أنظمة الخليج تستعين بشركات “إسرائيلية” متخصصة في “أمن المعلومات” للحفاظ على سلطتها
المسيرة | متابعات
يتواصَلُ بروزُ مظاهر التطبيع بين دول الخليج والكيان الصهيوني بشكل متسارع، في إطار موجة التقارب المعلَنة بين الطرفين والتي بدأت تفاصيلها تتوسعُ بشكل أكبرَ مع صعود وليَّي عهد أبو ظبي والرياض، محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، اللذين يتزعمان اليوم مشروعَ التطبيع المعلَن، من خلال فتح المزيد من الأبواب أمام التوغل الصهيوني داخل دول الخليج اقتصادياً وَعسكريًّا ورياضياً وثقافياً، تحت شعار “الانفتاح” الذي يخفي وراءه خطةً معدةً لقتل القضية الفلسطينية وتدجين المنطقة لصالح تل أبيب.
معهدُ واشنطن، سلّط قبل أيام الضوءَ على جانب مهم من جوانب التطبيع بين دول الخليج والكيان الصهيوني، وكشف في تحليل له عن تفاصيل التعاون الخليجي مع تل أبيب، في مجال أمن المعلومات أَو ما يسمى “الأمن السيبراني” حيث عمدت الأنْظمة الخليجية، وعلى رأسها الإمارات والسعوديّة، إلى شركات “إسرائيلية” متخصصة في هذا المجال، من أجل “الدفاع عن تلك الأنْظمة” حسب تعبير المعهد، ويشمل ذلك “الدفاع” عمليات التجسس المعلوماتي على المعارضين والخصوم، والتي أفضت بدورها إلى تعزيز القمع التي تمارسه تلك الأنْظمة، والذي كان من أبرز مظاهره قتل الصحفي السعوديّ المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا.
وقال المعهد إن التحسن في التعاون المعلوماتي بين دول الخليج والكيان الصهيوني بدأ في تسعينيات القرن الماضي، مُشيراً إلى أنه في تلك الفترة كانت الإمارات تجري مفاوضات لشراء طائرات حربية من الولايات المتحدة، وكانت تلك الطائرات تحتوي على تكنولوجيا “إسرائيلية” ولم تعترض أبو ظبي على ذلك، ونقل المعهد تصريحا لأحد المسؤولين الأمريكيين لصحيفة “نيويوركر” قال فيه إن “الإماراتيين أرادوا كُــلّ ما كان لدى الإسرائيليين”.
وأوضح المعهد، أنه خلال العقد الماضي، حدث تعاون أمني “وثيق” بين الكيان الصهيوني ودول الخليج، مُشيراً إلى أن الإمارات لجأت في عام 2007 إلى شركة “فور دي للحلول الأمنية” وهي شركة “إسرائيلية” مقرُّها في أمريكا، وكان ذلك من أجل “تحديث دفاعات الإمارات حول منشآت الطاقة وإنشاء نظام مراقبة ذكي على مستوى المدينة في أبو ظبي”، وأضاف أن شركة “لوجيك اندستريز” الإسرائيلية أَيْضاً شاركت بخِبرة فنية في هذا المشروع الذي اكتمل وضعه عام 2016، ويشمل شبكةً من الكاميرات وأجهزة الاستشعار ومنصات للذكاء الاصطناعي توفر أنواع البيانات، بدء من التحكم في حركة المرور إلى “المراقبة الحميمية” أي التجسس على الأشخاص.
وذكر المعهد أَيْضاً أنه تم لاحقاً تحقيق تعاون مماثل بين الرياض والكيان الصهيوني، من خلال مشروع المساعدة في إدارة تدفق الحجاج إلى مكة المكرمة، مُضيفاً أن الرياض سعت أَيْضاً إلى مساعدة “إسرائيلية” في هذا المجال، عند تعرض شركة “أرامكو السعوديّة لهجوم معلوماتي ضخم عام 2012، حيث تم اللجوء إلى شركات “إسرائيلية” متخصصة لإصلاح الضرر في عملية “استغرقت شهوراً”.
