حربٌ دوليةٌ مباشرة في الشرق الأوسط .. بقلم/ بسام أبو شريف
ليس مستغرباً أن ترتفعَ وتيرةُ التصريحات العدوانية التي يطلقها السياسيّون الإسرائيليون عشية الانتخابات، إذ يتزاحم قياديو التنظيمات والأحزاب الصهيونية ”وهي عنصرية وتوسعية وحاقدة على العرب “، وتتنافس في التصعيد ظنًّا منها أنه كلما زاد تطرفها زادت حصتها في البرلمان، لكن التنافس والصراع على المقاعد في هذه الانتخابات الإسرائيلية يختلف عن الأجواء التي سادت في الانتخابات السابقة، إذ تتساوى هذه الأحزاب في عنصريتها وكراهيتها للعرب ورغبتها في تهجير الفلسطينيين وضم الضفة الغربية والجولان، والتوسع الاستعماري الاستيطاني، ويرى المراقب لمواقف هذه الأحزاب أن البحث في مواقف معادية للفلسطينيين أصبح صعباً ”وهنا تكمنُ صعوبةُ التمييز لحزب على آخر”، ذلك أن كافة الأفكار العنصرية السامة قد تحولت إلى قوانين تسير أجهزة الدولة العنصرية على هديها ابتداء من تشريع قتل الأطفال وصولاً إلى تحويل تهجير عائلة فلسطينية من أرض تملكها ومن بيت تملكه، ومصادرة الأرض والبيت وتحويل ملكيتها لمستوطن، واقفال أبواب المسجد الأقصى أَو فتحها أصبح قانونا بيد المحتلّ، منع الصلاة للمسلمين والمسيحيين أصبح قانونا تفرضه قواتهم بقوة السلاح وهدم المنازل، وأخيراً وليس آخراً منع دفع رواتب أسر الشهداء والأسرى والجرحى والهجوم على سيارات الاسعاف وطواقمها بالسلاح أصبح مقرا، وكذلك إطلاق النار من قبل المستوطنين والجنود على أي فلسطيني يظنون أنه ينوي القيام بحركة ضد قوات الاحتلال.
والاعتقالات الواسعة والتي تتم ليلاً من المخيمات والقرى والمدن تتم دون أي عائق، وتمديد سنوات الاعتقال الاداري تتم دون تردد، ودون تقديم لوائح الاتهام أَو محاكمة، التعذيب في السجون وشن غارات مسلحة من قبل الجيش المحتلّ على زنازين المعتقلين أصبحت عادة دائمة، منع العلماء والشيوخ والمصلين من دخول الأقصى أصبح عدواناً يومياً.
ترتكب القوات الإسرائيلية والمستوطنون المسلحون (معظمهم جنود نظاميون)، جرائم يومية فهم يطلقون الرصاص ليكون مائلاً ” في الرأس والصدر والعنق”، على أطفال ومدنيين؛ لأَنَّهم ”ظنوا أن هذا الطفل أَو ذلك المدني كان ينوي الاعتداء عليهم”.
تبحث الأحزاب عن أفكار جديدة لخنق الفلسطينيين، وتحويل حياتهم إلى مأساة متصاعدة والجميع يعلم أن كافة الأحزاب تتطلع إلى قانون هدم الأقصى أَو بناء هيكل في ساحاته!!، وتهجير العائلات المقدسية بعد مصادرة منازلها كما يجري الآن في سلوان والشيخ جراح وبيت حنينا وشعفاط.
وبدأت إسرائيل بوضع يدها على مدارس الأونروا في القدس بحجة عدم اعتراف إسرائيل بالأونروا غير آبهة بالصدام مع الأُمَـم المتحدة.
التعبئة ضد العرب والفلسطينيين هي معركة تخوضها كُـلّ الأحزاب لذلك حظوظها في الأصوات نتيجة لهذه الحملة هي حظوظ متساوية، وهذا بالطبع ما يعلمه نتنياهو وحزبه وهذا بالطبع ما يعلمه نتنياهو وحزبه، نتنياهو يسعى بكل الطرق لأحداث الفارق من خلال مواقف سياسيّة وعسكريّة إقليمية وليس عوامل محلية، ولدى نتنياهو لائحة من الخيارات على هذا الصعيد:
ـ أوّلاً: توجيه ضربات للمواقع الإيرانية، ومواقع حزب الله في سوريا وما يحد من هذا الاحتمال موقف روسيا التي تعارض مثل هذه الضربات.
ـ ثانياً: توجيه ضربة لناقلة نفط تحمل نفطاً إيرانياً، وتأتي هنا حسابات ردود الفعل وقدرة إيران على الرد كعوائق.
ـ ثالثاً: على ضوء قرار الكونغرس المعارض لتزويد التحالف السعوديّ بالمساعدات العسكريّة في حرب اليمن تقوم إسرائيل بهذا الدور بطلب من ترامب مقابل لقاء علني رسمي بين نتنياهو ومحمد بن سلمان لتوقيع اتّفاق حول تزويد السعوديّة بالسلاح والذخائر لحرب اليمن.
ـ رابعاً: شن عملية عسكريّة واسعة في قطاع غزة، وما يناقشه الإسرائيليون هو حجم الخسائر المتوقعة؟! ويجعلهم يترددون، لكن نتائج زيارة روحاني للعراق ولقاءاته مع كافة المسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين، والتوصل لاتّفاقات بعيدة المدى يجعل من المعركة التي تشمل أرض العراق خياراً تدفع به الولايات المتحدة، وهذا يعني استهداف إيران وحلفاء إيران، أي محور المقاومة انطلاقا من قرار ضم الجولان واعتراف أميركا بذلك.
