كابوس إسرائيليُّ اسمه نصرُ الله .. بقلم/ زهير أندراوس
“حوار العام 2019” مع سيّد المُقاومة، الشيخ حسن نصر الله، وما جاء فيه، يُعتبر فُرصةً مُناسبةً لسبر غور الردود الإسرائيليّة، أنْ كان من قبل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو وعددٍ من الوزراء، وإنْ كان من الإعلام العبريّ، الذي تلقّى صفعةً مُجلجلةً نسفت كليًّا الإشاعات والأكاذيب التي عكف على نشرها بصفاقةٍ صهيونيّةٍ معهودةٍ. كلام السيّد، الذي بدا واثقًا كعادته، أذهل الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، فالرجل عندما يتكلّم يُرعِب، وعندما يصمت يُثير الهلع في نفوسهم، لأنّهم، أيْ الصهاينة، كانوا وما زالوا، ووفق كلّ المؤشّرات، يُصّرون على الاستخفاف والاستهزاء بالعربيّ، من مُنطلق شعورهم بالفوقيّة تجّاه الناطقين والناطقات بالضاد، ويؤكّدون مرّةً تلو الأخرى أنّهم ما زالوا أسرى مقولة رئيس الوزراء الأسبق، المُجرِم يتسحاق شامير، الذي أرسى مقولته العُنصريّة والفاشيّة: “العرب هم نفس العرب، والبحر هو نفس البحر”.
***
الأمين العّام لحزب الله، خلافًا للزعماء العرب الآخرين، يفهم ويتفهّم المجتمع اليهوديّ-الصهيونيّ، ويدأب على مُواكبة ومُتابعة أخباره، ومن هنا فإنّ إلمامه الكبير بأخر المُستجدّات والتطورّات على الساحة الإسرائيليّة، تمنحه القوّة على إيصال الرسائل إلى الإسرائيليين، من فوق رؤوس قادتهم، والطامة الكُبرى من ناحية أركان الكيان، أنّ جميع الأبحاث والدراسات التي أُجريت في المراكز المُختصّة وفي معاهد الاستشراق وفي الجامعات الإسرائيليّة أكّدت بشكلٍ قاطعٍ وحازمٍ بأنّ الصهاينة يؤمنون بالسيّد نصر الله، ويثقون بأقواله، بنسبة ثمانين بالمائة، ويكفي في هذه العُجالة الإشارة إلى أنّ أحد الأبحاث في تل أبيب أكّد على أنّ عدّة جملٍ أطلقها الشيخ نصر الله حُفِرت في العقل الباطنيّ للإسرائيليين، منها على سبيل الذكر لا الحصر: “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، “ما بعد، بعد حيفا” و”انظروا إلى البارِجة وهي تشتعِل الآن بعد تلقيها صاروخًا بالقرب من شاطئ العاصمة بيروت”.
***
عُلاوةً على ذلك، يُمكِن القول والفصل أيضًا، إنّ السيّد نصر الله تغلّب على الإسرائيليين في أرض المعركة، وأيضًا في الحرب النفسيّة الشرِسة التي تدور رحاها بين الطرفين. فعندما يُلقي نتنياهو خطابًا، لا نُلاحِظ بتاتًا هذا الاهتمام، كما جرى مع السيّد، الذي تحوّل كلامه إلى حدثٍ عالميٍّ، وبالتالي هذه المُقارنة تُلقي الضوء على الفارِق الشاسِع بين العدويْن اللدوديْن، فرئيس الوزراء الإسرائيليّ، المُتورّط من أخمص قدميه حتى رأسه في قضايا الفساد وتلقّي الرشاوى وخيانة الأمانة، لن يتورّع عن فعل أيّ شيءٍ من أجل المُحافظة على منصبه، بما في ذلك نزع الشرعيّة عن الشرطة، النيابة العامّة، المُستشار القضائيّ للحكومة والإعلام، ومن هُنا، فإنّ توجّه السيّد إلى الإسرائيليين حول هذه القضيّة ستكون لها ارتداداتٍ كبيرةٍ لدى جمهور المُصوّتين في الانتخابات التي ستجري في التاسع من نيسان (أبريل) القادِم، وللتأكيد على ذلك، يجب أنْ نأخذ على محملٍ من الجدّ ردّ الفعل الذي صدر غُداة المٌقابلة من قبل نتنياهو نفسه، والذي حاول تصدير ارتباكه ممّا كشف عنه الأمين العّام إلى نصر الله نفسه، ولم يأتِ بجديدٍ، بل عاد وكرّرّ التهديدات المعهودة بأنّ حزب الله يخشى مُواجهة إسرائيل، ولكن الأهّم ممًا جاء في التعقيب هو أنّ السيّد نصر الله أجبر نتنياهو على الردّ، وهذا بحدّ ذاته إنجازًا له وليس عليه، كما أنّ الوزير يوفال شطاينتس، عضو المجلس الوزاريّ السياسيّ والأمنيّ المُصغّر عقبّ هو الآخر على حديث نصر الله وأعاد كالببغاء ما قاله نتنياهو.
