ما بين صنعاء وكاراكاس.. فضيحة واشنطن .. بقلم/ يوسف نشوان
عندما نتحدَّثُ عن استراتيجية ازدواج المعايير وسياسة الكَيل بمكيالين فنحن نتحدثُ عن الولايات المتحدة، حَيْــثُ أنَّ ازدواجيةَ المعايير ملمحٌ ثابتٌ من ملامح السياسَة الأمريكية الداخلية والخارجية على السواء، فواشنطن ترفع شعاراتِ الديمقراطية والحرية، لكنها في الممارسة الفعلية تتناقض تماماً مع تلك الشعارات، وهي بالنسبة لها عبارة عن “شعارات” تستخدمُها للسيطرة على الدول؛ بهدفِ إخضاعها وتأكيد أُحادية قطبيتها في العالم.
في اليمن جمعت أمريكا ممالكَ النفط ودول الارتزاق في تحالف ضم أكثرَ من 15 دولةً، وشنت عليه حربًا خلّفت ما يقارب أربعين ألف شهيد، حسب الإحصائيات الحكومية، وشرّدت مئات الآلاف من النساء والأطفال، ودفعت حوالي ثلاثة ملايين إنسان للنزوح خارج منازلهم، ودمّرت المساكن والمدارس والمستشفيات والمساجد والمصانع، واستهدفت الطرق والجسور وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، وحاصرت كُلَّ المنافذ والمطارات، وقضت على كُلّ مقومات الحياة في هذا البلد حتى بات ما يقارب 22 مليوناً من السكان يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة، وتفشّت المجاعة إلى أن وصل الوضعُ إلى موت طفل يمني كُلّ عشر دقائق حسب، ما أوردت المنظمة الأممية “اليونسيف”، كُلّ ذلك كما تدّعي من أجل إعَادَة رئيس فاز في انتخابات كان المرشح الوحيد فيها والتي لو انتخبه حتى شخص واحد لكان الفائز، عدا عن ذلك أنَّه أصبح فارًّا خارج بلاده وانتهت ولايته وقد قدم استقالته.
بينما في كراكاس وعلى الضد من ذلك تحشد أمريكا دول ليما، ودول البريكس ودول الشرق والغرب، وتهدد باستخدام القوة لإسقاط نظام ورئيس انتخبته نسبة كبيرة من أَبْنَاء الشعب الفنزويلي في ظل منافسة من قبل معارضيه، وتشرّع لنفسها ما تحرّمه على غيرها؛ لتعتديَ على بلد مستقلّ وذي سيادة، في مناقضة صريحة لما تدعيه وتمارسُه ضد بعض البلدان وانتهاك صارخ لكل قوانين وأعراف المجتمع الدولي.
وعلى العكس ممّا تمارسُه بحق فنزويلا على الضفة الأخرى، وفي ظل استمرارها في سياستها النفاقية وغير المتوازنة تجدُها في منطقتنا العربية تدعمُ أنظمةً وممالك دكتاتورية مستبدة لا تعرف الحريةَ أو الديمقراطية أو الانتخابات حتى لرئيس فصل في المدرسة فما بالك برئيس دولة أو ملك مملكة، لكن أينما توجد المصالح الأمريكية وتتطابق الديمقراطية مع المصالح الاستراتيجية وَالاقتصادية للولايات المتحدة، فإنّها تفضلها وتقف إلى جانبها، وحين تدخل في صدام مع مصالحها، فإنّ قيمتها تقل وتهمل ولا تكترث بها.
كُلُّ ذلك فضح ويفضحُ أمريكا ويكشف وجهَها القبيحَ كما يتكشفُ يومًا بعدَ آخر، وكشف كذلك ديمقراطيتها الزائفة وحقيقة وقوفها إلى جانب إرادة الشعوب ومناصرتها حقوق الإنسان وحق التعبير، كما فضح معها كُلّ القوى الدولية من دول غربية ومجلس أمن وأمم متحدة، والتي تدّعي دعمَها لديمقراطية الشعوب واحترامها سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.
إن شعوبَ العالم وخصوصًا شعوبنا العربية مدعوة اليوم أن توقنَ بأنَّ أمريكا ليست واحةَ الديمقراطية ولا الناطقة باسمها فهي عدوة الشعوب مثيرة الحروب، ومن الحماقة بعد هذا الرصيد الهائل من الإجرام والانحطاط أن تنخدع بها وبمشروعها الاستعماري، وأنَّ تعلم بأنَّه إذَا كان ثمة قِيَمٌ أو مشروع تدعو له أمريكا فلن يكون سوى الإذلال والخضوع والطاعة العمياء، وفي أربعينية ثورة التحرر لشعب إيران من التبعية والوصاية الأمريكية نتّذكر جواب الإمام الخميني البليغ حينما سُئِل حول إمكانية إقامة علاقة مع أمريكا فقال: “ليس من الشرف والكرامة أن تكون لنا علاقاتٌ مع أمثال أمريكا، فالحكومة الأميركية عديمةُ الكرامة وَالإنسانية، ولأجل ذلك لا نتطلعُ إلى إقامة علاقة معها”، إنها الحقيقة التي لا غبار عليها والتي لا ينكرها سوى الأبقار الهائمة في الحضيرة الأمريكية.