الدريهمي.. المدينة المنسية
المسيرة: تقرير يحيى قاسم المدار
زُرْنا مدينةَ الدريهمي في محافظة الحديدة قبل العدوان عليها، وجدنا فيها الحياةَ، الحركةَ، الجمالَ التهامي الأخّاذ، في مدينة الدريهمي كُــلُّ شيء يستوقفك: ناسُها، مزارعُها، شاطئها، سوقها الكبير، كُــلّ شيء.
الجميعُ مشغولون بـ (طلبة الله)؛ وباعتبارها ثانيَ مديرية في الحديدة من حَيْــثُ السكان والمساحة، حَيْــثُ تقدّرُ مساحتُها بحوالي خمسة عشر كيلو على البحر الأحمر بشاطئها الأبيض الجميل.. ويبلغ عدد سكانها أكثرَ مائة ألف كما يسكُنُ في مركَزها حوالي عشرة آلاف شخص.. يعتمدُ السكانُ فيها على الحياكة والزراعة والصيد، فالدريهمي منطقة الفل العباسي المشهور في منطقة المغرس وغيره، وهي ثاني مديرية لزراعة النخيل والتمور ذات الجودة العالية بعد مديرية التحيتا التي فيها ما يقارب المليون ومائتي ألف نخلة، وتعتبر الدريهمي الحصنَ الحصينَ للمدينة من الجنوب ولها تأريخ عظيمٌ ومشرّف في تصديها للغزاة الذين حاول اقتحامها ولم يفلحوا.
عاشت هذه المدينة زخمَ عطائها لعشرات السنوات رغم ما اعتراها من ظروف اقتصادية مثلُها مثلُ بقية اليمن في الإهمال والنسيان من كُــلّ المشاريع الحيوية كالكهرباء والمياه والطريق المسفلتة؛ بسببِ الحكومات المتعاقبة على اليمن، رغم مواردها الكبيرة إلا أنها تفتقر إلى أبسط المشاريع الحيوية مثلها مثل بقية المناطق التهامية التي سطا على أراضيها العتاولةُ وأربابُ الفساد؛ طمعاً في أراضيها الخصبة وموقعها الكبير على شاطئ البحر الأحمر..
وبرغم معاناة أبناء الدريهمي إلا أنهم يعيشون حياةً طبيعية استطاعوا معها مقاومةَ شَظَفِ العيش وكدورة الحياة كبقية اليمنيين المحرومين من الحياة الرغدة، أَلِفُوها مع مرور الزمن بعزة وكرامة، وهنا تكمُنُ طبيعةُ التهامي الذي يجوعُ ولن يركعَ للطغاة والمستكبرين.
الدريهمي وحصارُ العدوان:
على مدى أكثرَ من ثلاثة أعوام من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن لم تكن مديرية الدريهمي بمنأىً عن أجواء العدوان الذي سلمت منه من الغارات المباشرة في السنتين الأُوْليين للعدوان، إلا أن لظى نيران المعتدين قد مسها حرقاً وتعذيباً، وأصابها جوعاً وحصاراً وإنْ لم يكن مباشراً، مس الحياة وصعّبها أكثرَ وأهلك الحرثَ والنسل وقضى على أشجارها في مزارعها بحصاره الظالم..
الحصارُ الذي تفرضه قوى الغدر والعدوان على اليمن كاملاً أضرّ بأبناء الدريهمي ومنعهم من لقمة العيش، حتى من ساحلهم الكبير الذي كان مصدرَ عيش الكثير منهم ومصدرَهم الوحيد بعد أن جفت مزارعهم؛ بسببِ نقصِ المياه النظيفة لسقي مزارعهم..
استطاع العدوانُ بحصاره الإجرامي منْعَ أبناء الدريهمي من الاصطياد في ساحلهم وقتل من أبناء المديرية العشرات بالغارات وسط البحر وبالقرب من الساحل إذا أذنوا لأنفسهم بتجاوز ما رسمته تلك القوى الإجرامية في أماكن الاصطياد، نعم قتل العدوانُ الكثيرَ من أبناء الدريهمي في عرض البحر الأحمر، وشرّد آخرين في الصحاري والوديان اليمنية ولاحقت الكثيرَ منهم الغاراتُ الإجرامية وقُتل الكثير من النساء والأطفال دون سابق إنذار انتقاما من التهاميين الذي رفضوا الغزاة والمحتلين ومرتزِقتهم وعملاءَهم.
