الوسام البريطاني على صدر حزب الله .. بقلم/ قاسم عزالدين
* كاتب لبناني وباحث في الشؤون الدولية والإقليمية
تصنيف وزير الداخلية البريطاني الذي يمثّل الذئاب الفتية في الانتهازية الوصولية، يعبّر عن ديمقراطية بائسة لم يبقَ منها في أوروبا أكثر من طقطقة السبّحة التي تسوّق الديمقراطية الإسرائيلية.
وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد، لم يقدّم مشروعه بتصنيف الجناح السياسيّ لحزب الله منظّــمة إرْهَابية صدفة أَو عبثاً. فهو يطمح إلى خلافة تيريزا ماي في رئاسة الحكومة المشرفة على الغرق في الأزمة البريطانية. ويطمح إلى إصابة عصفورين بحجر واحد في هذا المشروع إذَا صوّت جيرمي كوربن المتهم بمعاداة السامية ضد المشروع. ولهذا امتنع حزب العمال عن التصويت أملاً بتفويت فرصة تسجيل الأهداف السهلة.
ساجد الأكثر مهارة في الوصولية الانتهازية داخل حزب المحافظين، أدرك يافعاً “طريق الوصول إلى قمة النجاح” عبر اللوبي المصرفي والمالي الذي يسيطر عليه الرأسماليين اليهود، فذهب فور تخرّجه الجامعي للعمل في بنك تشيس مانهاتن في نيويورك وبسرعة قياسية أصبح نائباً للرئيس. وقد أثبت براعته مثل كثيرين غيره في أوروبا من المتسلّقين ذوي الأصول الإسْلَامية ودول العالم الثالث، في المغالاة السمجة بحب إسرائيل دلالة على إثبات الولاء الأعمى لما تراه الأوساط المالية والبنكية الكبرى الديمقراطية الأرقى نصاعة في الشرق الأوسط.
قبيل ترقيته في عالم البنوك، قدّم أوراق اعتماده أثناء اجتماع “أصدقاء إسرائيل المحافظين” العام 2012 بأن شهق أمام الجمع تشوّقاً لاختيار إسرائيل وطناً بديلا من بريطانيا. وأثبت جدواه في الدفاع عن ثقافة هذه الأوساط في العام 2017 أثناء المؤتمر اليهودي العالمي؛ دفاعاً عن وعد بلفور؛ “لأن الاعتذار عن الوعد يعني تقويض وجود إسرائيل”.
ما يلمع به ساجد وأمثاله ليس من بنات أفكاره واجتهاده الشخصي. فهو يركب موجة عامة في أوروبا الشرقية والغربية، يعزّزها انحدار هذه المجتمعات وراء القيَم الأميركية البيضاء تحت قيادة سلطات الحكم التي تأتي بغالبيتها العظمى من الأوساط المصرفية والمالية نفسها.
العقل المدبّر في حكم فرنسوا ميتران الوزير روبير بادنتير، هو أوّل المشرّعين لتجريم العداء للصهيونية في فرنسا وأوروبا، وذلك بعد اتّفاق أوسلو العام 1993. وذريعة بادنتير هي أن الإسرائيليين والفلسطينيين توصّلوا إلى اعتراف متبادل لا تسمح أوروبا بتقويضه وعودة “النزاعات” إلى ما قبل الاتّفاق. ومنذ هذه اللحظة تتدرّج أوروبا صعوداً في تجريم أي نقد للصهيونية أَو نقد سياسة إسرائيل بتهمة معاداة السامية. وقد باتت التشريعات في هذه الخصوص سارية في أميركا ودول الاتّحاد الأوروبي. وهي تشمل سياسيّين ومؤرخين وفكرين والنشطاء الذين يناضلون لمقاطعة إسرائيل ومنتجات المستوطنات التي يصنفها الاتّحاد الأوروبي منتجات غير شرعية بحسب القوانين الأوروبية.
الموجة الحالية التي تعمّ أوساط السياسيّين والطبقات النافذة في أوروبا، تتدرّج أبعد من ذلك في السعي إلى إقرار تهمة الإرْهَاب على معاداة السامية. أيّ إقرار تهمة الإرْهَاب لكل نقد للصهيونية أَو سياسة إسرائيل ولحركة المقاطعة ولكل الذين يشككون بقانون القومية الإسرائيلي وصفقة القرن وفي ديمقراطية إسرائيل الفريدة من نوعها في الشرق الأوسط في تعاملها الحضاري مع الفلسطينيين.
المفارقة العجيبة أن إسرائيل والدول الغربية تنطلق من المفهوم النازي للسامية فيما تسعى لتجريمه ومحاربته. فقوانين نورنبرغ النازية في العام 1953، صنّفت اليهود الأوروبيين والشرقيين تصنيفاً عرقياً سامياً واحداً أدنى من العرق الآري. وهو ما تنطلق منه إسرائيل والدول الغربية في اعتبار الإسرائيليين كلّهم ساميين من دون الساميين العرب والمسلمين.
الداخلية البريطانية تحظر أجنحة حزب الله السياسيّة والعسكريّة بتهمة الإرْهَاب؛ “بسبب تأثيرها الذي يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط” في مقاومته الاحتلال الإسرائيلي وعدوانها ضد لبنان. فهو يرفض تزوير التأريخ والتصحّر الفكري والقحط الثقافي والإنْسَاني الذي يفيض من الطبقة السياسيّة والطبقات النافذة في أميركا وأوروبا التي تصنّف إرْهَاب الاحتلال ديمقراطية وتصنّف مقاومة الاحتلال والتيارات التكفيرية إرْهَاباً.
تصنيف وزير الداخلية البريطاني الذي يمثّل الذئاب الفتية في الانتهازية الوصولية، يعبّر عن ديمقراطية بائسة لم يبقَ منها في أوروبا أكثر من طقطقة السبّحة التي تسوّق الديمقراطية الإسرائيلية. لكن تكاثر الذئاب في غابة العالم المتوحش، يدلّ على عظمة حزب الله وصوابية مقاومة التوحّش التي تترك أملاً لمعنى حرية الإنْسَان في انتقاله من حياة الغابة.