على طريق إصلاحِ القضاء .. بقلم د/ عبدالملك عيسى
هناك شروطٌ عديدةٌ لا بد أن تتوافرَ لنجاح أي عملٍ أَو تنظيم إداري، ومن هذه الشروط الانسجامُ بين فريق العمل والمواصفات الشخصية والكفاءة التي يتمتعُ بها هذا الفريق.
تتحقّــقُ هذه الفكرةُ عند النظر إلى التعيينات الأخيرة التي تمت في الإدَارَة القضائية، سواء في أمانة مجلس القضاء الأعلى، مرورا بهيئة التفتيش والنيابة العامة وحتى قطاع التوثيق بوزارة العدل، يعودُ هذا الأمرُ إلى حُسن الاختيار من قبل القيادة السياسيّة ممثلة في الرئيس مهدي المشّاط وفريق عمله، ويبدو من خلال الأسماء التي تم تعيينها أن هناك دراسةً متأنِّيةً للفترة الماضية وتقييماً دقيقاً لمسارها، فقد استطاع المجلسُ السياسيّ الأعلى أن يختارَ مجموعةً من الأسماء التي تحقّــق شرطَ الانسجام الإداري، كما تمتعها بالكفاءة المهنية والنزاهة الشخصية، فأغلبُ الأسماء لديهم تجاربُ عريقةٌ في العمل بمجال القضاء والإدَارَة القضائية، وتم تجربتُها وأثبتت كفاءة ونزاهة وإخلاصاً، وهذا لا يقلل بالمطلق من سَلَفِهم.
الميزةُ في هذه الثورة القضائية والتغيير في هذه المناصب أنها أتت بعد ركود ملحوظ في عملية الإصلاح القضائي، ويبدو أن القيادة السياسيّة عازمةٌ بقُــوَّة على إيلاء هذا الموضوع الاهتمامَ المطلوبَ، وما هذه التغييرات إلا رسالةٌ قويةٌ لمجلس القضاء الأعلى وكل الهيئات التابعة له بالمضي في سبيل تطوير القضاء وإنهاء كافة الاختلالات التي يعاني منها المواطنُ والشروع في التعديلات القانونية المطلوبة التي تلبي حاجاتِ المتقاضين وتمنع المفسدين وخَاصَّــةً أن مجملَ الأسماء التي تتشكل منها الإدَارَةُ القضائية الحالية في التعيينات الأخيرة أَو السابقة تتمتعُ بالصدقية والكفاءة والإخلاص ولم يعد المجال متاحاً للتعلل بخلافات هنا أَو صلاحيات هناك فالإدَارَة القضائية كُلٌّ لا يتجزأ ومنظومة متكاملة تؤثرُ على المواطن وتتأثر بما يجري بمحاكم ونيابات الجمهورية ولم يعد المواطن في وارد الصبر والقبول بالتحمل، وهذا ما أدركته القيادة السياسيّة.
الإدَارَةُ القضائيةُ اليوم مفترَضٌ منها البدءُ في ورشة إصلاح قانونية لتضعَ يدَها على مكامن الخلل وأسباب تطويل القضايا وتحسين مخرجات معهد القضاء العالي، ولا مجال هنا لتنازُع صلاحيات والتمسك بنصوص تفسر على قياس أشخاص.
تتزامن هذه التغييراتُ مع خطورة رمزية بالغة الدلالة وهي إقرارُ الرؤية الوطنية لبناء الدولة والقضاء وتحقيق العدالة ركنٌ جوهري في هذه الرؤية، وأعتقد أن القيادةَ القضائية لديها هذا الإدراكُ والوعي بأهميّةِ تزامُنِ الخطوتين وما المطلوب إنجازُه وتحقيقُه في هذا المجال.
صحيحٌ أن القضاءَ لديه القدسيةُ والاستقلاليةُ، ولكن من المهم أن يعلمَ القائمون عليه بتأثيره الهائل على مختلف مناحي الحياة وتماسِّه المباشر مع المواطنين وأجهزة الدولة ومراكز الشرطة والمظالم والمعاناة للمتقاضين فشرطُ بقاء الدول هو صلاحُ القضاء وحُسْنُ تطبيق القانون.