تظاهراتُ اليمن.. والردُّ العملي على مؤتمر وارسو .. بقلم/ حسن حردان
* كاتب لبناني- البناء
لم يفاجئْنا شعبُنا العربيُّ الثائرُ والصامدُ في اليمن في النزول عن بكرة أبيه إلى ساحات وشوارع المدن للتعبير بملء الحناجر عن براءته من أنظمة الخيانة المطبّعة مع كيان العدوّ الصهيوني.. فهذه الجماهيرُ اليمنيةُ لم تبخلْ يوماً وفي أشدِّ الأوقاتِ صعوبةً في تقدّم الصفوف وتنكّب مسؤولية ومهمة دعم ونُصرة القضية الفلسطينية والتأكيد بأنها ستبقى قضية الجماهيرَ العربية، وأنّ محاولات طمس القضية وتصفيتها من قبل الولايات المتحدة والعدوّ الصهيوني، بالتعاون مع الأنظمة العربية التابعة لواشنطن، لن تنجح طالما بقيت هناك مقاومة ضدّ الاحتلال وجماهير تدعم هذه المقاومة..
على أنّ التظاهرات الشعبية العارمة في اليمن إنما جاءت في توقيتها لتؤكّدَ جملةً من الدلالات الهامة:
الدلالة الأولى: تجذُّرُ الروحِ الثورية العربية الأصيلة لدى أبناء اليمن والتي تجلّت في أبهى صورها عبر تأكيد مواصَلة حمل وإعلاء راية فلسطين والتمسّك بكامل الحقوق العربية فيها ورفض التفريط بهذه الحقوق من أيّة جهة كانت فلسطينية أَوْ عربية..
الدلالة الثانية: تشكِّلُ دليلاً ساطعاً على الجوهر والمضمون التحرّري للثورة الشعبية في اليمن في كفاحها للتخلّص من براثن الهيمنة والتبعية للولايات المتحدة والنظام التابع لها في الرياض، وأنّ محاولات إعادة إخضاع اليمن لمنظومة الهيمنة الأميركية السعودية لن تنجح؛ لأَنَّ هناك ثورةً شعبيةً تملكُ هذا البُعد التحرّري..
الدلالة الثالثة: إنّ هذه التظاهرات تأتي، في هذا التوقيت لتشكلَ ردّاً عملياً على مؤتمر وارسو التطبيعي، الذي شهد لقاءاتٍ مشينةً بين بعض وزراء خارجية الأنظمة العربية ومجرم الحرب رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو، ولتدللَ على فشل محاولات تغييب القضية الفلسطينية لدى جماهير الأُمَّــة، ومحاولات استفراد شعبنا في فلسطين وفرض الاستسلام عليه..
الدلالة الرابعة: سقوطُ خطط إدارة العدوان في واشنطن التي أرادت من مؤتمر وارسو إنقاذَ الكيان الصهيوني من مأزقه وأزمته الداخلية نتيجة فشل حروبه في القضاء على المقاومة في غزة وإخماد الانتفاضة الفلسطينية، ونتيجة الفشل في إضعاف المقاومة في لبنان، أَوْ في إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة، وكذلك الفشل في النيل من مناعة وقوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإخضاعها، والعمل من خلال نشر صور اللقاءات بين مسؤولين عرب ونتنياهو لمحاولة تحقيق نصر معنوي لرئيس وزراء العدوّ يخرجه من أزمته ويعوّضه عن هزائمه المتتالية، ورسم صورة من الإحباط واليأس لدى الجماهير العربية لفرض الاستسلام والخنوع والخضوع للكيان الصهيوني ومشروعه الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية الذي يتجسّد في ما سمّي بصفقة القرن، التي تتولى أنظمة الرجعية العربية محاولة تسويقها عبر تشريع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ومساعدة نتنياهو على القفز فوق القضية الفلسطينية وتجاهل حقوق شعبنا في فلسطين.. ولهذا فإنّ التظاهرات جاءت لتوجه صفعة قوية لخطط واشنطن والأنظمة التي تسير في فلكها..
الدلالة الخامسة: إحباطُ محاولات مؤتمر وارسو تشكيلَ جبهة عربية إسرائيلية ضدّ إيران الثورة؛ بهدف حرف الصراع العربي الصهيوني عن مساره الحقيقي المتمثل في مقاومة الاحتلال الصهيوني، وتحويله إلى صراع عربي إيراني، والتأكيد بأنّ الصراع الرئيسي كان ولا زال مع العدوّ الصهيوني المدعوم أميركياً ومن الأنظمة الرجعية التابعة..
وبهذا يؤكد شعبنا في اليمن أنّ المعركة ضدّ المستمرّ الأميركي وأدواته من أنظمة خائنة إنما هي مرتبطة أشدّ الارتباط بالمعركة ضدّ الاحتلال الصهيوني لفلسطين وانّ النضال للتحرّر من المستعمر الأميركي والأنظمة التابعة له لا ينفصل عن النضال لتحرير فلسطين من المحتلّ الصهيوني.. وفي مقابل جبهة الأنظمة الرجعية مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ترسم جبهة الدول والقوى والحركات المقاومة التحرّرية التي تحقق الانتصارات في مواجهة العدوان الأميركي الصهيوني الرجعي العربي في سورية واليمن ولبنان وفلسطين والعراق..
إنّ مؤتمر وارسو لن تكون نتائجُه أفضلَ حالاً من مؤتمر شرم الشيخ الذي عُقد عام 1996 لتغطية عدوان عناقيد الغضب للقضاء على المقاومة في لبنان.. وما فشل فيه حلف شرم الشيخ لن ينجح فيه وارسو المأزوم، في مواجهة محور المقاومة المنتصرة والمتنامي قوة واتساعاً، فالأنظمة الرجعية مأزومة نتيجة فشلها في إخضاع اليمن وإسقاط سورية، وكيان العدوّ الصهيوني يعاني من تراجع وتآكل قوته الردعية وتنامي أزمة جيشه المتجسّدة في تزايد عدم الثقة بقدرته على خوض الحرب والانتصار فيها.. والولايات المتحدة تتخبّط بفعل سقوط هيمنتها الأحادية وفشل محاولات تعويمها عبر الحروب المباشرة وغير المباشرة، وآخرها الفشل في سورية، واضطرارها لأخذ قرار الانسحاب؛ خوفاً من الغرق في حرب استنزاف طويلة ومكلفة ولن تكون نتائجها أفضل حالاً من حروبها السابقة الخائبة والفاشلة.. ولهذا تلجأ إلى الحرب الاقتصادية والحصار في محاولة يائسة لتثبيت هيمنتها وتحقيق ما عجزت عنه قوّتها العسكريّة وأدواتها الإرْهَابية والرجعية.