مدرسة الشهادة الصمّادية .. بقلم/ ياسر الصيلمي

بدءًا من مقام الرئيس الشَّهِيْـد/ صالح الصمّاد (رحمه الله) أثناء الزيارة لروضات الشُّهَــدَاء بمناسبة الذِّكْــرَى السَّنَوِيَّة للشَّهِيْـد، الذي وجدته مكتظاً بالزوار المتوافدين لزيارته هو ورفاقه الذين استشهدوا معه.

تأملت في الزوار وأخذت أدقق النظر فيهم واحداً واحداً، فوجدتهم من كُــلّ محافظات الجمهورية اليمنية شمالًا وجنوبًا، من كُــلّ فئات المجتمع اليمني، الرجال والنساء، الكبار والأطفال، الأغنياء والفقراء، السياسيّين والإعلاميين، الأكاديميين والطلاب، يختلفون في الانتماء، ويتفاوتون في مستوى التعليم، أَوْ المعيشة، ولكنهم يتحدون في حب الوطن، وحب الرئيس الشَّهِيْـد/صالح الصمّاد الذي ارتبط اسمه بالوطن، فأصبح هو والوطن متلازمين، لا تحب أحدهما إلا وتحب الآخر، فعند هؤلاء الزوار لم يعد هناك فرق بين الوطن ورئيسه لذلك تجدهم يزورونه بكل احترام وَمحبة، فهو الرئيس الذي أحبه الشعب وبكوا عليه من واقع حب حقيقي سيستمر ويتناقل عبر الأجيال.

في حضرة مقامه الشريف وقفت صامتًا أتأمل صورته المرفوعة فوق ضريحه يحيط بي الشعور بهيبة ورهبة المكان، شعور لم أكن أشعر به من قبل عندما ألتقي به شخصياً، بالفعل إنها رهبة المقام العالي الذي منحه الله بعد أن وفقه لنيل الشهادة، والذي طالما انتظره وكان يسعى إليه حتى ناله في سبيل الله ليضاف إلى لقبِ الرئيس لقب آخر زاده رفعة ومكانة إضافة إلى مكانته العظيمة ليصبح بعدها الرئيس الشَّهِيْـد.

وفي حضرة الرئيس الشَّهِيْـد وبين يديه يمر بذاكرتي الماضي وأحداثه ليتوقف عند مشهد يعود للعام 1431 هجرية بالتحديد لمناسبة الذِّكْــرَى الثانية للشَّهِيْـد التي أقيمت عام1431هـ – 2010م بعد انتهاء الحرب السادسة وكانت أول فعالية لذكرى الشَّهِيْـد تحيا بهذا الشكل، بإقامة معارض لصور الشُّهَــدَاء وفعاليات جماهيرية وزيارات لروضات الشُّهَــدَاء.

وقتها أثناء زيارتي لمعرض الشُّهَــدَاء الذي أقيم في منطقة آل خميس المجاورة لمنطقة بني معاذ قرية الرئيس الصمّاد، وقد كان ذلك المعرض عبارة عن مخيمين وضع في أحدهما صور جميع شهداء المنطقة والمناطق المجاورة لها، والآخر وضع فيه عدد من التلفزيونات التي تعرض صور الشُّهَــدَاء، وتتكلم عنهم ويتخلل ذلك كلمات للسيد عبدالملك، أَوْ محاضرة للسيد حسين، أَوْ كلمة لأحد الثقافيين، ورغم تلك الإمكانيات البسيطة إلا أن الجميع ممن ينتمي للمسيرة القُـرْآنية كان يشعر بالفخر والاعتزاز، وكان يرى في إقامة هذه الفعالية بذلك الشكل نصراً عظيماً وإحْيَـاءً لذكرى الشهادة في نفوس الآخرين، واستذكاراً للشُّهَــدَاء العظماء، وحجم تضحيتهم وعظمتها وما يجب علينا فعله تجاه أُسرهم.

في ذلك اليوم توافق دخولي إلى ذلك المعرض مع وصول الرئيس الشَّهِيْـد صالح الصمّاد (رحمه الله) وقد كان برفقته ثلاثة أشخاص، لأكون رابعهم، وما إن بدأنا جولتنا داخل المعرض حتى بدأ الشَّهِيْـد الصمّاد يستعرض الصور صورةً صورةً، ويقف أمام كُــلّ صورة باحترام وتقدير تنبئ عن مدى إدراك هذا الشخص لعظمة هؤلاء الشُّهَــدَاء، وعلو مكانتهم في نفسه بشكل كبير جدًا، وما لفت انتباهي وقتها أن عددًا كبيرًا من الشُّهَــدَاء الذين عرضت صورهم في ذلك المعرض كانوا من تلاميذ الشَّهِيْـد الصمّاد، وأغلبهم استشهد وهو يقاتل تحت قيادته أثناء الحرب الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، فكان رحمه الله كلما وصل أمام صورة من صور رفاقه يقف أمامها ويستذكر بطولات ذلك الشَّهِيْـد، ويحكي لنا متى وكيف وأين استشهد ذلك الشَّهِيْـد، وقد كان يتكلم عن كُــلّ شهيد بأسلوب شيق، وطريقة تجعلك في اشتياق لأن تحظى بوسام الشهادة الذي ناله ذلك الشَّهِيْـد، وبأسلوبه الرائع كان يصور المعركة وكأنك تشاهد أحداثها، وترى امام عينيك عظمة الحَـقّ وقوته، وبطولة رجاله الذين قدموا أرواحهم من أجل إعلاء كلمة الله مستشهداً بالقُـرْآن في كُــلّ حديثه، فتدرك من كلام الشَّهِيْـد الصمّاد أن هؤلاء الشُّهَــدَاء لا يمكن أن نفي بحقهم مهما صنعنا، وأنَّ إقامة فعالية ذكرى الشَّهِيْـد ليست سوى قطرة من بحر عظمتهم.

