ليس بالأبراج وحدها يحيا الإنـسان يا قداسة البابا! .. بقلم د/ أحمد الصعدي
تحتَ يافطةِ ((الأخوّة الإنْسَانية)) أقام دكتاتورُ أبو ظبي فاعليةَ علاقات عامة كبرى حضرها المئاتُ من زعامات اللاهوت والسياسة في العالم؛ لتحسين صورته التي بلغت منتهى البشاعة والقُبح، اللذين كشفهما ما ظهر حتى الآن من نَهَمِه للدم اليمني، لا سيما دم النساء والأطفال والعجزة، وللأرض والموارد الطبيعية لهذا الشعب المفقر، وانتهاكاته الفاضحة لكل ما تعنيه الكرامة الإنْسَانية في السجون السرية التي أقامها على الأراضي اليمنية.
كان على رأس الحاضرين مهرجانَ الفُرجة ((الأخويّة)) قداسةُ البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان. وفي حين لم يكن مستغرباً حضورُ شيخ الأزهر، وهو صورةٌ أنموذجية لوعّاظ السلاطين، ويعد نفسَه محارباً في الصفوف الأمامية لتحالف العدوان على اليمن، لا يختلفُ عن الجنرالات المرابطين في غرف العمليات، الذين يصدرون أوامرَ قصف بيوت اليمنيين ومدارسهم وأسواقهم ومنشآتهم الخَاصَّـة والعامة، فإن حضورَ البابا لم يكن متسقاً أبداً مع مواقف الحضرة الباباوية التي وقفت ضد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ولم توافق على الهجوم الفرنسي – الأطلسي على ليبيا عام 2011، ودعت وصَلّت للسلام في سوريا وفي اليمن.
يدرك قاتلُ أطفال اليمن وعصابتُه في أبوظبي معنى أن يحضُرَ بابا الفاتيكان إلى دولة الإمارات؛ لهذا جرى استغلالُ هذه الزيارة البابوية إعلامياً إلى أقصى ما يمكن بلوغه، وحاول إعلامُ الإمارات تصويرَ هذه الزيارة بكونها مباركةً للسجل الإجرامي لولي عهد أبوظبي في اليمن وليبيا وسوريا، وفي كُـلّ مكان تطالُه أياديه الآثمة بما في ذلك جهودُه المتفانية في مساعدة الكيان الصهيوني على تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية. قد تكون فخامةُ وبذخُ استقبال ضيوف الفرجة ((الإنْسَانية)) وسطوعُ الأضواء غطّت على يد المجرم بألوان الذهب والمال التي تسلُبُ الألباب فلم تستطعِ الأعينُ المنبهرةُ رؤيةَ دماء الضحايا، ولم تلحظ ما أدركه بصيرُنا وأبصرُنا الراحلُ عبدالله البردوني:
((لأن قتلَ (النفط) ذو فنون يردي هنا، وها هنا يصلي
هنا يحني لحيةً ويدعو هناك يرمي جلدَه المحلي)).
جاء في الكتاب المقدّس أن بيلاطس الحاكم الروماني على فلسطين سأل السيدَ المسيح عليه السلامُ أثناء التحقيق معه فيما يدعو إليه: أمَلِكٌ أنت؟ فرد السيد المسيح: إن ما من أجله ولدت هو أن أكونَ شاهداً على الحقيقة. لكن بيلاطس رد بسؤال ثانٍ: ما الحقيقة إذاً؟، وغادر من غير أن ينتظُرَ ردَّ السيد المسيح؛ لأَنَّ غرورَ المتسلط يجعله يرى حقيقة نفسه.
واليوم يحشُدُ بيلاطس أبو ظبي الزعاماتِ الدينية وفي مقدمتهم البابا لا ليسألهم أملوكٌ أنتم أَو ما الحقيقة، بل ليشهدوا على الحقيقة التي اصطنعها لنفسه مجسدةً بالأبراج العالية وكبريات الملاهي والأسواق، محاولاً إخفاءَ حقيقة نظامه البوليسي الذي زرع الخوفَ في نفوس مواطنيه وجنّد نفسَه رأسَ حربة في المشاريع الصهيونية التي تتمدد في كُـلّ مكان يرنو إليه العقل الاستراتيجي في تل أبيب.
قال السيد المسيح ليس بالخبز وحده يحيا الإنْسَان، لكن حاكم أبو ظبي الذي زار الفاتيكان عام 2016، واستضاف البابا هذه الأَيَّـام ويسعى لإظهار نفسه مسيحاً ينشُرُ دفءَ وظِلالَ المحبة الإنْسَانية ليشملا الكونَ كلَّه لا يألو جُهداً ولا وسيلةً لمنع الخبزَ والدواءَ عن أطفال اليمن، ويدفعُ كلابَه الضالة في الساحل الغربي لتعطيل أية تفاهمات تؤدّي إلى إبقاء ميناء الحديدة مفتوحاً لإيصال الغذاء والدواء لملايين اليمنيين المحاصرين.
يقتضي الصدقُ منّا الاعترافَ بأن بابا الفاتيكان لم يصمُتْ عن مأساة اليمن التي أوجدها العدوان، ونأملُ أن يرتفعَ صوتُه أَكْثَـرَ في الدفاع عن الشعب اليمني المعتدَى عليه وأن يُسمِعَ محمد زايد وشركاءَه أن ليس بالأبراج وحدَها يحيا الإنْسَان وإنما بالكرامة، وهي القيمةُ العليا التي يرويها اليمنيون بدمائهم كُـلَّ يوم.