أولو العزم .. بقلم/ إسماعيل المتوكل
لعلَّ من أبرز العوامل التي ساعدت على نجاح ثورة الإمام الخميني رضوان الله عليه وَمثّلت الضمانةَ الأساسيةَ لحمايتها من ثورات مضادة ومؤامرات مختلفة وحافظت على مكتسباتها لأربعة عقود مضت، هو عاملُ التربية المبني على الإيمان بالله والوثوق به مع توفر العزيمة والإرادة بدأ من القيادة وانتهاءً بالمواطن فالتربية الإيمانية السليمة هي القاعدة الأساسية لبناء الإنسان إيمانياً وتوعوياً وتحصينه من الثقافات الدخيلة ووسائل الضلال.
فما كان لثورة المستضعفين هذه يمكن لها أن تقف في وجه الطغيان إلا عندما تسلحت بسلاح الإيمان المستمد من هدي الله سُبْحَانَهُ وتعالى، وهذا السلاح هو الذي يشدّد عليه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ويحث على اكتسابه والتمسك به قبل حمل السلاح الحربي فالغاية العظمى للتربية هي أن ينعم الإنسانُ بالاستقلالية ورفض العبودية لغير الله ويعرف دوره في هذه الحياة، فكانت هذه الثورة الإيرانية عبارة عن النواة الأم التي أعقبها ثورة بناء وعمل في المجالات العلمية والصناعية وبالتالي استطاعت أن تشق طريقها بكل جدارة واقتدار واقتحمت مضمار الثورات العلمية في مختلف المجالات وأن تبني نفسَها البناء الأسمى دولة النظام والقانون مع الاستيعاب الرحب للتعددية السياسيّة واستحقت أن يطلق عليها أنجح ثورة على مدى قرون من الزمن؛ لأَنَّها صنعت الإنسان أولاً باعتباره العنصرَ الرئيسَ لنهضة البلدان ومَصْدَرَ التنمية والبناء، وثانياً أنها قامت في ظروف صعبة وعواصف محور الشر تتقاذف المنطقة من كُــلّ جانبٍ، بالإضافة إلى استمرار حياكة المؤامرات ضدها بمختلف الوسائل والتي كان من أبرزِها أن دفعت بنظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لشن حرب ظالمة بالوكالة مصحوبةً بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق استمرت ثمان سنوات أهلكت الحرث والنسل وخرج الطرفان منها منهكَ القوى، ورغم ذلك كله بقيت ثابتةً وقوية، أضف إلى ذلك أنه في الوقت الذي كانت الأنظمة العربية تتآمر على القضية الفلسطينية كانت إيران تمدها بالمال والسلاح وتحافظ على ثباتها، وفي الوقت الذي كان العرب يمدون الجماعاتِ التكفيرية في العراق بالمال والسلاح كانت إيران الشيعية تضمّد جراح أطفال العراق، لكن تلك المؤامرات لم تفت من عضدها ولم تهن من عزيمتها بل مضت في مشوار البناء والتنمية بكل اقتدار وسجلت تصاعداً قياسياً في نهضتها العلمية والصناعية والزراعية والملاحة وبناء السفن وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي والتصدير التجاري والقضاء على الأزمات الاقتصادية واستطاعت أن توظف الموارد البشرية والمالية والطبيعية إلى أقصى طاقة ممكنة، فضلاً عن أنها قضت على الأمية بنسبة 100%.
السيد حسن نصرالله أشار في خطابه الأخير الذي ألقاه في الضاحية الجنوبية لبيروت بمناسبة ذكرى مرور أربعين عَــاماً على قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، إلى الإنجازات التي تفوق الخيال في استعراض مقتضب وما حقّقته من قفزات نوعية وثورة صناعية وعلمية، ومن أهمها الصناعات العسكريّة ذات التقنية العالية براً وبحراً وجواً، والتي حقّقت اكتفاءً ذاتياً بنسبة 85 % إلى جانب صناعة صواريخ غزو الفضاء، وبالتالي تمكّنت من فرض وجودها بقُــوَّة في المنطقة بعزيمة قوية وإرادة صلبة كأعظم دولة لها ثقلُها في المجتمع الدولي، إذ باتت تهابُها دولُ الاستكبار العالمي وتحسب لها ألفَ حساب متحاشية الدخول معها في أية مواجهة عسكريّة، فهؤلاء هم بحق أولوا العزم الذين صدقوا مع الله ومع شعوبهم، وعلى قدْر أهل العزم تأتي العزائم.
هيّا تفضلوا سمو الأمير وجلالة الملك وصاحب الفخامة في وطننا العربي، أرونا ما الذي حقّقتموه لشعوبكم؟
هذه جمهورية إيران الإسلامية (الشيعية) ها هي دولة ذات سيادة واستقلالية ودولة نظام وقانون حقّقت كُــلّ هذا النجاح الهائل رغم المؤامرات الداخلية وحملات التشويه لصورتها والعقوبات الدولية المفروضة عليها وأصبحت تتبوأ مصاف الدول العظمى.
السيد حسن نصر الله بكل مصداقية أراد من خلال ذلك الاستعراض كشف الحقيقة المرة للشعوب العربية عن واقع المنطقة واما واقع حكامها فأدهى وأمرُّ، فمستوى الارتماء في أحضان الأمريكي والإسرائيلي فإنهم قد بلغوا المرتبة الأولى مكبلين بقيود واتّفاقيات لا تجيز لهم حتى تحقيق أدنى تنمية تذكر ولا بعد أربعة قرون سوى رفع شعارات وعناْوين فضفاضة سَرعانَ ما تتبخر لتستبدل بعبارات أخرى أكثر جمالاً وجاذبية وإلى أن يقضيَ الله أمراً كان مفعولاً.
وما على شعبنا اليمني العزيز إلّا التمسك بالتربية القرآنية والمزيد من الصبر والثبات ومواصلة التصدي لهذا العدوان السعوديّ الأمريكي، فالنصر حليف اليمنيين الشرفاء، ولا غرابة إذَا شنت عليه هذه الحرب الظالمة فلأنه نهج مسيرتَه القرآنية المسلك السوي الذي لا يروق لأية طاغية في هذا الكوكب.
والعاقبة للمتقين..