الشعب الفنزويلي في معركة التحرّر الطبقي والقومي .. بقلم د/ أحمد الصعدي
ليست المحاولةُ الانقلابيةُ الأخيرةُ ضد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، والحملةُ العدوانيةُ الشرسة التي تشنُّها أكبرُ دولة مارقة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلفاؤها، من خلال عقوباتها على الشعب والحكومة في فنزويلا إلا حلقةٌ في مؤامرات لم تنقطع منذ أن انتخب فقراءُ فنزويلا زعيمَهم المحبوبَ الراحلَ، هوجو تشافيز، رئيساً عام 1988.
تعمَلُ الإداراتُ الأمريكية المتعاقبةُ على إعَادَة فنزويلا كدولة ومقدّرات إلى النفوذ الإمبريالي الأمريكي المباشر، وإعَادَة السلطة من الفقراء وهم الغالبية الساحقة في فنزويلا إلى خصومهم الطبقيين الأثرياء الفاسدين وكلاء المصالح الأمريكية.
إنَّ الهيمنةَ هي الكلمةُ المفتاحيةُ التي تفسِّرُ الأَهْدَافَ الحقيقيةَ للحروب والأحداث التي تكونُ الإمبرياليةُ الأمريكيةُ محرِّكَها الأَسَاسَ في أي مكان في العالم، أكان ذلك في جزيرة العرب أَو في البحر الكاريبي.
ذكر جون بيركنز -الخبير الاقتصادي الأمريكي- الذي عمل لفترة طويلة في شركات استشارية أمريكية تتعاوَنُ مع صندوق النقد والبنك الدوليَّين في اغتيال الأُمَـم اقتصادياً في كتابه (الاغتيالُ الاقتصادي للأُمَـم.. اعترافات قرصان اقتصادي)، أن مدرِّبَتَه التي كلّفت بإعداده للقيام بالمهام الخطيرة المطلوبة منه أن هناك هدفين أَسَاسيين لعمله:
الهدفُ الأول: اختلاق مبرّرات للقروض الكبيرة التي سيقدمُها صندوقُ النقد والبنك الدوليان وتضخُّ المال إلى الشركة الاستشارية التي يعمل فيها وبقية الشركات الأمريكية.
الهدفُ الثاني: هو العملُ على إفلاس البلدان التي أخذت القروضَ بعد أن تكون سدّدت ديونَها للشركات الأمريكية، بحيث تبقى مقيدةً بتلك القروض إلى الأبد، فتذعن لكلِّ ما يُطْلَبُ منها من خدمات: إنشاء قواعد عسكريّة أَو تصويت في الأُمَـم المتحدة، أَو الوصول إلى البترول والموارد الطبيعية الأُخْــرَى.
وفي جُعبة الإمبريالية الأمريكية وسائلُ شتَّى؛ لإخضاع الزعماء الوطنيين والشعوب المدافعة عن استقلالها وثرواتها.
أولى هذه الوسائل تتمثلُ بالقروض الكبيرة، وهذه مهمةٌ يقومُ بها القراصنةُ الاقتصاديون، وقد نجحوا في تكبيل شعوبٍ كثيرة بهذه الأغلال الجهنمية. وحين يعجزُ القراصنةُ يأتي من يسميهم المؤلف بـ((الثعالب)) أَو أصحاب الأياد القذرة -أي المخابرات- فيدبرون الاضطرابات لإسقاط حكومات وطنية منتخبة، كما حدث في إيران عندما أسقط انقلاب رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدَّق عام 1951 بعد إقدامه على تأميم الشركات البريطانية التي كانت تستغلُّ نفط إيران، أَو تدبير انقلابات عديدة في أمريكا اللاتينية كالذي أطاح بالرئيس التشيلي عام 1973، واغتيال رئيس الإكوادور خايمي رولدوس بتفجير طائرته في24/ مايو/1981، واغتيال رئيس بنما عمر توريخوس بنفس الوسيلة في 31 يوليو من نفس العام.
أما إذَا عجزت الأيادي القذرة فتأتي الوسيلة الثالثة وهي الجيش والتدخل العسكريّ المباشر كما حدث في العراق عام 2003. لم تتوقفْ مؤامراتُ الإمبريالية الأمريكية على الشعب الفنزويلي وقيادته الثورية منذ أن استعاد السيطرةَ على البترول الذي كان يُستغَلُّ من الشركات الأمريكية وحفنة من عملائها المحليين.
وقد فعل القراصنةُ الاقتصاديون مستخدمين البنكَ وصندوق النقد الدوليين، والأيادي القذرة (المخابرات المركزية) كُلَّ مَا بوسعهم لإسقاط تشافيز وخَلَفِه مادورو، ولم تفلح الانقلابات والاضطراباتُ في تحقيق الغاية المرجوَّة، فلا يُستبعَدُ أن تلجأُ الإدارةُ الأمريكيةُ إلى التدخّل العسكريّ المباشر الذي كانت تنوي إدارةُ بوش القيامَ به ضد فنزويلا عام 2002، لولا أحداثَ 11/ سبتمبر التي غيّرت التوجهَ نحو أفغانستان والعراق، كما يقول القرصان الاقتصادي جون بيركنز.
وهكذا يتضحُ أن كُلَّ صُراخ الإمبريالية الأمريكية وأدواتها من الفنزويليين وحلفائها في أوروبا عن الديمقراطية وحقوق الإنْسَان ليس إلا صراخاً على البترول والهيمنة والاستغلال القومي والطبقي لشعب فنزويلا الكادح. وأن ما يخوضُه الشعبُ الفنزويلي هو نضالٌ تحرّريٌّ طبقي في الداخل وقومي في الخارج.
اختتم جون بركينز الفصل الثالث والثلاثين الموسوم بـ((صدّام ينقذ فنزويلا)) من كتابه المذكور الذي صدر عام 2004 بالقول: ((على أية حال يعلمنا درسُ فنزويلا أن شيئاً لم يتغير في السياسة الأمريكية خلال الخمسين سنة الماضية، باستثناء النتائج)).
ونستطيعُ القولُ ونحن في عام 2019 ونوشك على الدخول في العام الخامس من عدوان إجرامي فاشي تقودُه الإمبرياليةُ الأمريكية، ونراقِبُ بتضامُنٍ وتعاطُفٍ قويين مقاومةَ مادورو والشعب الفنزويلي للغطرسة الأمريكية أن شيئاً لم يتغيّر في السياسة الأمريكية إلا الرئيس الأَكْثَــر صراحةً في التعبير عن الجشَع لثروات العالم والغطرسة في التعامل مع الشعوب والانحياز الفاضح للطُّغاة والمستبدين والأنظمة البوليسية ما دامت تدورُ في الفلك الأمريكي.