عن أي ناتو عربي يتحدثون؟.. صدّقوا أو لا تصدّقوا .. بقلم الدكتور/ حسن مرهج
من الممكن أننا سنسمع قريباً بنواة وحدة عربية لكن من نوع آخر، هي وحدة لطالما حلمنا أن تصبح حال الأمة العربية وَالإسلامية، لكن اليوم، وَمع تغيير المفاهيم السياسية، بات علينا أن نكون شاهدين على ولادة وحدة عربية وَإسلامية لكن بنكهة أمريكية، كيف لا، وَبات ما يُعرف بدول الرجعية العربية تبحث عن طرق توصلها إلى اسرائيل إرضاء لـ واشنطن، هذا الواقع الذي بات علينا أن نخوض في كُــلّ حيثياته وَنُمحص بها، لتدارك ما يمكن أن ينتج عن ولادة وحدة عربية بأسس أمريكية، وَهل هناك بؤس أكثر من هذا الواقع العربي الذي سيكون وسيلة لزيادة الانشقاق، بل وَسيكون مهيئاً لـ مواجهة دولة إسلامية ذات نهج مقاوم وَداعم لحركات المقاومة، وَبالتالي ضمن هذا المشهد، أنباء كثيرة تتحدث عن خطة أمريكية خليجية، لمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران، وَبهذه الخطة سيتم بلا شك تحييد القضية الفلسطينية، تمهيدا لإعلان صفقة القرن النسخة الأمريكية.
إبان زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للدول العربية، طُرحت فكرة تأسيس تحالف استراتيجي شرق أوسطي، يضم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، وَركز على الخطر الذي تمثله إيران باعتباره أكثر الأخطار إلحاحا في المنطقة، وَذلك بحسب التوصيف الأمريكي، لكن فكرة هذا التحالف ليست جديدة، حيث أن واشنطن كانت وَفي مراحل سابقة قد طرحتها وَلكن بصيغ مختلفة تتناسب مع توقيت طرحها، فبعد إعلان بريطانيا عزمها علي الانسحاب من الخليج عام 1967، صرح يوجين روستو وكيل الخارجية الأمريكية في فبراير 1969، أن بلاده تسعي الى اقامة تكتل إمني يشمل تركيا وإيران وباكستان والسعودية والكويت لحفظ الأمن ضد التهديدات السوفيتية واليسارية، ورغم إعلان أغلب هذه الدول رفضها للفكرة, واستمرار توتر العلاقات بين الدول العربية وإيران بسبب تنامي قُدراتها العسكرية بشكل مذهل واحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث في 1971, فقد عملت واشنطن علي تحسين العلاقات بين الطرفين، وفي عهد الرئيس نيكسون الذي تولي الرئاسة الأمريكية خلال الفترة بين 1969-1974، زوّدت أمريكا إيران خلال حُكم الشاه بالدعم السياسي والعسكري الذي يؤهلها للعب دور شرطي الخليج، لحماية المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، وزار الشاه واشنطن في عامي 1968 و1969، وزار نيكسون طهران في 1972.
ما يُفهم من المعطيات السابقة، بأن واشنطن اعتمدت في تنفيذ سياساتها على أدوات إقليمية، لكن بالتوازي حرصت واشنطن على المحافظة على قدراتها العسكرية لضمان بقاءها على رأس العالم، وعادت فكرة الاعتماد علي الحلفاء الاقليميين الي الظهور وَالتداول من جديد، فـ في عام 2015 دعا الجنرال مايكل فلين رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية السابق امام احدي لجان الكونجرس إلي ضرورة إنشاء هيكل دفاعي عربي شبيه بحلف الناتو لمواجهة إيران، وفي عامي 2016و2017، ترددت فكرة إنشاء ناتو عربي في مطبوعات مركز لندن للدراسات الاستراتيجية وهو مركز للأبحاث في واشنطن, وكان من أبرزها دراسة للجنرال فلين عن مشروع الناتو العربي, وجديرٌ بالذكر أن الرئيس دونالد ترامب عينه لعدة أسابيع مستشارًا للأمن القومي.
إبان الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2013، برزت العديد من الآراء الداعية إلى وضع حد للتدخلات الأمريكية في المنطقة، وَضرورة مواجهة التمدد الأمريكي الذي لا يُخلف وراءه إلا الإرهاب، لكن وَمع التغيرات وَالتعقيدات التي شكلت عنوانا عريضا للشرق الأوسط، باتت الصورة مغايرة شكلا وَمضمونا، فاليوم بات الهدف إيران، وَبات من الضروري مواجهتها وَمحاصرتها من قبل أدوات أمريكا في المنطقة، وَعليه فإن جوهر السياسية الأمريكية الجديدة يتمثل في انشاء حلف تكون هي على رأس تشكيله، من أجل محاصرة إيران سياسيا وَعسكريا وَاقتصاديا، وَبأدوات عربية خليجية، فـ حين يتحدث ترامب عن ضرورة تحمل الحلفاء مسؤولياتهم المالية تُجاه واشنطن، وَأن أمريكا لن تقوم بشن حروب جديدة للدفاع عن أحد، ندرك أن السياسة الأمريكية تحاول قدر الإمكان، الابتعاد عن نيران الشرق الأوسط، لكن سيكون بيدها مهمة إشعال نيران جديدة هنا أو هناك، وَما الناتو العربي الجديد، إلا وسيلة جديدة يُراد منها زيادة الشقاق بين الدول العربية وَالإسلامية، وَبذلك تكون واشنطن قد ضمنت بقاءها في الشرق الأوسط وفق استراتيجية التدخل المباشر مع صفر خسائر.
ضمن هذه المعطيات، يمكننا قراءة حيثيات هذا الحلف الجديد، وَإمكانية أن يصبح واقعا، فمن الواضح أن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي تشهد تجاذبات كثيرة، وَلا يوجد وحدة في الرؤى السياسية لهذه الدول، حيث أن قطر باتت تُغرد بعيدا عن السرب الخليجي، وَتجمعها علاقات اقتصادية مهمة مع إيران، أما سلطنة عمان فلم تقطع علاقاتها مع إيران سياسيا وَدبلوماسيا، أما مصر فتنظر إلى قطر بأنها دولة راعية للإرهاب، وَبين تجاذبات هنا وَهناك، نجد أن الفكرة الأمريكية الاسرائيلية، تقفز على الواقع الراهن للعلاقات بين الدول التي من المفترض أن تكون ضمن الحلف الجديد، وَإن كانت ذريعة هذه الدول هي مواجهة السياسات التوسعية لإيران، فأين هذه الدول نفسها من القضية الفلسطينية، وَمن حرب اليمن، وَمن الحرب التي فُرضت على سوريا، كُــلّ هذا يقودنا لـ فكرة واحدة، إن كُــلّ المؤشرات تصب في خانة التداعيات السلبية، فهل يمكن القول بأن هذا الحماس الأمريكي في العداء لإيران يهدفُ في الحقيقة الى تصفية القضية الفلسطينية وَالتمهيد لشن حرب على إيران؟، الإجابات في القادم من الأيام.
* كاتب فلسطيني