لماذا يفشل تنفيذ اتّفاق الحديدة؟ بقلم/ إبراهيم السراجي
من يقرأْ الصراعَ القائمَ في اليمن على أنه صراعٌ يمني-يمني سيجدْ صعوبةً كبيرةً في تفسير الكثير من الأمور، أولها أسبابُ استمرارِ الحرب، وستواجهُه الكثيرُ من الأسئلة التي لن يجدَ لها إجابةً، بينها على سبيل المثال هذا السؤال: طالما لم يتمكّن أيُّ طرف من حسم الصراع لصالحه فلماذا لا تجدُ الأطرافَ المتصارعة حلاً وسطاً يجعل الجميع منتصرين ويقود البلادَ إلى الاستقرار والسلام والشراكة التي ترفع الظلم عن أي مكون أو حزب يمني؟
أما حين نقرأُ الحربَ القائمة على اليمن بأنها عدوان أجنبي ولمصالح دول أجنبية وبأهداف خارجية بشكل مطلق، حينها سنفهم لماذا شنت الحرب ولماذا يفشل تنفيذ اتّفاق السويد وعلى رأسه اتّفاق الحديدة وسنفهم لماذا بريطانيا وأمريكا حاضرتان بقوة في قيادة العدوان أكثر من ألمانيا مثلاً؟.
مضت قرابة أربعة أشهر منذ توقيع اتّفاق السويد الذي يتصدره اتّفاق الحديدة الذي يتعثر إلى يومنا هذا، وفيما يتعلق بهذا الأمر نطرح عدةَ نقاط للإيضاح:
أولاً: كان نصُّ الاتّفاق واضحاً للجميع وواضحاً بشكل أكبرَ للأطراف التي وقّعت عليه وللدول التي كانت حاضرة عبر سفرائها على رأسهم الأمريكي والبريطاني بأنه اتّفاق لأهداف إنسانية وليس اتّفاقاً سياسياً، وبالتالي فإنَّ الاتّفاقَ يهدفُ إلى إنهاء الوضع العسكري في الحديدة التي تضم الميناءَ الرئيسَ في اليمن والذي يغذّي أكثرَ من ثلثي سكان اليمن باحتياجاتهم لضمان تدفقها وتم تأجيلُ النقاش في القضايا السياسية أو مسألة الحل السياسي الشامل للمفاوضات القادمة بعد تنفيذ اتّفاق السويد.
ثانياً: آليةُ تنفيذ الاتّفاق كانت تهدفُ لإبعاد القوات العسكرية لكل الأطراف وإعَادَة محافظة الحديدة إلى وضعها الطبيعي قبل تعرضها للهجوم من قبل العدوان، بمعنى إبعاد ميناء الحديدة عن الصراع مع منح الأمم المتحدة دوراً في الرقابة إلى الموانئ والإيرادات؛ لسد ذرائع دول العدوان واستمرار تدفق البضائع والأدوية، ولم يتطرقِ الاتّفاقُ مطلقاً إلى أي تغيير في شكل أو نوع القوات الأمنية والسلطة المجلية والإدارة في المحافظة.
ثالثاً: قبلت قوى العدوان بالاتّفاق؛ لأَنَّ النظامَ السعودي كان في ذلك الحين ما يزال واقعاً تحت ضغط جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي وبالتالي لم تكن لدى العدوان النية الحقيقية لتنفيذ الاتّفاق وهو ما ظهر لاحقاً في اختراقات وقف إطلاق النار وفي ظهور شروط وبنود لم يتضمنها اتّفاق الحديدة أبداً.
رابعاً: كثفت وزارة الخارجية البريطانية مؤخراً تصريحاتِها السافرة بشأن اتّفاق الحديدة، بل وصرح وزير الخارجية البريطاني والسفيرُ البريطاني خلال الأيام الماضية ملوِّحَين باستئناف الحرب في الحديدة، متجاوزين بذلك دولَ العدوان وما يسمى الشرعية، بل إن بعضَ تلك التصريحات تضمنت قولَ الوزير البريطاني بضرورة تسليم ميناء الحديدة لقوات محايدة، وهو ما يخالف نَصَّ اتّفاق الحديدة حتى أن حكومة الفارّ هادي قالت ذلك أيضاً ولو من منطلق أنها أيضاً تطالب بأمور لم يتضمنها الاتّفاقُ كمطالبتها بتسليم الميناء لها، لكن السؤال: ما الذي يجعل وزير الخارجية البريطاني يطالب بقوات محايدة ويهددُ بالحرب رغم رفض الطرفين، أي الوفد الوطني ووفد العدوان؛ لمطالبته بقوات محايدة؟
الجواب بسيط أن لدى بريطانيا أجندةً خاصةً تسعى لتنفيذها؛ لأَنَّها ترى أن أمريكا مستقبلاً ستكون أمريكا بعد تعرضها لهزائم في الشرق الأوسط وظهور منافسين جدد، مجبرةً على التركيز على صراعها مع الصين وهو صراعٌ اقتصادي، وبالتالي ترى بريطانيا أن الفرصةَ مواتيةٌ لتحل محلَّ أمريكا والبداية من الحديدة والبحر الأحمر، وهنا يتأكّد لنا مجدداً أن استمرارَ العدوان سببُه أن الصراعَ ذاتَه في اليمن ليس صراعاً يمنياً- يمنياً بل عدوان أجنبي له أطماعٌ واضحة.