السودان والجزائر.. ربيعُ الأمس وخريفُ اليوم .. بقلم/ عبدالله علي صبري
على عكس ما حدث في 2011م من انتفاضاتٍ شعبيَّة متلاحقة في عددٍ من الدول العربية، يبدو الصمتُ مخيماً في غالبية عواصم المنطقة وهي ترقُـــبُ ما يحدُثُ في الجزائر والسودان من حراك شعبي يعتقدُ البعضُ أنه جاء متأخراً، وبعد أن وعى الناسُ الدرسَ وباتوا أكثرَ حرصاً على الأمن والاستقرار بدلاً عن التعاطي مع حراك لا تُحمَدُ عواقبُه.
ولا شكَّ أن للحراك أَو الربيع العربي سلبياتِه وإيجابياتِه، ومن المنطقي أن تتعلَّمَ الشعوبُ من الدروس، فلا تكرر أخطاء الماضي القريب أَو البعيد، غير أن العبرة من درس الربيع لا ينبغي أن يكون حكراً على الشعوب والنُّخَب السياسيّة المعارضة، إذ قبل ذلك يجبُ أن تفهمَ النخبُ السياسيّة الحاكمة أن الاستقرارَ تحت الاستبداد السياسيّ يظلُّ مؤقتاً ولا يمكن الرهانُ على ديمومته.
ثم إن الدرسَ الذي ينبغي تعلُّمُه أيضاً أن الموقفَ من هذا الحراك أَو ذاك يجبُ أن يستندَ إلى مبادئَ وثوابتَ قوامُها حقُّ الشعوب في الحرية والديمقراطية وتداول السلطة، وهذا ما نفتقرُه في التعاطي السياسيّ والإعلامي مع الحراك الشعبي في السودان والجزائر، حيث يحضُرُ هاجسُ المؤامرة كمحدّد للموقف من الحراك.
في 2011م رأينا كيف تبدّلت المواقفُ تجاه “الربيع العربي”، فمحور قطر _تركيا والإخوان المسلمين، اندفع بقُــوَّة لدعم الحراك في أكثرَ من دولة عربية. وحين وصلت رياحُ التغيير إلى البحرين، تغير الموقف، ودخل البُعد الطائفي كعامل جديد.
محورُ المقاومة هو الآخر اندفع مؤيداً للحراك في تونس ومصر واليمن، وأطلقت إيرانُ عليه مصطلح “الصحوة الإسلامية”، ولم يظهرِ الحديثُ عن “المؤامرة الخارجية” إلا بعد أن وصل الحراكُ إلى سوريا، التي تعد أحدَ أهمِّ الأضلاع في محور المواجهة مع الكيان الصهيوني.
صحيحٌ أن المآلات فيما بعد كشفت عن فشل ذريع في معظم تجارب الربيع العربي، إلا أن بقية الدول التي حافظت على استقرارها ليست بأحسن حالا، فقد تراجعت الحريات السياسيّة في العالم العربي على نحو مخيف، كما أن النمو الاقتصادي هو الآخر لم يشهد قفزاتٍ توازي حجمَ التضحيات، ما يجعلُ المواطنَ العربيَّ في حيرة من أمره، ولعلَّ هذا ما يفسِّرُ صحوةَ السودان والجزائر، مع تفاوتٍ بين دوافع الحراك في الدولتين.
تعيشُ السودانُ أوضاعاً غيرَ مستقرة منذ عقود، وقبيل الربيع العربي انقسمت السودانُ إلى دولتين، واحدة في الشمال وأُخْــرَى في الجنوب، غير أن الدولتين لم تنعما بالاستقرار والرفاه بعد ثمان سنوات من الانفصال، كما أن النظامَ العسكريّ الحاكمَ في السودان الشمالي منذ ثلاثين عاماً ظل يلعبُ على حبل التوازنات الدولية مراهناً في البقاء على دوامة الصراع التي تعيشُها دولُ الربيع العربي.
أمَّا الجزائرُ فقد راهن حكامُها على ذاكرة الشعب مع “العشرية السوداء”، وبدلاً عن أن يبادلوا الشعبَ الوفاءَ فرضوا عليه ولايةً رابعةً للرئيس بوتفليقة، وقد أصبح عاجزاً عن ممارسة السلطة، ومخاطبةً شعبه وجهاً لوجه، ثم تمادوا أكثرَ مع الإصرار على فرض “الولاية الخامسة”.
لا شك أيضاً أن هُنَاكَ مؤامرةً خارجيةً على الجزائر، لكن يبدو لي أن عنصرَ المؤامرة كامنٌ في الزُّمرة الحاكمة التي تعمَلُ على فرض سيناريو العُهدة الخامسة، مع أن البدائلَ الأُخْــرَى متاحةٌ جداً ومِن داخل النظام نفسه.