نحن والمساعدات الإنسانية .. بقلم/ أحمد الحسني
بعيداً عن هاجس المؤامرة في تفسير الأشياء الذي اعتدنا أن نُفرِطَ في استعراض مهاراتنا فيه دون أن نفعلَ شيئاً من مقتضياته وَبدلاً عن سوء الظن الذي قيل لنا إنه من حُسن الفِطَن سنحسنُ الظنَّ بالمساعدات الإنسانية وَمقدّميها وَنعد كُلّ أنشطة المنظمات الأممية في هذا الجانب عملاً نبيلاً، وَنعتبر عدمَ اتخاذ أي إجراء أممي جدي يضعُ حدًّا لهمجية المملكة وَتحالفها في قتل اليمنيين وَحصارهم وَتدمير بلدهم أمراً ينسجمُ مع تقديم الإغاثات لهم لا يثير أدنى ريبة وَلا يستدعي أن نتساءلَ عن مدى إنسانيته، فنحن في مرحلة لا يسعُنا فيها إلّا أن نتعاملَ بإيجابية مع كُلّ ما يدفع غائلة الجوع عن أرملة أَو يمنح الدفءَ ليتيم وَيخفّفُ وطأةَ الحصار الخانق الذي فرضه علينا التحالفُ وَلو كان الذي قدّمه هو الشيطانُ الرجيم شخصياً.
ليس علينا أن نجهدَ أنفسَنا كثيراً بالتحليلات وَالتفسيرات وَالتقصّي المفرط عن مصادر المساعدات وَغاياتها إلّا بالقدر الذي تمليه ضروراتُ الحيطة وَالحذر عسكريًّا وَأمنياً، وَما عدا ذلك فإن سيئاتِ المساعدات الإنسانية مرهونةٌ بنا وَنحن مصدرُ خطرها وَليس مصدر تلك المساعدات وَلا المنظمات التي تتولى تقديمَها، وَأهمُّها خسارةُ شرفنا بالسطو عليها وَالتلاعب بها وَخسارة مستقبلنا بالاتكال عليها وَالركون إليها، فالسطو وَالتلاعبُ بها بصرفها لغير مستحقيها وَبحسب الأولوية هو بالإضافة إلى كونه لصوصيةً وَخيانةَ أمانة لا يرضاها مؤمنٌ على دينه وَلا يقبلها حرٌّ على شرفه هو أَيْضاً تضييعٌ لتلك المساعدات وَعدم الاستفادة منها في تخفيف وطأة الحصار وَالضغط الاقتصادي الذين يعوّل عليهما العدوّ في ضعضعة الجبهة الداخلية وَزعزعة صمودها وَهو أَيْضاً إفسادٌ لصورتنا كفرسان وَأصحاب حق التي باتت تحظَى باحترام وَتعاطف العالم جهراً وَسراً وَالتي كانت سبباً رئيسياً في وصول تلك المساعدات وَستبقى سبباً في استمرار تدفقها، إذ لا يمكنُ للعالم أن يتعاطفَ مع لص كما أننا بالسطو على المساعدات وَالتلاعبِ بها نقدِّمُ للعدوّ ورقةً جيدةً يمكنه استغلالَها وَاستثمارَها ضدنا في المحافل الدولية.. أما خطر المساعدات الثاني وَالأبعد أثراً الذي يمكن أن نتسببَ به فهو الاتكالُ عليها من قبل قطاع واسع من المستفيدين منها في الأرياف وَالتخلي عن أعمالهم أَو الاقتصار من تلك الأعمال على ثمن القات وَالدخان وَهو وضعٌ سيءٌ على مستقبلهم وَالبلاد عموماً حين تنتهي الحربُ وَيتوقف تدفّق المساعدات، وَذلك أمرٌ سيكونُ بدون شك وَلا يمكن أن تستمرَّ الحرب وَالإغاثات إلى ما لا نهاية..
الحقيقةُ التي يجبُ أن ندركَها جيداً هي أن المعونات الإنسانية عرضٌ زائلٌ من أعراض الحرب وَلدينا خياران الأول أن لا نفرِّطَ بشرفنا وَمستقبلنا وَنحاولَ الاستفادةَ منها كما يجبُ في تعزيز صمودنا وإما أن نخسرَ الجميعَ وَنحن فقط من يقرِّرُ وَكُلُّ مسؤول بقدر طاقته وَبحسب موقعه على دعم الخيار السليم وَالتصدي للمسار الفاسد..