التفاوض الشاذ .. بقلم/ أحمد الحسني
مفاوضاتُ السلام هي أن يجلسَ طرفا الحرب على الطاولة؛ لبحث سُبُل تسوية سياسيّة منصفة توقفُ الحربَ وَتحقّق السلامَ وَنحن وَالمملكة السعوديّة وَبمعيتها الإمارات طرفا هذه الحرب، لكنها لم تجلس حتى الآن على طاولة التفاوض، وَإنما ترسلُ مجموعةَ مرتزِقة بلا صلاحيات يتحمّلون عنها أمام الكاميرات مسؤوليةَ العدوان وَالحصار وَيطالبون لها على الطاولة بكل ما فشلت في تحقيقه على جبهات القتال، بينما تتقمَّصُ هي دورَ راعي المفاوضات وَالمحسِن الذي علينا استدرارُ شفقتِه؛ للتفضل علينا بشيء يمكن أن يساعدَنا على إعادة الإعمار!..
كُـــلُّ الهُراء الذي ترعاه الأمم المتحدة منذ ثلاث سنوات لم يكن أبداً مفاوضاتِ سلامٍ وَإنما جولات تملّص من جلوس المملكة على طاولة التفاوض؛ باعتبارها الطرفَ الآخرَ في هذه الحرب، كان المطلوب منا فيها أن نجلس مع مجموعة من عديمي الأهلية؛ لنتقاسَمَ معهم مسؤوليةَ المملكة عن هذا العدوان وَالحصار، وَنشعُــرَ بالامتنان لها عن قتلنا وَحصارنا وَتَدمير بلدنا وَنعلنَها الطرفَ المنتصرَ في الحرب وَراعي السلام العظيم وَالمحسِن الكريم، حتى أنه عقب مجزرة القاعة الكبرى جاء المبعوث الأممي السابق إلى وفدنا الوطني في مسقط ليقولَ له بكل وقاحة: لقد كان خطأ فادحاً أن تقابلوا بالرفض تبرُّعَ الملك سلمان بعلاج جرحى القاعة على نفقته، أما قصف طائرات الملك للقاعة وَقتل وَجرح المئات وَمنع عودة الوفد الوطني إلى صنعاء من قبل التحالف فقد كانت كسائر جرائم العدوان وَالحصار مسائلَ ثانويةً في اهتمام الوسيط الأممي السافل.
كُـــلُّ ما تغيّر في جولة السويد هو أن المبعوثَ الجديدَ يقدِّمُ نفسَه كديبلوماسي يحترمُ نفسَه وَيحترمُ أطرافَ العملية التفاوضية، وَليس كمرتزِقٍ لا يحترمُ غيرَ دولارات بن سلمان، كما كان يفعلُ سَلَفُهُ، وَيحاول التعايُشَ مع الوضع الشاذّ من خلال مفاوضات جزئية بدلاً عن مفاوضاتِ السلام الشاملة، لكن ذلك لا يعني أن نتفاءلَ كثيراً بنجاحه في ذلك، فالاختلالات الجوهرية في جولات ما قبل السويد كانت موجودةً في جولة السويد، فالطرف الآخر في الحرب -وَهو المملكة وَمعها الإمارات- لم يجلسْ على الطاولة كطرف لنقولَ إن هناك مفاوضاتِ سلام حقيقيةً، وَإنما يُصِرُّ على التمسّك بموقع الراعي وَالمحسِن، وَأرسل كالعادة قفازاتٍ بلا صلاحيات وَلا أهلية؛ لتحمل الالتزامات وَأدائها لنتوقع أن ما تم الاتّفاقُ عليه سيتم تنفيذُه وَإنما هم على العكس من ذلك مجموعةُ مرتزِقة مستفيدين مادياً من استمرار الحرب بعيدين في فنادقهم عن أهوالها..
أَمَّا نحن فلا يسَعُنا إلا تلبيةُ كُــلّ دعوة للسلام وَالسعي بإخلاص كالعادة للوصول إلى تسوية سياسيّة منصفة توقفُ العدوانَ وَترفعُ الحصارَ وَتحقّق لبلدنا وَلجيراننا الأمنَ وَالاستقرارَ، وَلن تكونَ هناك تسويةٌ سياسيّةٌ منصفةٌ وَلا مفاوضاتُ سلام حقيقيةٌ إلا بجلوس المملكةِ أمامنا على الطاولة، وَالجبهاتُ وحدَها طريقُنا لإقناعها بذلك وَلنقْلِ العمليةِ التفاوضية من هذا الوضع الشاذِّ إلى وضعِها الطبيعيّ..