المهندس محمد جمال السنباني يكشفُ لصحيفة “المسيرة” تفاصيل جديدة حول مجزرة سنبان:
المسيرة | عباس القاعدي
حينما يبلغُ الإجرامُ مبلغَه ويتجاوزُ العدوانُ حدودَه الدينية والإنْسَـانية فإنَّه يرتكب أفظع الجرائم وأكثرها وحشية ودناءة، وما المجزرة التي ارتكبها العدوان السعوديّ الأمريكي بحق أبناء السنباني واستهداف حفل زفافهم في قرية سنبان يوم الأربعاء من شهر اكتوبر 2015.
واحدةٌ من آلاف الجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان وهذا اليوم هو كان اليوم المحدد الذي تكتمل فيه فرحة أبناء محمد السنباني الثلاثة بعرسهم الذي غمرتهم فيه السعادة والذي بدأ منذ صباح يوم الأربعاء بمرح وفرح كبير شارك فيه جميع الأهل والأصدقاء ولكن الفرحة لم تكتمل بعدُ، ففي الوقت الذي كان جميع الأهل ينتظرون مع العرسان وصول العرائس إلى المنزل والكل منشغل بالعرس، والعرسان أنفسُهم ينتظرون لحظةَ اللقاء لتعُمَّ بعدَها السكينةُ والاطمئنانُ قلوبَ الجميع، كان طيرانُ العدوان السعوديّ الأمريكي يتربص بهم عن كثب ليحولَ تلك الفرحة إلى حزن ويجعل من ليلة الفرح صباحاً حزيناً عبر جريمة دامية وحشية أصبح الجميع فيها بين شهيد وجريح، جريمة لا تنسى وجرح لا يشفى.
وأمام مرور أربعة أعوام على وقوع هذه الجريمة التقت صحيفة “المسيرة” بالمهندس محمد جمال السنباني الذي أظلمت به الدنيا في منتصف النهار حسب قوله عند بدء الحديث معه عن ما بعد جريمة سنبان والذي جعل منها قصة مستمرة في المعاناة تبكي لها العيون وتئن لها القلوب، فإلى تفاصيل اللقاء:
سنبان.. الزفافُ الحزين
الزفاف الحزين.. بهذه الجُملة بدأ المهندس محمد جمال السنباني حديثه لصحيفة المسيرة، حيث أوضح بأن حفلَ زفاف عرس أبناء عمه محمد صالح غوبة السنباني الثلاثة الذي حضره الأهل والأصدقاء ليهنوا للعرسان كانت الفرحة تغمر الجميع حينها، مضيفاً: بعد صلاة العشاء تمت الزفة وذهبنا إلى منزل عمِّي ننتظر وصول العرائس والضيوف مع أبناء عمي وأثناء وصول العرائس 3 زوجات أبناء عمي إلى المنزل في الساعة العاشرة مساءً مع موكب من السيارات فيها العرائس والأهل والأقارب، وبعد وصول العرائس إلى المنزل كان الضيوف يملؤون ساحة البيت الكبيرة وفي مقدمة البيت أي “الديوان” أكثر من 150 امرأة، حيث عمت الفرحة بيت عمي بشكل خاص بتواجد الأهل والأحباب وجميع سكان القرية والقرى المجاورة بشكل عام والجميع كان يفرح، فيما كان طيران العدوان السعوديّ الأمريكي يتربص بهم ويحلق بشكل كثيف في السماء ولم نكن نتوقع أن الفرحة ستتحول إلى حزن بعد أن سمعنا صوت طائرة العدوان يملأ السماء وتقترب فوق قرية سنبان لتحديد منزل عمي والتي كانت تسكنه فرحة العرس لتجعل قرية سنبان حزينة والكل كان منشغلا به ماعدا بعض المواطنين الذين كانوا خارج البيت بحوالي أمتار هم من شاهدوا سقوط الصاروخ على البيت وبالتحديد في غرفة العروسة زوجة أيمن التي استشهدت وهي مِن قرية مجاورة لسنبان وكان عدد النساء اللواتي معها 15 وكان أيمن قد خرج من الغرفة إلى حوش المنزل يتصل لصديق وينتظر خروج النساء ليدخل إلى زوجته التي لم يرَها وفجأةً قصف الطيران العدوان المنزل ونجا أيمن من تلك المجزرة؛ بسببِ خروجه وحول العدوان العرس من فرحة إلى حزن.
