما أدخله في الميدان من فعالية، سبباً لتثبيت أسس وعناصر الصمود وعملياً سبباً لابتعاد العدوان أكثر وأكثر عن امكانية السيطرة في الميدان، وبالتالي سبباً جوهرياً للرضوخ والاقتناع بعدم جدوى الحل العسكريّ وبالتالي البحث عن حَــلّ سياسيّ؟
* خبير عسكريّ واستراتيجي لبناني