مــع الـسـيد الـقـائـد فـي اليوم العالمي للمرأة المسلمة (2)
عبد الرحمن محمد حميد الدين
السيدةُ الزهراء الخريجة الأولى للنبي المصطفى:
وعندما نتحدث عن فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وعن علو مكانتها، وشرف منزلتها؛ ليس باعتبارها قد حظيت بمقام تشريفي عارٍ عن أي تجسيد في واقع السلوك والوجدان؛ حيث يؤكد السيد القائد على أنها (عليها السلام) قد وصلت إلى مقامها العظيم هذا بفضل المدرسة المحمدية التي كانت السيدة الزهراء خرّيجتَها الأولى، وتمثلت هذه المدرسة في حضن السيدة خديجة وكنف سيد الخلق الذي عاشت معه فاطمةُ أجواءَ الوحي والتنزيل، وتشرّبت بمعيته جوامع الكلم، ومكارم الأخلاق، وأن مقام الكمال الذي بلغت ذروته فاطمة الزهراء كان لجدارتها الإيْمَـانية، الذي استحقت لأجله أن تكون سيدة نساء الدنيا والأخرى.
وكلنا يعلم ذلك التهافت الذي يبديه المؤرخون وعلماء الإسْلَام لإبراز فضيلة شرف رؤية النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) عند ورود اسم أحد الرجال المسلمين الذين كان لهم ذلك الشرف ولو كانوا في حينها أطفالًا لا يدركون شيئًا، ويعتبرونها مزية وهي كذلك بالفعل، ولكنها لا ترقى إلى أن يحظى الإنْسَانُ بأن يتربى في أحضان الرسول الأعظم، ويتخرج على يدي خاتم النبيين، ويعيش أجواء الوحي منهجًا وسلوكًا، حيث يقول السيد القائد:
“الزهراء المرضِيّة قد حظيت بأرقى تربية، حيث تربت في أحضان أبيها الرسول (صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله) وأمها خديجة، تربت على الإيْمَـان والتقوى ومكارم الأخلاق، وشربت معارف الإسْلَام، فكانت تلميذة أبيها وخريجة مدرستهِ الأولى، وبذلك كانت سيّدةَ نساء العالمين، سيّدةَ نساء المؤمنين، سيّدةَ نساء أهل الجنّة، وهذه المواصفات وهذا المقام العظيم ليس مجرد مقام تشريفي أو أوصاف تشريفية، إنَّما كان مقاماً وصلت إليه بجدارة، مقاماً قائماً على أساسٍ من الإيْمَـان والتقوى”.([1])
مقامُ السيدة الزهراء كان قائمًا على أساس مؤهلات إيْمَـانية:
ويؤكد السيد القائد على أهميّة أن تستوعب المرأة المسلمة أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) لم تصل إلى ما وصلت إليه من مقام دنيوي وأُخروي إلا بتلك المؤهلات الإيْمَـانية التي جعلتها جديرة بهذا المقام، وجعلت منها مثالًا يُحتذى، ولولا هذه المؤهلات لما كان ثمة حديث عن الاقتداء والتأسي.
وهذا يحتّم على المرأة المسلمة بشكل عام، والمرأة اليمنية بشكل خاص أن تتوجه لقراءة سيرة السيدة فاطمة الزهراء، وتطلع على تلك المؤهلات الإيْمَـانية، وتعرف كيف كانت في علاقتها بالله؛ عابدةً ناسكة، تقضي ليلها في التهجد والمناجاة، وتقضي الكثير من نهارها في الصيام وتلاوة القُـرْآن، وكيف كانت في علاقتها مع أبيها؛ حنونةً عطوفة، ومبادرةً في خدمته حتى وهو في ميدان المعركة؛ حيث يُروى أنها (عليها السلام) كانت في بعض المعارك تداوي جراح أبيها رسول الله، وتهيء له (صلوات الله عليه وعلى آله) خيمة خاصة؛ ليغتسل من غبار المعركة، ويغير ملابسه ويكون بأجمل هيئة، ولم تشغلها مناجاتها وتهجدها عن متعلقات منزلها، وشؤون زوجها وأولادها؛ فكانت نموذجًا للمرأة المطيعة، والمعينة لبعلها في البأساء والضراء، وكانت لأولادها مربية ومعلمة، ومع المسكين والفقير واليتيم محسنةً ومتصدقة ورحيمة، ولنساء الأنصار والمهاجرين واعظة ومعلمة، وكانت (عليها السلام) السبّاقة مع قضايا الإسْلَام وميادين الجهاد. وهناك الكثير مما لا يسعُنا عرضَه، ومما يتوجب علينا جميعًا – وبالأخص المرأة – معرفته. ومما قاله السيد القائد في ذلك:
“كانت في مقام القدوة الأولى كامرأةٍ مؤمنةٍ بكمالها الإيْمَـاني، ثم بالتالي سيّدة نساء أهل الجنّة؛ لأنَّ هذا المقام العظيم، المقام الإيْمَـاني والقيمي والأخلاقي والإنْسَاني الذي وصلت إليه في عالم الدنيا كان بمؤهلات إيْمَـانية، وعلى أُسس إيْمَـانية وأخلاقية، لم يكن مقاماً زائفاً؛ فلذلك لم يكن فقط في عالم الدنيا بل كان أيضاً في عالم الآخرة.