الرئيس ترامب يواجه مشاكل كبرى مع الكونغرس، وأصبح طاقمه المجرم (بولتون – بومبيو – اليوت ابرامز)، مكشوفاً لدى الرأي العام الأميركي وهو يواجه قصة خطيرة تتبلور بهدوء، وهو خيانة كوشنر للولايات المتحدة لصالح إسرائيل وقيامه بالتجسس لصالحها ونقل المحتويات السرية لملف الرئاسة لإسرائيل – وتبني آراء نتنياهو والضغط لتنفيذها هو وابنة الرئيس التي اعتنقت اليهودية، وأصبحت من أوائل المتعصبين للصهيونية وإسرائيل.
هذه المشاكل مضافة إلى مشكلة الجدار الحدودي وخسارة بوينغ في يوم واحد 14 مليار دولار سوف يؤدي إلى ركود في الاقتصاد الأميركي، وهو ما يحاول أن يعوضه ترامب من نفط فنزويلا وشرق الفرات والعراق.
لقد دفعت سياسات ترامب الأمور في الشرق الأوسط إلى تعقيد غير مسبوق مما جعل ساحة الشرق الأوسط ساحة لحرب بالواسطة بين الدول الكبرى، فهل نشهد هذا العام بعد كُـلّ ما جرى ساحة الشرق الأوسط تتحول إلى ساحة حرب مباشرة بين الدول الكبرى؟؟!
فمع جموح ترامب نحو مزيد من التطرف، ودعم إسرائيل قد لا يفيد الهدوء الروسي والحكمة الروسية وشعور روسيا بالمسؤولية كدولة عظمى، وقد تجد روسيا نفسها أمام خطوات جنونية يتخذها ترامب لا تجد روسيا بديلاً عن الرد عليها الصاع بصاعين.
الخياراتُ الأقربُ لنتنياهو
على الأغلب أن يكون خيار نتنياهو لجذب الأصوات هو ضم الجولان واعتراف أميركا بذلك، فهذا أن فعل يقطف ثمرتين بضربة واحدة، أي أنه يجسد أحلامه بضم الجولان، ويكسب مزيداً من الأصوات في الانتخابات، وهذا ما لا يمكن لأي حزب منافس أن يفعله؛ لأَنَّه ليس حزباً حاكماً.. نتنياهو والليكود هما المستفيدان انتخابيا من مثل هكذا خطوة.
ويبرز هنا فورا السؤال: ماذا سيفعل محور المقاومة إزاء ضم الجولان واعتراف واشنطن بذلك؟، فهذه الخطوة ”أن اتخذت”، ستعني أن مُخَطّط التقسيم الأميركي ينفذ بأعماق الجولان بإسرائيل وإقامة دولة أَو كيان كردي شرقي الفرات، ومعلوم (كتبنا عن ذلك سابقاً) أن الدراسات أثبتت وجودَ خزان نفطي وغازي استراتيجي في باطن الجولان، وأن شركة أميركية إسرائيلية أسست لاستثمار الأموال لاستخراج النفط والغاز من الجولان بعد ضمها، واسم الشركة جيني أويل GENIE OIL (ومجلس مستشاريها يضم ديك تشيني وزير الدفاع السابق، جاكوب روتشيلد، روبرت مردوخ ”ملك الإعلام الصهيوني”، وهذه أول مرة يوافق فيها روتشيلد على تسجيل اسمه في شركة.
أما نفط وغاز شرقي الفرات فهو ظاهر للعيان وعلى السطح ومعروف ن هكذا يخططون لنهب ثروات سوريا تحت عناوين كاذبة وزائفة، كافة المعارك التي خاضها ويخوضها ترامب هي معارك تتصل بالنفط والغاز، وتمت في جميع أنحاء الشرق الأوسط وفي أميركا اللاتينية.
السيطرة على النفط العراقي هي سبب الهجوم على العراق واحتلاله، ومعارك سوريا هي من أجل تقسيمه ونهب ثروته النفطية، وما يدور في اليمن وليبيا والآن في الجولان وشرقي الفرات.
نفط فلسطين تنهبه إسرائيل ونفط الجزيرة والخليج مهيمن عليه، والعراق تنهب ثرواته بقوة الاحتلال، ونفط شمال العراق يصل لإسرائيل وتنهبه أميركا وتتغاضى تركيا عن حصتها من السماح بنقله، ونفط اليمن تقوم قوات التحالف بارتكاب الجرائم للسيطرة عليه وضم صخرة بدي وحضرموت ومخازن النفط للسعوديّة.
ماذا سيفعل محور المقاومة للرد على هذه الخطوة التوسعية الجديدة؟
لقد جرى حديث كثير حول الردع والقدرة على الردع، وأن العدوان سيرد عليه بحزم.
العدوان الأَكبَـر هو التوسع والضم، فماذا سيفعل محور المقاومة؟
قلنا سابقاً، ونقول اليوم لابد من أخذ المبادرة بالهجوم الدفاعي، فاذا كنا نتوقع هجوما وتوسعا واحتلالاً علينا أن نضع الخطط اللازمة لتحويل صد الهجوم المعادي إلى هجوم كاسح دفاعي يلقن المعتدي درسا عمليا بتحرير الأرض وطرده منها، ووضع الخطط لمواجهة ما هو آتٍ أساسي لتثبيت مدماك المقاومة المحرّرة للأرض.
* مفكر وسياسيّ فلسطيني- رأي اليوم