في ذلك اليوم تكلم عنهم واحدًا واحداً وكان عندما يقف أمام صورة أحدهم يلتفت إلينا وفي عينيه بريق اعتزاز وفخر، وكأنه أستاذ يحكي عن طلابه المتفوقين، وما نالوه من شهادات وأوسمة، امتزجت نبرات صوته بفخر واعتزاز كبير وكأنه يقول هؤلاء هم رفاقي، هؤلاء هم طلابي، هؤلاء هم من علمتهم وأرشدتهم بكلامي وما قرأته عليهم من دروس وملازم، هؤلاء هم من وقفت معهم في خندق الدفاع عن الحَـقّ وقاتلنا نصرة لدين الله، هؤلاء من فهموا وعرفوا هدي الله فتسابقوا ليكونوا في جواره أحياءً يرزقون لينعموا بالحياة الأبدية.

وعندما وصل إلى منتصف المعرض توقف ونظر إلى أحد القائمين على المعرض وسأله أين صورة حسن؟

أشار إليه ذلك الشخص هذه هي صورة حسن والتي لم تكن تبعد عنه سوى بضع خطوات، وقتها تساءلت في نفسي من يكون حسن؟ ولماذا يسأل عنه بهذا الاهتمام؟ وأسرعت الخطى إلى جوار الصورة لأعرف من هو هذا الشَّهِيْـد، ولكي أسمع ماذا سيقول عنه، وكان أول ما وقعت عيني عليه هو اسم الشَّهِيْـد حسن علي الصمّاد، عرفت وقتها أنه أخوه الذي استشهد في الحرب الثالثة، وفي هذه اللحظة وبينما أنا أتأمل صورة الشَّهِيْـد حسن، وقف الشَّهِيْـد صالح الصمّاد أمام صورة أخيه بصمت، وأخذ ينظر إليها بعمق، واستمر ذلك الصمت لمدة من الزمن، وكأن ذلك الصمت كان حوارًا مع أخيه الشَّهِيْـد الذي يبدو أنه كانت تربطه به علاقة قوية جدًا، وقتها كنا ننتظر ماذا سيقول عنه، ولكنه استمر في صمته وكأن نظراته كانت تغبط أخيه على ما ناله من شرف ورفعة، وبقيت تلك الحادثة في ذهني أتساءل عن الشَّهِيْـد حسن الصمّاد حتى عرفت قصته من والده رحمه الله عندما حكى لي شخصيًا عن ابنه حسن الذي كان من السباقين للانطلاق في سبيل الله، وأنه كان من المجاهدين العظماء، وأنه كان ممن أثَّر في أخيه الرئيس صالح الصمّاد، وأنهما كانا أول من انطلق في سبيل الله من منطقتهم والمناطق المجاورة.

وبعدها واصل الشَّهِيْـد الصمّاد استعراضه لبقية الصور مستعرضاً لبطولات الشُّهَــدَاء ومواقفهم العظيمة وهو يتوق للحاق بهم ونيل الوسام العظيم الذي نالوه، وبقي يحمل هذه الروحية طيلة مراحل عمله، وسيخلد التأريخ أن أغلب من حكموا اليمن قبل الصمّاد كان أَكْبَــــر همهم هو أن يبقوا في الحكم ويورثوه لأبنائهم فيما كان الصمّاد حريصًا أن ينال الشهادة حتى وهو رئيس للجمهورية، وطالما كان يسأل الله أن يكرمه بها، وكان يرى في لقب الشَّهِيْـد أنه أعظم لقب يجب أن يسعى إليه الجميع حتى وإن حملوا لقب رئيس الجمهورية، وهذا ليس بغريب على شخص مثله جعل من الشهادة أعظم وسام، وأرفع مقام، وجسده في نفسية كُــلّ من عرفه أَوْ كان قريباً منه، وها نحن نشاهد بين الحين والآخر من كانوا رفاقه، ومن كانوا قريبين منه، يلحقون به ويسقطون شهداء في سبيل الله واحدًا تلو الآخر؛ لأَنَّهم يعرفون جيدًا ماذا تعني الشهادة، فهم من درسوا منهاج الشهادة في مدرسة الشَّهِيْـد صالح الصمّاد.

بخطىً متثاقلة أنوي مغادرةَ مقام الرئيس الشَّهِيْـد صالح الصمّاد (رحمه الله) ويملأ أحداقي اكتظاظ المكان بزوار شهيد الرؤساء ورئيس الشُّهَــدَاء الشَّهِيْـد صالح الصمّاد.

فكم أنت عظيم أيها الصمّاد في حياتك وبعد استشهادك، وكم أنتم عظماء أيها الشُّهَــدَاء، فبالرغم من مكانتكم وما أعطاكم الله من نعيم إلا أنه زادكم شرفاً وعظمة أن اصطفى صالح الصمّاد شهيداً ليكون بذلك رئيس الشُّهَــدَاء بعد أن اصطفاه الله من أوساطنا ليصبح رئيسكم، ونصبح نحن بلا رئيس كالأيتام الذين فقدوا والدهم، أَوْ كالطلاب الذين غادرهم أستاذهم ومعلمهم، ولم يعد للحياة من بعده أي معنى.

سلامُ الله على الرئيس الشَّهِيْـد الصمّاد وعلى أَصْحَاب الشَّهِيْـد الصمّاد وعلى جميع شهدائنا العظماء في كُــلّ وقت وحين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com