فكانت سيّدة نساء المؤمنين في الدنيا، وهي أيضاً سيّدة نساء أهل الجنّة، وهي أيضاً في عداد النساء الأربع اللواتي بلغنَ ذروة وعلو المقام الإنْسَاني للمرأة، كانت أيضاً هي المتقدمة فيهن، وهنَّ: مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وآسية بنت مزاحم، وفاطمة الزهراء عليها السلام”.([2])
ويقول في هذا السياق أيضًا: “حياة فاطمة الزهراء جديرة جدّاً بالتأمل والدراسة، وهي في موقع القدوة للمرأة المؤمنة، فما أحوج أخواتنا المؤمنات إلى الاطلاع على سيرتها، كيف كانت في حياتها على مستوى المسؤولية الدينية والأسرية، كيف كانت بالرغم من عظيم ما هي عليه من مقام، وإيْمَـان، وأخلاق، والمستوى المعرفي الذي وصلت إليه كذلك، لكنّها مع ذلك كله عاشت حياتها بكل بساطةٍ وتواضع، بكل بساطةٍ وتواضع، فعاشت الظروف المعيشية الصعبة في ظل وضع اقتصادي في مراحلَ صعبة، ولم تكن أبداً لتستنكف عن القيام بمسؤولياتها الفطرية في بيت الزوجية.
كانت تهتم بكل شؤون البيت، تربي أولادها، تقوم بكل متطلبات الحياة والمعيشة، تطبخ، تنظف البيت، تعد الطعام، تفعل كُــلّ شيء كأي امرأة أخرى عادية، يعني مقامها الإيْمَـاني، مقامها المعرفي، لم يبعدها أبداً عن المسؤوليات الفطرية، وعن الدور المهم في التربية، وعن الدور الأساس في الواقع المعيشي والحياتي الذي هو أساس في واقع الناس وحياة الناس ومن متطلبات الحياة، قامت بذلك كله امرأة في واقعها المعيشي في غاية التواضع والبساطة، وكأيّ امرأةٍ أخرى تعجن، تغسل الملابس، تعد الطعام، تربي أطفالها، تهتم بهم وبتنشئتهم وبتربيتهم وبتغذيتهم، تصبر على متاعب الحياة مع زوجها، تواجه الظروف الصعبة.
تواجه أحياناً ظروفاً صعبة، القُـرْآن الكريم تحدّث في سورة الإنْسَان عن درسٍ مهم جدّاً يكشف جوانب متعددة من بينها ظروف صعبة، وظرف وواقع معيشي صعب يحصل أحياناً، وهذا طبيعي في واقع الحياة أن يحصل، ومع ذلك مستوى عالٍ جدّاً جدّاً من الأخلاق، الإيثار بالطعام في حال الصيام عند أوان الفطر، الإيثار بالطعام في وقتٍ هي وزوجها وأسرتها أحوج ما تكون إلى ذلك الطعام، تلك المرأة المؤمنة الزكية المرضيّة الصدِّيقة التي وصلت إلى ذروة الكمال الإنْسَاني والإيْمَـاني، وتحَـرّكت في واقع الحياة تقوم بمسؤولياتها الفطرية من دون كلل ولا ملل ولا عتب ولا تنصل عن المسؤولية، وعلى درجة عالية ومستوى عظيم من التواضع، تقدم الدرس المهم للمرأة المؤمنة كيف تكون في واقع الحياة، في إطار مسؤولياتها المتعددة، وفي مواجهة أعباء الحياة، في كُــلّ الاتجاهات والمجالات.
على المستوى الإيْمَـاني والعبادي كانت هي التي سُمِّيت بالبتول منقطعةً إلى الله سبحانه وتعالى، متبتلةً منقطعةً إلى الله، عابدةً متوجهةً بصدق إلى الله سبحانه وتعالى، لكنَّها لم تكن بذلك منعزلة عن الحياة، في واقع الحياة، في طبيعة الحياة، في ظروف الحياة، لا! امرأة تعيش مع زوجها مع أسرتها الواقع الحياتي المعتاد، ثم هي على ما هي عليه من علم ومعرفة، وزكاء وطهارة وتقوى تلك المرأة الخدومة المحسنة التي تحسن إلى الآخرين، وتهتم بالآخرين، مصدر عطاء، مصدر عطاء، وينبوع خير، ومصدر إحسان”.([3])
([1]) كلمة السَّيد القائد – في ذكرى مولد الزهراء عليها السلام (اليوم العالمي للمرأة المسلمة) 1435هـ /2014م.
([2]) كلمة السَّيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ـ يحفظه الله – في ذكرى مولد الزهراء عليها السلام
(اليوم العالمي للمرأة المسلمة) 1435هـ /2014م.
([3]) كلمة السَّيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ـ يحفظه الله – في ذكرى مولد الزهراء عليها السلام
(اليوم العالمي للمرأة المسلمة) 1435هـ /2014م.