وأضاف المعهد أنه في عام 2015، لجأت الرياض إلى شركة “إنتو فيو” الإسرائيلية لأغراض تعقب مواقع التواصل الاجتماعي، وبحسب وكالة “بلومبيرغ” فقد وفرت الشركة للنظام السعوديّ برنامجا يمكنه مراجعة 4 ملايين مشاركة على موقعي “تويتر” وَ”فيسبوك”، مُشيراً إلى أن الشركة أنشأت شركة وسيطة في أوروبا من أجل التمويه و”إعطاء السعوديّين القدرة على الإنكار”.
وذكر المعهد أَيْضاً أن البحرين حصلت على نظام مراقبة مماثل من شركة “فيرينت” الإسرائيلية بعد عام 2011، وقد ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية ذلك.
وأوضح المعهد أن التعاون السعوديّ مع شركة “إنتو فيو” الإسرائيلية توسع نطاقه ليشمل “مراقبة الآراء العامة حول العائلة المالكة، وتطور التعاون المعلوماتي مع الكيان الصهيوني إلى جمع معلومات عن المعارضين، مُضيفاً أن شركة “إن إس أَو غروب” الإسرائيلية اشتركت في هذا الموضوع ببرنامجها التجسسي “بيجاسوس” الذي يستطيع اختراق الهواتف الذكية عن بُعْدٍ ومراقبة الرسائل والتحكم في الكاميرات والميكرفونات.
وشمل تلك العمليةُ الإماراتِ أَيْضاً، حيث نقل المعهد عن صحيفة “نيويورك تايمز الأمريكية” أن أبو ظبي بدأت تعاونها مع “إن إس أَو غروب” الإسرائيلية عام 2013، وطلبت منها اعتراض اتصالات من قبل كبار المسؤولين القطريين وأحد الأمراء السعوديّين، ورئيس الوزراء اللبناني، وفي عام 2016، استخدمت الإمارات البرنامج التجسسي الإسرائيلي “بيجاسوس” لاستهداف مواطنها أحمد منصور.
وأضاف المعهد أن موظفين في “منظّـمة العفو الدولية” كانا من بين المستهدفين من عمليات التجسس، أحدهما يسكن في السعوديّة، والآخر معارض سعوديّ في كندا يُدعى “عمر عبد العزيز”.
وأشار إلى أن المعلومات التي حصلت عليها السعوديّة من خلال برنامج التجسس، ساهمت بشكل ملحوظ في عملية قتل الصحافي السعوديّ “جمال خاشقجي”.
ولفت المعهد إلى أن “الأمن السيبراني” أَو أمن المعلومات يمثل أحد قطاع الأعمال الرئيسية في الكيان الصهيوني الذي يجني ما يقارب 4 مليارات دولار من هذا القطاع الذي يشمل “مساعدة حكومات الخليج العربي”.
هذه المعلوماتُ التي أوردها معهد واشنطن، تكشفُ أن التوغلَ الصهيوني داخل دول الخليج وصل إلى حدود بعيدة، وأن مسألةَ “التطبيع” الخليجي مع إسرائيل قائمةٌ بالفعل وبشكل عميق، وأن مسارعةَ دول الخليج إلى إعلان بعض جوانب هذا التطبيع يمثلُ ثمرةً لعلاقات واسعة جداً ومتشابكة وتعود إلى سنوات طويلة من العلاقات، وهو ما يكشف أَيْضاً أن كُــلّ السياسات التي تبنّتها أنْظمةُ الخليج في المنطقة، جاءت من منطلق هذه العلاقات العميقة مع كيان العدوّ، وبالتأكيد كانت متماهيةً بشكل تام مع أهداف تل أبيب.