***
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاهتمام الإعلاميّ في إسرائيل بالمُقابلة، وترجمتها للغة العبريّة، وعرضها على جميع مواقع الإنترنيت تُؤكّد بشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل بأنّ اليهود-الصهاينة في كيان الاحتلال، يَخشَوْن نصر الله، والأكثر من ذلك يثقون به وبأقواله، على الرغم من أنّ ماكينة الدعاية في تل أبيب تعمل على مدار الساعة من أجل شيطنته وحزبه، كما أنّه يتحتّم علينا في هذه العُجالة السؤال: إذا كان نصر الله مُرتبِكًا، كما زعم نتنياهو، فلماذا التقدير الاستراتيجيّ الإسرائيليّ الرسميّ يُصنِّف الحزب للسنة الثالثة على التوالي بأنّه العدوّ الأخطر على كيان الاحتلال؟ ولمَ تُقّر تل أبيب، على لسان أكبر جنرالاتها، بأنّ كلّ بُقعةٍ في الدولة العبريّة باتت في مرمى صواريخ المُقاومة، بما في ذلك مفاعل ديمونا النوويّ؟
***
جديرٌ بالذكر أنّ استطلاعًا إسرائيليًا للرأي العام بيّن أنّ تصريحات نصر الله أكثر مصداقيةً لدى الإسرائيليين من الصحافة والمسؤولين في الكيان، وأنّ الشعب الإسرائيلي كان يؤمن بصحّة تصريحات نصر الله أكثر من تصريحات قادته السياسيين والعسكريين، وقال موقع صحيفة (يديعوت أحرونوت) على الإنترنت إنّه منذ أنْ وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها ظلت قضيتان رئيسيتان تشغلان بال الشعب الإسرائيليّ هما طلب تقرير بشأن إخفاقات القيادة الإسرائيليّة، والثانية هي انتقاد مصداقية الصحافة العبريّة وطبيعة تقاريرها. وأضاف الموقع أنّ الدراسة التي أجراها الدكتور يوري ليبيل الدكتور بمعهد بن غوريون بجامعة بئر السبع قد كشفت عن أنّ ثمة مشكلة تحتاج لحلٍّ سريعٍ وهي مصداقية الصحافة والتقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، مُوضحًا أنّ الاستطلاع الذي كان بعنوان تناول مصداقية الصحافة والتقارير العبريّة خلال الحرب على لبنان، تضمّن الطلب من أعضاء ست جماعات مشاهدة شريط فيديو يظهر التصريحات الإسرائيلية التي أطلقت في الداخل والخارج والإجابة على عدد من الأسئلة. ونقل الموقع عن د. ليبيل قوله إنّه أجرى استطلاعات للرأي في الماضي حول الأبعاد الاستراتيجية للصحافة وعلم النفس السياسيّ والعلاقات الإعلاميّة للجيش حيث أظهرت نتائج أخر استطلاع أجراه أنّ عيوبًا بالغةً تعتري هذه المجالات حتى أنّ الرأي العام الإسرائيليّ اضطر للاعتماد على التقارير.
***
للأسف الشديد، أنّه في الوقت الذي يُذهِل ويُرعِب السيّد نصر الله الإسرائيليين، فإنّ جامعة الدول العربيّة ومجلس دول التعاون الخليجيّ تعتبر الرجل إرهابيًا، ويلٌ، ويلٌ لأمّةٍ تعتبر سيّد المُقاومة إرهابيًا. ونُنهي بشهادةٍ من المُستشرِق الإسرائيليّ داني روبينشتاين، الذي قال: “إنّ حسن نصر الله هو شخصيّة عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والشارع العربيّ، بدرجة تفوق عبد الناصر في زمنه، عبد الناصر صمد في حرب حزيران ستة أيام، أمّا حسن نصر الله فقد حبس رُبع سكان إسرائيل في الملاجئ لمدّة أربعة أسابيع”.
* كاتب فلسطيني