رحيل المناضل الكبير علي صالح عباد مقبل: النضالُ حتى آخر نفَس
المسيرة: إبراهيم السراجي
توفي، أمس الجمعة، بالعاصمة صنعاءَ المناضلُ اليمني الكبير علي صالح عباد مقبل الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي وأحدُ رواد النضال اليمني في مواجهة الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن والذي أسهم في تحرير الأرض اليمنية من ذلك الاستعمار الذي استمر 139 عاماً، فكان أحدَ العقول المُخَطّطة والقيادات المتحركة في الميدان التي فجرت ثورة 14 أكتوبر 1963م واختتم حياته بالتمسك بموقفه المناهض للقوى الاستعمارية ممثلةً بالولايات المتحدة الأمريكية والرجعية الخليجية وفشلت الأخيرة في استقطابه نحو معسكر العدوان خلافاً لبعض القيادات المزيّفة التي أنهت مسيرتَها في أحضان النظام السعوديّ.
وُلِدَ المناضِلُ مقبل في منطقة الدرجاج بمحافظة أبين، وحينها كانت المحافظة ما تزال تحت نير الاحتلال البريطاني وتوفي فجر الأمس بالعاصمة صنعاء في وقت ترزح فيه محافظتُه للاحتلال الجديد، غير أنه وكما شهد تشكّل مراحل النضال التي شارك في تشكيلها حتى تحرّر جنوب اليمن فقد رحل المناضل مقبل مطمئناً لوجود جيش يمني ولجان شعبيّة تواجهُ الاحتلالَ الجديدَ ومتأكّــداً من أن محافظة أبين ستحرّر في يوم قريب؛ ولذلك أوصى بأن يدفن إلى جانب والدته في مسقط رأسه بمنطقة الدرجاج.
وعانى المناضلُ مقبل خلال الأشهر الماضية من المرض وتدهورت حالته إلى أن أصبحت بحاجة للسفر إلى الخارج غير أن إغلاق العدوان لمطار صنعاء حال دون ذلك حتى أن حالته كانت لا تسمح بالسفر براً إلى عدن ليسافر منها إلى الخارج ليتوفاه الله في العاصمة صنعاء التي عاش فيها عدة عقود من عمره مثله كأي يمني متضرر من هذا العدوان والحصار فكان بحق رغم تأريخه النضالي يمنياً خالصاً عاش بين البسطاء وقريباً منهم وتوفي مثل كثير منهن ممن عانوا من المرض والحصار.
رحل مقبل بعد رحلة نضال طويلة كان فيها مرفوع الرأس ومات وهو كذلك رافضاً لأية مساومة من العدوان الذي ساومه على حياته بالسماح له بالسفر للعلاج في الخارج مقابل منح العدوان موقفاً مؤيداً لقتل اليمنيين وتدمير أرضهم وممتلكاتهم لتستمر معاناته لشهور طويلة وفي أيامه الأخيرة بدا وكأنه شعر بدنو الأجل عندما زاره في منزله بصنعاء الأخوان أمين عام المكتب السياسيّ لأنصار الله فضل أبو طالب ورئيس دائرة العلاقات السياسيّة والدبلوماسية لأنصار الله حسين العزي نائب وزير الخارجية في 21 يناير بتكليف من قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي وأبلغاه بتوجيهات قائد الثورة بالعناية به وأنه وجّه بتوفير كُــلّ الإمكانات والجهود لتدبير نقله للعلاج في الخارج، وفي ذلك الحين علّق المناضل مقبل على فكرة سفره للعلاج بالخارج بالقول إنه لا يريد أن يغادرَ الوطن.
هكذا تمسّك المناضلُ مقبل بوطنه وآثَر أن تكونَ النهايةُ على ترابه وليس خارجَه، فكان رفضُه للمغادرة تتويجاً لسلسلة من الرفض المشرِّف للانصياع للطغاة، منها رفض كُــلّ مغريات دول العدوان بالانحياز لها؛ لأَنَّه كان يعرفُ أن الانحيازَ لهذا العدوان يوصمُ صاحبَه بالعار ويلطّخُ تأريخَه فكان بحق الرفيقَ المناضلَ الذي لا يبيعُ ولا يُشْتَرى.