المحتلّ في المهرة: تعددت الأسباب والغزو واحد .. بقلم د/ أحمد الصعدي
كانت محافظةُ المهرة تعيشُ حالةً من الأمن والاستقرار، بعيداً عن العدوان والحرب، وبعيداً عن الأدوار التمثيلية التي قامت بها القاعدةُ وداعش ورعاتُهما في محافظة حضرموت، وكان اليمنيون الذين بقيت سلطنة عُمان منفذاً وحيداً لسفرهم إلى الخارج والعودة يمرّون عبر محافظة المهرة وعبر المنافذ الحدودية بين الجمهورية اليمنية وسلطنة عُمان من غير أن يتعرضوا لمعاملات تمييزية استفزازية، فكانت المهرة إذاً الممر الوحيد السالك لكل اليمنيين.
وفي نهاية عام 2017 انتهت لدى حكام السعودية القدرةَ على مقاومة وضبط شهوتهم الملتهبة لقضم محافظة المهرة، وتراءى لهم أن الوقتَ قد حان لتحقيق مطمَعٍ توسعي قديم يتمثل بمَـدِّ أنبوب لنقل النفط إلى البحر واقتطاع الأرض بذريعة تأمين الأنبوب.
وهكذا أخذت دولة العدوان السعودية تضعُ يدَها على ما سَهُلَ احتلاله وكَبُرَت أهميته.
زد على ذلك أن الاحتلالَ المباشِرَ للمهرة، واستعراضَ القوة المكشوف هناك يلبّي حاجةً داخليةً لمحمد بن سلمان والدوائر المحيطة به. فقد لوحظ بعضُ التذمر الذي أبدته أصواتٌ سعودية من كون المملكة تحمّلت القسمَ الأوفرَ من أعباء الحرب: المال والعتاد والأرواح وسُوء السُّمعة في العالم، بينما كانت المكاسبُ من نصيب الإمارات لا سيما السيطرة على المحافظات الجنوبية.
ويمكن لاحتلال المهرة أن يزوِّدَ محمد سلمان وأعوانَه بحُجَّة قوية لإقناع المتذمرين، والقول لهم: ها قد كسبنا لكم المهرة التي تعادلُ مساحتُها مساحةَ دولة الإمارات، وحقّـقنا ما لم يستطع تحقيقُه الملوكُ السابقون وهو مَدُّ أنبوب نقل النفط إلى البحر العربي، وجعلنا محمد آل جابر أميرَ إمارة المهرة غير المعلَن، وأصبحنا نحاصِرُ سلطنة عُمان العاقّة من حدودها الغربية، مما يمكننا من إيذائها وزعزعة أمنها لإخضاعها لمشيئتنا.
ولما كانت ((الشرعية)) المزعومة موجودةً في المهرة، اخترع العدوانُ ذرائعَ تبرّرُ احتلالَ المحافظة فقال إن حضوره هناك ضروري لمكافحة تهريب السلاح إلى من يسميهم بـ ((الانقلابيين))، ثم ادّعى أنه جاء لمكافحة الإرهاب. إلا أن جماهيرَ المهرة – باستثناء قلةٍ من المرتزِقة – لم تنطل عليها خُدَعُ وألاعيب تحالف العدوان، وأدركت منذ الوهلة الأولى أن هذا غزو مكشوف، وأنه احتلالٌ لأراضي الغير بالقوة.
ومنذ شهر مايو 2018 بدأت الجماهيرُ اليمنية في المهرة، الرجال والنساء، وقياداتها الوطنية ممثلةً بعلي سالم الحريزي وآخرين، بتنظيم فاعليات سلمية ترفُضُ الاحتلالَ السعودي وشريكَه الإماراتي وتطالبُ برحيلهما الفوري، واحترام السيادة الوطنية، وعمّد أبناءُ المهرة إصرارَهم وثباتَهم على موقفهم بالدم رغم أنهم لم يلجؤوا إلى السلاح حتى الآن.
يرفعُ أبناءُ المهرة شعاراتٍ جديرةً بأن يعرفَها وأن يدركَ معناها كُــلُّ اليمنيين الرافضين لاحتلال بلدهم، من أهمها أن المهرةَ جزء من اليمن، و((لن ترى الدنيا على أرضي وصيا))، وأن المعسكرات السعودية خرقٌ للسيادة الوطنية، وأن وجودَ القوات السعودية سبّبَ شرخاً اجتماعياً في المحافظة، وحذّروا المحتلّ أن المحافظة خطٌّ أحمرُ أرضاً وإنْسَاناً.
أَمَّا القَائدُ الوطني الشجاع علي سالم الحريزي فيقول: إذَا لم ندافع عن أرضنا مَن سيدافعُ عنها غيرنا؟، ويدرك الحريزي بوعيه الناضج ووطنيته الصادقة ما يتغابى عنه كثيرون؛ لهذا يدق ناقوس الخطر قائلاً: إن السعودية إذَا تمكّنت من مد أنبوب النفط فلن تغادرَ المهرة أبداً.
وإلى هذا الخطاب الوطني الواضح، يضيفُ مناضلو المهرة التذكيرَ الدائمَ بأنهم يدافعون عن ((الشرعية))، ما يضع ((الشرعية)) التي تتآمر عليهم والمحتلَّ الذي يتذرع بها في موقفٍ شديد الحرج لو كان لديهما ذرةٌ من احترام وتقدير الذات.
لقد حقّـق أبناءُ المهرة بصبرهم وثباتهم وبسالتهم خطواتٍ بيّنت للعدو السعودي المتهوّر بأن المهرةَ ليست لقمةً صائغة، وأن أهلَها المسالمين ليسوا أذلاءً يمكن إخضاعهم أَو شرائهم، مما اضطره للاستنجاد بمسوخ شريكه الإماراتي وقفازاته القذرة مما يسميها بـ ((النخب))، والجماعات السلفية المتوحشة التي لا ترى حرجاً في ارتكاب الجرائم تحتَ قيادة وتوجيه المخابرات الصهيونية – الإماراتية.
إنَّ الوقوفَ إلى جانب جماهير المهرة المدافعة عن السيادة والاستقلال هو واجبٌ وطنيٌّ وليس مسألةَ تضامن وحسب.
إن وضعَ محافظة المهرة قبل الاحتلال، ثم غزوها واحتلالها يعني أن الغزوَ واحدٌ وأهدافَه موحدةٌ أكانت في الحديدة التي يسعى للسيطرة عليها أَو في المهرة. تعددت الأسبابُ المعلَنة والغزوُ واحدٌ يستهدفُ تمزيقَ اليمن وابتلاعَ ما يمكن ابتلاعُه من أراضيه.
وَيُقَدِّمُ غزوُ المهرة ومقاوَمَةُ أبنائها للغزو فرصةً جديدةً لتصحوَ الضمائرَ المخدَّرة بالحياد الزائف، فمن كانَ يموِّهُ سلبيتَه وتخاذله في مناهضة العدوان بذريعة ((الانقلاب)) المزعوم لن يجدَ في موضوع المهرة ما يستر عورته.
هنا كما قال فرانز فانون في كتابه (المعذبون في الأرض): ((كُلُّ “متفرج” جبان أَو خائن)).