الوهّابية السعودية تحلّل ما حرّمت: تفصيل “الدين” على مقاسات آل سعود
المسيرة | ضرار الطيب
منذ صعود ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان إلى رأس هرم السلطة، شهدت المملكةُ السعوديّة موجةَ تناقضات غير مسبوقة في فتاوى مشايخ الوهّابية الذين شكلوا على مدى سنوات طويلة هُويةَ السعوديّة المتطرفة في كُلّ شيء، من خلال فتاوى “التحريم” التي طالت أشياءَ كثيرةً لا تحصى، فأصبحوا فجأةً يفتون لـ “تحليل” كُلّ ما حرّموه سابقاً وبشكل فاضح، وبدون أي عذر أَو تبرير، سوى خدمة توجّهات “بن سلمان” الذي يسعى للحفاظ على مركزه من خلال تبنّي شعارات “الانفتاح”، الأمر الذي كشف أن خدمة رغبة السلطة هي المقصدُ الأساسي لـ “شريعة” الوهّابية السعوديّة.
من آخر تلك الفضائح، كان “إباحة” مفتي السعوديّة، عبد العزيز آل الشيخ، لإقامة حفل غنائي للمطربة الأمريكية ماريا كاري (المعروفة بعدم حبها لارتداء الكثير من الملابس) وأقيم الحفل في منطقة مكة المكرمة قبل أيام.
آل الشيخ كان قد أفتى قبل أعوام، هو وجميع دعاة الوهّابية السعوديّة، بحرمة الغناء، والاستماع له، لكنه ظهر مؤخرا في برنامج تلفزيوني، وسأله أحد المشاركين حول الحفل التي أقامته ماريا كاري في مكة، فأجاب بكيل المدائح لـ “الحكومة الرشيدة” التي سمحت بإقامة الحفل، متجاهلاً تماماً فتاوى التحريم والتفسيق التي أطلقها من قبلُ، ولم يلجأ حتى لاختراع “عُذر شرعي” حتى لو لم يكن مقبولاً، بل اكتفى بمدح “السلطة” ليؤكّدَ أن الفتوى الحقيقية المعمول بها في النهاية هي رغبة البلاط الملكي، إباحةً أَو منعاً.
وجاء ذلك بالتزامن مع فضيحة مماثلة أخرى، إذ سمحت السلطات السعوديّة للفنادق والمقاهي والمطاعم ببيع المواد الكحولية “الخمور” للبالغين، في سابقة تناقض الشرع الإسْــلَامي نفسه الذي تصر المملكة على انتحاله كهوية لها، وكمحاولة للتهرب من الهجوم الإعلامي لجأت السلطات إلى نشر وثيقة مزوره تتضمن قرار السماح ببيع الخمور، فقط لأجل الإعلان عن زيف تلك الوثيقة، بدون التعرض لتوضيح صحة أَو زيف فحواها.
وفي الواقع، إن تتبعَ الانقلابات الكبرى التي طرأت على مواقف دُعاة ومشايخ الوهّابية السعوديّة وسلطاتها الدينية، منذ بروز “بن سلمان” يفضي إلى قائمة طويلة لا يتسع المقام لذكرها، ولعل من أبرزها كان الانقلاب على فتوى “تحريم” قيادة المرأة للسيارة، التي كان جميع مشايخ السعوديّة مجمعين عليها، ثم بَطُلَ مفعولها بتوجيه “سياسي” واحد من ولي العهد الذي أراد أن يروّجَ لنفسه بقرار السماح للمرأة السعوديّة بالقيادة، قبل أن يعتقل أبرز الناشطات اللواتي طالبن بذلك على مدى سنوات.
ويمكن إرجاعُ هذا الاستخدام الوقح للفتوى و”الشريعة” في خدمة رغبة السلطة السعوديّة، إلى أصل نشأة الوهّابية نفسها، وقد اعترف بن سلمان، خلال مقابلة شهيرة مع مجلة ذي انتلانتك الأمريكية، أن بلاده أسّست الوهّابية بطلب من “حلفائها” الأمريكان لمحاربة “الاتّحاد السوفييتي”، الأمر الذي يوضح أن السعوديّة لها باعٌ طويل في تفصيل “الدين” على مقاسات السياسة.
ولا يغيب هذا عن موسم التطبيع الخليجي، والسعوديّ بالذات، مع الكيان الصهيوني، والذي برزت مظاهرُه بشكل أوسع مع صعود بن سلمان، إذ بات الإعلامُ السعوديّ والسلطات السعوديّة اليوم أكثرَ صراحةً في إعلان التودّد إلى “إسرائيل” وطبعا تحت مرأى ومسمع من دعاة الوهّابية الذين ظلوا لسنوات طويلة يتشدقون بـ”فلسطين” و”الأقصى”، وباتوا اليوم متماهين بشكل تام مع التوجّه السياسي للبلاط في التقارب مع العدو الصهيوني، وبالتأكيد لن يدخروا أي جهد في “إباحة” و”شرعنة” التطبيع علناً بمجرد أن يطلب منهم ولي العهد ذلك.