الشهداء بصمات محفورة في ذاكرة الأجيال .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
مَن اشتاق إلى لقاء العدوّ اشتاق اللهُ للقائه، ومَن عشق ميادين الجهاد والعزة سهّل اللهُ له طريقَه ويسّرَ له أمورَ دينه ودنياه ومهّد له الطريق الواضح والبين لليوم الآخر والفوز بالجنة والنجاة من ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم خالٍ من العمالة والولاء لأعداء الله ورسوله أَو الارتهان لأهلٍ أَو ولدٍ أَو مالٍ أَو شهوة، ومن اشتاق للشهادة اشتاقت الشهادة إليه، وليس هناك أحب إلى النصر على الأعداء سوى الشهادة في سبيل الله وفي سبيل الأرض والعرض والكرامة، وليس هناك طريق أقرب إلى اللهِ ورسوله وإلى جنته سوى طريق الجهاد لنيل النصر أَو الشهادة، فإما أن يكون هناك نصرٌ يُعز به المؤمنون وإما تكريمٌ إلهي بالشهادة التي تعتبر أعلى شرفاً وأكرم درجةً وأفضل منزلةً وهبها الله لعباده المخلصين، ولذلك يحدث كلٌ منا نفسه كيف تنال الشهادة وما السبيل إليها وسيأتي اليوم الذي نقول فيه يا ليتني كنت شهيدا حتى لو انتصرنا وحُزنا تمكين الله وتأييده؛ لأَنَّنا لن نعرف بماذا وعد الله الشهداء وماذا أعد لهم إلا إذا أدركنا تماماً وفهمنا معنى ودلالات الآيات الكريمات التي تتحدث عن مكانتهم وفضلهم ومنزلتهم، ولعل الكثير منا يتمنى الشهادة لكنه يخشى صبارّة القر وحمارّة القيظ أو يخاف مواجهة ترسانة الأعداء العسكريّة أَو كيف يتوقى لفح الرياح وحرّ الشمس أَو يخشى أن يلتحف السماء ويفترش الأرض بجبالها وسهولها وشطآنها وقيعانها، أَو يخاف المعاناة والوصب والمكابدة أَو التضحية بعضوٍ من أعضاء الجسد ليكون بعد ذلك عالةً على أهله وذويه، ولذلك فإن من يريد نيل الشهادة والفوز بها فعليه أن يتذكر أن الشهيد لم يعتبر لتلك التضاريس المتنوعة الوعرة أَو المناخ المتقلب؛ لأَنَّه باع من الله وانطلق في ميادين الجهاد ببأسٍ شديد وشجاعةٍ وقوة إيمان وثبات على الدين ورهان على النصر وعزم على رفع راية الحق مجلجلة ويقين بجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى؛ ولذلك فإن الشهيد بحاجة إلى أن نتأسى به ونخطو على خطاه ونسير على المنهج الذي انتهجه في سبيل مقارعة الطغاة المتجبرين ونترجم إحياء تلك الذكريات السنوية للشهيد إلى فعل وتحرك في الميدان، والشهيد بحاجةٍ إلى أن يكون كُــلّ واحد منا صورة حقيقية له في البذل والعطاء والعزم والثبات والتضحيات بالأنفس والجوارح أكثر من حاجته إلى صورة يتم تعليقها على الممرات والقاعات والشهيد بحاجه إلى أن يكون لتلك الأصوات الرنانة والجهورية حضورها في ميادين البطولة والشرف فاعلاً ومؤثراً وتدفعنا واحداً تلو الآخر إلى مواجهة الطاغوت والطغيان أكثر من حاجته إلى زوامل وأناشيد وهتافات دون أن يكون لها أثر وتحرك في نفوسنا والشهيد بحاجة إلى نكون قد تهيأنا نفسياً ويكون لنا الاستعداد التام للانطلاق دون استثقال نحو دحر العدوّ اللدود لنجسّدَ العنفوان والرهبة التي تزلزل محور الشر والطغيان ويقذف الرعب في قلوب المنافقين والعملاء من باعوا دينَ الله بعَرَضٍ من الدنيا قليل أكثر من حاجته إلى من يشير إليه بالبنان ويضع إكليلاً من الزهور على ضريحه المبارك، الشهيد استحق وسام الشهادة؛ لأَنَّه انطلق وتحرك ولم يكن لديه أدنى شك في عدالة القضية التي تحرك من أجلها، لم يكن يفكر إلا في عزة وفي كرامة وفي انتصار للمستضعفين على المستكبرين والمتجبرين، لم يكن لديه إلا شموخ وكبرياء وأنفة وحمية وغِيرة على دين الله وعلى أرض وَسيادة واستقلال أرضه ووطنه، لم يكن لديه إلا أن يضحي ويبذل نفسه وجوارحه رخيصة في سبيل أن تتخلص شعوب الأرض من جبروت وسلطان ونفوذ الصهيوأمريكية على مصالح العباد والبلاد العربية والإسْلَامية، ولذلك فإن الذكرى السنوية للشهيد ستبقى بصمة محفورة في ذاكرة الأمم وَالأجيال، وستوجهنا تلك الذكرى إلى صورٍ صامتة لكن يملؤها البأسُ الشديدُ وتنبعث منها شراراتُ العزة والكرامة وستبقى تفاصيل تلك الصور حية وقّادة في قلوبنا، فخلف كُــلّ صورة صلابة وثبات وأمام كُــلّ صورةٍ بطولة وانتصار..