العدوانُ قتل فرحتَنا
وأكّــد محمد السنباني أن طيران العدوان قبل أن يستهدف منزل عمه ويجعل منه جزئَين كان بجوار والده الشهيد الأستاذ جمال صالح غوبة السنباني – نائب رئيس اتحاد نقابات عمال اليمن، مضيفاً: وفي تلك اللحظة كان مولد الكهرباء حق بيت عمي قد تعطل وطلب والدي مني أن أذهب إلى منزلنا من أجل أخذ المولد الكهربائي الخاص بنا للعرس، وبعد خروجي من الغرفة التي كان فيها والدي وعمي بمسافة حوالي 15 متراً، ضربت طائرةُ العدوان بيت عمي واستشهد والدي وأمي وعمي وابنتي وبن عمي العريس وعروسته والعروسة الأُخْــرَى زوجة أيمن واشتعل منزل عمي ناراً وتحول إلى كتلة نارية وكان إجمالي عدد الشهداء 43 شهيدا معظمهم أطفال ونساء ومن بينهم 18 فردا من أسرتي بينهم رجال والنساء وأطفال و92 جريحا وكان هذا يوم الأربعاء بتأريخ 7| 10 | 2015 في تمام الساعة العاشرة مساءً استهدف العدوان السعوديّ الأمريكي منزل عمي محمد صالح السنباني وهو يضج بالرجال والنساء والأطفال داخله وخارجة وهذا التأريخ لا ينسى؛ لأَنَّ العدوان قتلنا وقتل فرحتنا والنتيجة كما ذكرت.
فرحةُ العمر تتحوّلُ إلى حزن أبدي
وأضاف السنباني أنه وبعدما قصفت الطائرة البيت ودمّــرته وقسمته إلى جزئَين وقتلت من فيه مكثت تحوم فوقنا حوالي نصف ساعة وجميع المواطنين كانوا يريدون أن ينقذوا كُلّ من كان داخل البيت لكنهم لم يستطيعوا؛ بسببِ استمرار تحليق الطائرة فوق البيت وتخوف المواطنين من الطائرة أن تقصف صاروخ ثانٍ كعاتها التي تمارسها في ارتكاب المجاز من المدنيين من أبناء الشعب اليمني وبهذا الحال انتهى كُلّ شيء حتى دبات البترول التي كانت عند المولد الكهربائي انفجرت وحرقت المولد الكهربائي والعريس الثاني الذي خرج يتفقد المولد من أجل إصلاحه بعد أن انطفأ فجأةً، خرج من غرفته التي تسكنها شريكةُ حياته والتي انتظرها سنوات لتكتمل فرحته الكبيرة بها، حيث تمت مناداته في تلك اللحظة الجميلة للخروج من أجل إصلاح المولد بينما كانت عروسُه تنتظره داخل غرفتها، لكنه لم يعُد إليها وأصبح شهيداً وتحولت فرحة الزوجة إلى حزن أبدي.
ابتسامةُ الفرح تنقلب إلى عويل وصراخ
تحولت الأفراحُ إلى أحزانٍ في لحظة غير متوقعه بجريمة أبادت أسراً بأكملها الأب والابن والزوجة والأخ والعريس والعروستين ونتج عنها جرحى ومكلومين من الأُسْرَة والمواطنين بتلك الجريمة التي أصابتهم والتي ارتكبها العدوان السعوديّ الأمريكي الذي أوصل الحزن إلى كُلّ قلب، حيث تحول العرس من فرحة إلى نكبة وحزن دائمين لا نهاية لهما وأصبح الجميع في ذعور شديد مما حدث؛ لأَنَّهم شاهدوا طيران العدوان يحلق فوق جبل بحضان الذي يبعد حوالي ثلاثة كيلومترات من قرية سنبان وعاود التحليق مرتين فوق منزل عمي هكذا تحدث محمد السنباني، مبيناً أن المرة الثالثة قصف طيران العدوان حفل الزفاف وحول الفرح إلى حزن واستمر بتحليق بعد القصف وحول ابتسامة الفرح إلى عويل وصراخ فقدنا الأهل والأحبابَ وخسرنا الأصحاب.
