برنامج رجال الله: (ملزمة معرفة الله نعم الله الدرس الخامس)
المسيرة/ بشرى المحطوري
تناوَلَ الشهيدُ القائدُ شرحَ قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، بقوله: [هذه الأموال التي تحرثونها، هذه الأموال التي تجنون منها مختلف الثمار، فتحصلون من ورائها على أموال كثيرة، هذه الأرض التي تحرثونها، وهذا الزرع الذي ينبت بعد حرثكم {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، (الواقعة:64) ما هذا سؤال؟ نقول لك: تذكر النعم العظيمة عليك، تذكر، إذَا أنت لم تتذكر فسنذكرك نحن، فيأتي على هذا النحو من الاستفهام {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، كيف سيكون جواب كُلّ واحد منا؟ الله هو الزارع].. هذا من جهة..
من جهة أخرى، لفت رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ نظرنا إلى أشياءَ كثيرةٍ نستخدمُها للزراعة ولا تنجح الزراعة إلا بها هي أَيْضاً من نعم الله جل شأنه، فقال: [الزراعة تشمل مختلف الأصناف التي بين أيدي الناس سواء زراعة الزرع، زراعة القات، زراعة البن، زراعة الفواكه، زراعة الحبوب، تسمى كلها زراعة، بعد أن تعترف أنت بأن الله هو الزارع، الله هو الذي خلق هذه الأرض التي تحرثها، هو الذي خلق لك هذه الآلة التي تحرث عليها، أَو هذا الحيوان الذي تحرث عليه، هو الذي خلق لك تلك الأيدي التي تقبض بها المحراث، أَو تقبض بها عجلة القيادة في الحرَّاثة. والأعين التي تبصر بها.. أليست من الله؟.. هل يستطيع الأعمى أن يحرث؟ لا يستطيع]..
مضيفاً أَيْضاً بأنه هو سبحانه من خلق التربة، بمختلف أنواعها، وأن الله هو الذي يفلق الحبة في الأرض لكي تُنبت، ودور الإنسان مقتصر على رمي البذور في الأرض فقط، وكل شيء هو من الله..
متسائلاً رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ سؤالاً مهمّاً ومحورياً، حَيْـثُ قال: [فما هو الموقف الصحيح بالنسبة لي منه تعالى أمام ما أعطاني، ما هو الموقف الصحيح؟ هل أرضى لنفسي أن أكون ممن قال الله عنهم:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}؟].
موقفُ الإنسان من هذه النعمة:ــ
وأكّــدَ رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ بأنه لا يخلو الأمر من إجابتين على سؤاله سبحانه: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}:ــ
ــ الإجابة الأولى:ـ أن يعرض الإنسان عن الله، ويدبر عنه، ويصم آذانه عن الله، وهنا يكون الإنسان ظلوماً كفاراً، مستحقاً لغضب الله عليه..
ــ الإجابة الثانية: أن يقول الإنسان: أنت يا ألله الزارع والمنعم وَالمتفضل وبالتالي كما قال الشهيد القائد: [أيُّ الموقفين هو الأليق بالإنسان من هذين؟ أليس هو الموقف الثاني؟؛ لأَنَّنا إذَا وقفنا الموقف الأول، موقف الظلوم الكفار، بعد أن كنا قد شهدنا على أنفسنا وأقرّيّنا في إجابتنا على هذا التساؤل الإلهي، فقلنا: بل أنت يا الله، أنت الزارع، أليست هذه جريمة كبيرة؟ أعترف وأشهد وأقر بأنك أنت الزارع، ثم أتعامل معك معاملة الظلوم الكفار؟. أليست هذه جريمة كبيرة؟ جريمة كبيرة فعلاً].
القُــرْآن يبين مدى عجز الإنسان:ــ
وفي ذات السياق استمر رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ في شرح الآية، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}، مبيناً مدى عجز الإنسان أمام قدرة الله سبحانه، وأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً: [تتعجبون من سوء حاله، كيف أصبحت مزرعتي بعد أن كانت خضراء ومنظرها جميلاً، أصبحت هكذا منظراً موحشاً، أصبحت حطاماً!. هل كُلّ واحد منا يعترف بأن الله يستطيع فعل هذا؟ إذاً هذا إقرار آخر، إذاً فهو الذي رعى هذه الشجرة حتى استطعت أن تحصل منها على هذا المحصول الكبير، هو الذي رعى هذه الأشجار حتى جنيت أنت ثمارها. أم تظن أنه الغاز والبودرة وهذه الكيماويات هي نفسها التي أعطته الرعاية؟. هي أيضاً مما خلقه الله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت تذكَّر أنه {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}.
ثانياً:ــ نعمة المياه، أمطار وأنهار وعيون:ــ
عاد رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ مجدّداً إلى بداية الموضوع، وهو شرح أسلوب (الإشهاد وَالإقرار) الذي استخدمه القُــرْآن الكريم ليرد به على من يقول بأن الأموال التي يملكها الإنسان إنما حصل عليها بشطارته وذكائه، متناولاً بالشرح الآية الآتية: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}، فقال: [سيكون الجواب: أنت يا الله الذي تنـزله من المزن، من السحاب {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}، مالحاً فلا يصلح للشرب ولا يصلح لسقي الأرض، هل بإمكانك أن تسقي نباتات من البحر؟. لا يصلح. أليس ماء البحر كثير جداً؟ لكن لا يصلح لا للشرب ولا لزراعة الأشجار، ولا لسقي المزارع بل ولا يصلح أحياناً استخدامه مع بعض أدوات التنظيف، أحياناً لا يصلح استخدامه مع بعض أنواع الصابون، لا يقبل. ألسنا مؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يجعله أجاجاً: مالحاً شديد الملوحة؟ يستطيع حتى ولو أبقاه كثيراً في متناولنا، لكن يستطيع أن يحوله إلى مالح، أَو يغوِّره في أعماق الأرض {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}].