الدريهمي ومآسي العدوان:
لدى أبناء الدريهمي الكثيرُ من القصص المأساوية مع قوى الاحتلال الغازية للأرض الناهبة للخيرات المشؤومة بالشر والإجرام، رغم أن أبناء المديرية بطيبتهم وسلامة أنفسهم ومسالمتهم المعروفة فهم لم يتعرضوا لتلك القوى العدوانية بأي أذى ولم يباشروهم بأي شر، إلا أنهم من أكثر اليمنيين الذين تعرضوا للقتل والتدمير لمديريتهم الآمنة.
عشراتُ المجازر والجرائم ارتكبتها قوى الغزو والاحتلال وعملاؤهم ومرتزِقتهم بحق أبناء مديرية الدريهمي، حتى مَن حاول النجاةَ منهم قُتل في الطريق، فقد رصدت بعد المنظمات الحقوقية المحلية عشراتِ المجازر بحق المواطنين في تلك المديرية التي غابت عن الأنظار؛ بسببِ الغارات المتواصلة، فيما تؤكدُ مصادرُ عسكريةٌ أن أكثرَ من عشرين ألفَ غارة صبتها قوى العدوان على مديرية الدريهمي خلال زحوفاتها المتكرّرة عليها من مختلف الجهات.
22 طفلاً وعددٌ من النساء ضحيةُ جريمة واحدة:
وأحدُ تلك المجازر التي ارتكبتها طائراتُ العدوان قضت على أكثرَ من واحد وثلاثين شخصاً، بينهم اثنان وعشرون طفلاً وعددٌ من النساء كلهم من أسرة واحدة في منطقة الكوعي أثناء نزوحهم من مدينة الدريهمي المحاصرة، ناهيك عن غيرها من الجرائم اليومية التي ترتكبها تلك القوى الإجرامية بحق الدريهميين.
وتستخدمُ قوى العدوان ومرتزِقتها مختلفَ أنواع الأسلحة بدءاً بغارات الطيران والبوارج الحربية والطيران التجسسي وكذلك قذائف الدبابات والهاونات والقناصات وغيرها، وأظهرت لقطاتُ الإعلام الحربي من خلال الطيران الاستطلاعي التابع للجيش واللجان الشعبية أماكنَ مختلفةً في أطراف المديرية تُرابِطُ فيها الدبابات والمدافع العملاقة التي تقصف مديرية الدريهمي على مدار الساعة.
جرائمُ وحصارٌ مطبق يدخل شهرَه التاسع توالياً وأحرارُ الدريهمي ينتظرون مولد النصر:
لأكثرَ من ثمانية أشهر تحاصِرُ قوى الغزو والاحتلال الدريهمي من جميع الجهات، الجميعُ فيها فقد الأملَ في البقاء على قيد الحياة بعد أن رأى بأُمِّ عينَيه مَن يُقتلون من إخوانه وهم يخرجون، ففضّل البقاء فيها حتى وإنْ كان لا أكل ولا شرب نظيف ولا حياة في مدينة الدريهمي إلا أنهم صامدون ثابتون راضون بالعيش بكرامة وعزة مدافعون عن ما تبقى من منازلهم وأرضهم رغم الغارات والقذائف والقنص اليومي بل القتل اليومي.
زحوفاتٌ بالساعة على صمود الدريهمي التي تواجه الغزاة بكل ضراوة وشراسة تهامية، كسرٌ لتسللات المعتدين رغم فارق السلاح والعتاد والعدد من المرتزِقة إلا أنها تتلاشى أمام المقاتلين الثابتين في المدينة الصغيرة، ولذا يلجأ العدوُّ إلى رمي المدينة بالقذائف المختلفة مسببةً عشراتِ الشهداء والجرحى من أبناء المدينة، ولا أخفيكم أن غالبيةَ الجرحى يتوفون؛ بسببِ النقص الكثير المكثف، والشح في الأدوية والعلاجات الإسعافية..
مقابرُ جماعية ومآسٍ تحت وابل قذائف مرتزِقة العدوان:
تتساقَطُ القذائفُ على مدينة الدريهمي من مختلف الجهات التي تتواجد فيها قوى الغزو والارتزاق وفي كُــلّ يوم لأبناء الدريهمي مأساةٌ مع فقد قريب أو صديق، سقطت في ذات يوم قذيفة على منزل المواطن عمر يماني من أبناء الدريهمي، بينما كان هو وبنته وولده الآخرين في مكان آخر من المدينة.