نجاةُ أُمِّ العروس من الموت؛ بسببِ شنطة ابنتها
وأشار المهندس محمد السنباني في حديثه للصحيفة أن زوجةَ المصري أم الشهيدة العروس (جميلة) هي الوحيدة الناجية من بين 16 امرأةً من قرية الخربة كن في غرفة واحده في الطابق الثاني والتي خرجت الإحضار شنطة ابنتها العروس بعد أن أدخلتها الي الغرفة من إحدى السيارات وكان هذا سبباً في نجاتها من الموت المحتوم ولكنها تعرضت لإصابات متفرقة بشظايا في الوجه والراس وهي الآن تعاني من حالة نفسية صعبة وسيئة جداً اكتئاب واضطرابات في النوم وفقدان حاستَي الشم والطعم ونسيان سريع وعدم تمييز للأشياء من حولها؛ بسببِ تلك الجريمة التي جعلت منها امرأة تعاني إلى آخر حياتها.
جريمة لا تنسى
وقال المهندس السنباني: إن هناك الكثير من الناجين يعانون من مشاكلَ نفسية وهناك جرحى يعانون من جروحهم منزل مدمّــر وقهر مستمر وقصة مضمونها الجريمة حروفها وكلماتها تتجدد كُلّ يوم بذكرياتها المكتوبة في ذاكرة الأجيال والمرسومة في المتضررين والجرحى الذين ما زالوا يعانون إلى الآن، مشيراً إلى أنه كلما يتذكر تلك الجريمة يبكي حرقةً على مشاعر الأطفال الذين يكبرون ويكبر معهم الألم؛ بسببِ فقدانهم آبائهم وأمهاتهم في تلك الجريمة، فكيف تنسى وأضرارها متواصلة إلى الآن في قرية سنبان سواء في الأهل أَو المنازل أَو المزارع وحياة أبناء عمي انقلبت رأساً على عقب وعريس فقد من يحب وخسر كُلّ ما وجد وأصبح الناجي منهم يسكن في النصف المتبقي من المنزل وكل ما خرج أحد رأى ركامَ المنزل وأصبحت الحياة صعبة فيها؛ لذلك لا يمكن نسيانها رغم عدم الاهتمام بجرحى ومواطنين قرية سنبان لا من الدولة ولا من المنظمات.
منظماتٌ تجاهلت القضية
ولفت السنباني إلى أن منظماتِ حقوق الإنْسَـان والمنظمات الدولية تجاهلت قضيتَهم رغم متابعتها ولم تعمل شيئاً لهم، مبيناً أن العدوانَ السعوديَّ ارتكب جريمة أُخْــرَى إلى جانب المجزرة وذلك من خلال كذبها بأن طائراتها لم تحلّق فوق محافظة ذمار ولم تقصف منزل العرس، وبعد أيام صرّحت أنها ضربت موكب للحوثيين كانوا يحملون السلاحَ، داعياً إلى محاسبتها بناءً على اعترافِها بكل وقاحة.
+++++++++++++++
تكاليفُ علاجنا تتجاوزُ الملايين.. العريس الناجي يستغيث
ومع مرور ما يقارب 3 سنوات على ارتكاب طيران العدوان السعوديّ لهذه الجريمة المروعة فإن تبعاتها الصحية والنفسية لا تزال قائمةً حتى اليوم لمن نجا مِن الموت وظل يحمل جرحَه وآلامَه معه إلى الآن.
وأكّد العريس الناجي من المجزرة أيمن السنباني، بأنه وشقيقه وشقيقته لا زالوا يعانون حتى اللحظة من آثار الجريمة التي استهدفت عرس الزفاف بسنبان، مبيناً أن الجريمةَ تسبب له وشقيقه بمرض السكري، بينما تعاني شقيقته من حالة صحية حرجة جراء تعرضها للحروق وكسر يدها وفقدان عينها والتي عادت من الأردن قبل ثلاثة أيام.
وبيّن المهندس أيمن السنباني في تصريحه لـ “المسيرة” أن إجمالي الخسائر المادية جراء العلاج تقدر بنحو 23 مليوناً و12 ألف دولار و400 ألف سعوديّ، مشيراً إلى تجاهل الجهات المعنية لمعاناتهم والدليلُ عدمُ تقديم المساعدات لهم وعدم الاهتمام بالجرحى الذين باعوا كُلّ ما تبقى من أملاكهم من أجل الحصول على العلاج، داعياً تلك الجهاتِ إلى تقديم المساعدة لهم لاستكمال علاج شقيقته التي أصيب جسدُها كاملاً بالحروق ولا تزال تخضَعُ للعلاج باهض الثمن.