القمم تزاحم النكسات العربية.. وغزة هي الأُمَّــة الآن! بقلم/ طلال سلمان
مثّلت القمةُ الاقتصادية ـ الاجتماعية التي عُقدت في بيروت، قبل أَيَّام، مشهداً كاريكاتوريا بائساً لانقلاب الشعارات الوحدوية ـ الثورية إلى نقيضها تماماً.. فلم يأتِ من الملوك والرؤساء العرب إلا رئيس موريتانيا، في حين حضر أمير دولة قطر جلسة الافتتاح وغادر متعجلاً.. تاركاً خلفه “قنبلة موقوتة” على شكل “وديعة” بخمسمائة مليون دولار بتصرف الحكومة اللبنانية، في مصرف لبنان.
أمّا القمة العربية العتيدة التي يُفترض أن تعقد بعد شهرين في تونس، فإنها ستواجه مأزق سوريا فيها، بعد أن تحللت بعض الدول العربية من عقدة الارتهان لقطر التي قادت حملة “طرد” سوريا من الجامعة العربية، قبل بضع سنوات ومن المرجح أن تُدعى سوريا التي نفترض أنه سيكون لها شروط لهذه العودة بما يمسح الإساءة التي لحقت بهذه الدولة المؤسسة للجامعة.
لقد تفرق العرب أيدي سبأ، وليس أَكْثَــر من الحروب العربية ـ العربية إلا الخلافات الكامنة بين “الأشقاء” والتي يمكن أن تتفجر في أية لحظة، في منطقة الجزيرة والخليج، إضافة إلى العدوان السعودي ـ الإمَارَاتي المفتوح على اليمن، فهناك أَزْمَــة قطر المستعصية على الحلول، وقد أفادت تركيا من هذا الواقع “فشاركت” الاميركيين في قاعدة العيديد… بينما يتصاعد التوتر بين الإمَارَات وقطر (ومعها تركيا)؛ بسببِ خلاف على “كاسر الموج”!
طبيعي والحالة هذه أن يفيد العدوّ الإسرائيلي من هذا التبعثر العربي فيسوح بنيامين نتنياهو بين سلطنة عُمان وتشاد، مؤكداً أن الحواجز قد أسقطت وأن إسرائيل باتت مقبولةً وأن مندوبيها مرحب بهم في العديد من العواصم العربية والافريقية (فضلاً عن دول عدم الانحياز) التي كانت مغلقة من قبل والتي تستقبل الآن الوفود الإسرائيلية بالترحاب..
إن خريطة الخصومات والتحالفات العربية، هذه الأيّام سوريالية.. فالعراق يحالف سوريا، متشككا في نوايا السعودية والإمَارَات وامبراطورية قطر، ولبنان الذي “يستضيف” حوالي مليوني مهجر سوري، يرفض ـ حتى هذه اللحظة ـ أن يقوم بمبادرة تجاه دمشق، كأن يزورها وزير الخارجية، رسميا، علماً بأن عدداً من الوزراء يذهبون اليها، كما أن وزير الدولة لشؤون الرئاسة يزور دمشق كُلّ يوم اثنين، أسبوعياً… لكننا نفضل أن نلتزم بالتعليمات الاميركية.
كذلك فإن القاهرة الباقية على تواصل مخابراتي دائم مع دمشق، تتردد في توجيه الدعوة اليها للمشاركة في القمة العتيدة في تونس؛ لأَنَّها تحرص على إزالة آثار قرار “الطرد” حرصاً على “كرامة” قرار الجامعة بطرد سوريا منها.
سفسطة عربية مبتذلة ومهينة: مصير الأُمَّــة جميعاً على المحك، وإسرائيل تتباهى بقوتها، وتتحرش بالمقاومة المجاهدة، في الجنوب، من فوق رؤوس قوات الطوارئ الدولية، بذريعة أنها اكتشفت خنادق ممتدة داخل الأرض الفلسطينية المحتلّة، وتقدر أن المقاومة قد حفرتها.. لتكون جاهزة متى لزم الأمر!
على الضفة الأُخْــرَى، يواصل العدوّ الإسرائيلي غاراته الصاروخية على الأراضي السورية بذريعة “ضرب قواعد صواريخ إيرانية” فيها.. فلا تتحرك أية دولة عربية، ولو بإصدار بيان شجب أَو استنكار.. وكيف تستنكر وهي ترحب بنتنياهو وتفرش له سجادة السلطان في المطار؟!
بالمقابل فان الحرب السعودية ـ الإمَارَاتية على اليمن مستمرة، برغم أن المحادثات لوقفها حققت خفضا للتصعيد، لكن الحديدة تكاد تندثر، وكذلك تعز والبيضاء، وأخيراً صنعاء التي شملتها غارات الأشقاء بالطائرات الحربية الاميركية والفرنسية والطيارين من المرتزقة.
ولقد بلغ من شأن القوة العسكريّة لدولة الإمَارَات، وكذلك قطر، أن كلاً منهما تمول جيوش مرتزقة تقاتل في ليبيا، وتحديدا في منابع النفط، دون أن تعرف الأَهْدَاف الفعلية لهذه الحرب، خصوصاً وأن الدولتين الشقيقتين أغنى من أن تحتاجا إلى مزيد من الثروة المنهوبة من ليبيا..
في انتظار أن يقرّر الرئيس الجزائري المقعد ما إذَا كان سيخوض معركة تمديد أَو تجديد رئاسته فوق كرسي متحرك ليحكم بلاد المليون شهيد..
الحمد لله: بين قمة عربية وأُخْــرَى تزداد أوضاع العرب بؤساً، ويتعمق الشقاق بين الدول الشقيقة، وتتوطد أركان دولة العدوّ الإسرائيلي، ويواصل الشهداء الأَحْيَاء في غزة تظاهراتهم كُلّ يوم جمعة: يأتون إلى نقطة الحدود بالحجارة يرشقون بها جيش العدوّ، ثم يغادرون وهم يحملون الشهداء الجدد.. في انتظار يوم الجُمُعة التالي، من دون أن يخلفوا الميعاد.
* كاتب وناشر ورئيس تحرير صحيفة السفير