في بيت عمر يماني، زوجتُه وبنته الصغيرة وأخته كانوا يعدون طعامَ وجبة الغداء قبل أن تقضيَ عليهم قذيفةٌ غادرة لمرتزِقة العدوان حوّلت كُــلّ من في البيت إلى أشلاء متناثرة، يعودُ الأب وولداه وهم في ذهول أمام البيت المقصوف يقف الكثير من الناس الكل يبكي وينوحُ على فقد أسرة مستضعفة قتلتها قذائف العدوان بأيدي مرتزِقة هم أخبثُ من أنجبت هذه الأرض، حَيْــثُ لا أخلاق ولا قيم تردعهم عن فعل تلك المنكرات، وهناك غيرها من الجرائم التي ترتكبها تلك القطعان المشردة بحق أبناء الدريهمي..
في المدينة أكثرُ من مقبرة جماعية لمن يقتلون بفعل القذائف، مئات المناشدات والصرخات يطلق أبناء الدريهمي ولكن لا مجيب، كُــلّ يوم ينقص منهم أفراد وبعضهم يموتون من قلة الأكل والشراب، يتحدث الأهالي بعدد من الإصابات المرضية منها الفشل الكلوي وفيروسات الكبد والأمراض الخطيرة التي تفتك بمن تبقى؛ بسببِ الأسلحة التي ترمى عليهم، كُــلّ من أصيب بها في تلك المدينة توفي على الفور وليس لدى الجميع حيلة لإنقاذه..
أصيب أحدُ أبناء الدريهمي في قدمه بين مزرعته أسعف إلى مكان قريب في المدينة حاول المسعفون إجراء اللازم لكن دون فائدة، ذلك الرجل توفي على الفور؛ بسببِ النزيف ولعدم الإمكانات اللازمة لإنقاذ حياته رغم أن الإصابة في القدم، تلقى والده الأمر بحمد الله وشكره، فما حيلة المستضعفين إلا الدعاء والالتجاء إلى الله بالانتقام لولده وغيره ممن يقتلون دون وجه حق..
إجرامٌ يحوّل الدريهمي إلى ركامٍ والمعالم الأثرية يمحوها العدوان:
الكثيرُ من منازل الدريهميين قد تم إحراقها عندما حاولت تلك القطعان المتوحشة اقتحام مدينة الدريهمي بعد معاركَ ضاريةٍ مع أبناء الدريهمي، اقتحم المعتدون المدينة وأحرقوا منازل المواطنين وعبثوا بكل الممتلكات، كما لم ينسوا كتابةَ عبارات التوحش والإجرام على جدران المنازل بمشروعهم الذي يبشّرون به أبناء اليمن في الفتك والإبادة للبشر والشجر والحجر، فعلوا ذلك في الدريهمي قبل أن يرغموا على مغادرتها صاغِرين مدحورين، لكن بصمتهم الإجرامية واضحة في كُــلّ بيت اقتحموه دون خوف من الله أو من الناس..
تم تسويةُ أكثرَ من 70 % من منازل المواطنين في الدريهمي وإبادة جميع الممتلكات، كما لا ننسى أن ننوّه أن في مديرية الدريهمي سبعةَ مساجد أثرية صوفية شافعية تم تدميرها بفعل الغارات المكثّفة، كذلك المركزان الصحيان بكل ما يحويانه من أدوات وعلاجات تم تدميرهما كلياً، تم تدميرُ شبكات الاتصالات المحلية كاملة، وكذلك خزانات المياه النظيفة في مركز المديرية..
وأمام ذلك المشهد المهول والكارثة الإنسانية التي يفتعلها المعتدون بحق أبناء الدريهمي التي هي صورة مصغّرة لما يرتكبه تحالف الشر والعدوان بحق اليمنيين قتلاً وحصاراً لا يسعُنا إلا أن ندعوَ الشرفاءَ والأحرارَ من أبناء هذا الوطن إلى سرعة التحشيد إلى الساحل الغربي لإنقاذ من تبقى من الدريهمي وأبناء الحديدة عموما الذين يمارس بحقهم كُــلّ صنوف العذاب من قوى خارجة عن النظام والقانون تعيش على الدماء والأشلاء وتنشر الفساد في الأرض دون خوف أو رهبة، تغطي تلك الجرائم والمجازر دراهم الإمارات وريالات السعودي التي ألجمت بها كُــلّ أفواه العالم الذي يقفُ إلى جوار الظالم ويشاركه في ظُلمه على أبناء الشعب اليمني، وقريباً سيثبت اليمنيون بأنهم رجالُ المهمات الصعبة في كُــلِّ شدة وستثبت أرضُهم بأنها كما قالوا عنها من قبل اليمن مقبرةُ الغُزاة..