ماذا لو مسجدا بدر والحشحوش في نيوزيلندا؟! بقلم/ علي المحطوري
عنوانُ المقالة هو تساؤلٌ عفوي خطر على البال مع مشاهدة رئيسة حكومة نيوزيلندا (جاسيندا أرديرن) تقودُ حملةُ تضامن واسعة النطاق مع ضحايا المسجدين الذين تعرضا لهجوم إرهابي في بلدها يوم الجمعة، 14 مارس 2019، وفي الجمعة، التالية (أمس) حضرت بنفسها إلى (مسجد النور) لتشاركَ مع جموع المصلين الذين توافدوا من عموم نيوزيلندا تأبينا للضحايا، ووجهت برفع الأذان في وسائل الإعلام الوطنية (التلفزيون والإذاعة)، واتخذت جملةً من السياسات التي تصبُّ جميعها في الحفاظ على السلم الاجتماعي في بلدها.
جاسيندا نالت احترامَ العالم؛ لكونها تعاملت بعقلية الدولة الضامنة حقوق جميع مواطنيها أياً كانت انتماءاتهم الدينية والعرقية، وحالت بإجراءاتها العلاجية السريعة دون تأجج مشاعر الكراهية بين مكونات شعب نيوزيلندا.
جاسيندا هي مسيحية ديانةً، لكنها على رأس الحكومة تصرفت كإنْسَــانة مسؤولة عن حماية مواطنيها جميعاً.
ومن جزيرة وادعة نائية في قارة استراليا.. تمكّنت جاسيندا أن تقدم بلدها إلى العالم على خلاف الصورة الدموية التي أرادها المجرم الإرهابي الذي هجم على المسجدين وقتل قرابة 50 مصليا.
إن هجوم 14 مارس 2019م في نيوزيلندا ذكرنا -نحن اليمنيين- بتفجيرات المسجدين (بدر والحشحوش) في 20 مارس 2015م.
هجومُ نيوزليندا ظهر المتورطُ فيه شخصاً واحداً، وقانوناً فإنَّ احتمالَ ارتباطه بأجهزة مخابرات دولية -كأمريكا وإسرائيل مثلا – بحاجة إلى أدلة ملموسة، إنما هناك حديث في بلاد الغرب عن تصاعد ظاهرة اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين وللمسلمين منهم بشكل خاص فيما يسمى بظاهرة (الإسْــلَام فوبيا) أي ظاهرة الخوف والتخويف من الإسْــلَام والمسلمين، وأمريكا وإسرائيل متورطتان في تأجيج تلك الظاهرة لأهداف لا تخفى على القارئ.
أما تفجيراتُ المسجدين (بدر والحشحوش) – والتحقيقات لم تُنشَرْ بعدُ- فالقرائنُ تشيرُ إلى أن ثمة تورطاً سعوديًّا في ارتكاب تلك المجزرة الرهيبة، وكانت بمثابة التمهيد للعدوان الذي وقع عشية 26 مارس 2015، وأول تعزية خارجية في ضحايا المسجدين كانت عبارة عن غارات جوية هي الأولى سعوديًّا على اليمن استهدفت أول ما استهدفت مطار صنعاء الدولي وحي بني حوات المجاور.
بوقوع العدوان الكبير الذي صار يُعرَفُ بالعدوان الأمريكي السعوديّ وامتداده لأربع سنوات وها نحن على أبواب العام الخامس وما حصل من جرائم ومجازر – ربما يكون قد أنسى الناس مجزرة المسجدين التي لا مثيل لها في المنطقة وربما عالمياً سواءً في طبيعة التنفيذ أو فيما أسفرت عنه التفجيرات من ضحايا وصل عددهم إلى أكثر من 150 شهيداً، وعشرات الجرحى، ناهيكم عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بمسجدي بدر والحشحوش، وهناك مسجد الإمام الهادي في صعدة، وقد حالت عنايةُ الله والحس الأمني لدى أحد حراس المسجد- دون وقوع كارثة أُخْــرَى في صعدة.
بالنسبة لتفجير مسجد بدر، فقد كان الهدف الرئيس منه هو تصفية خطيب المسجد الدكتور العلامة المرتضى بن زيد المحطوري، وقد نال الشهادة على منبره، وطار الأعداء فرحاً في قنوات إعلامهم بإسكات صوت ظل ولقرابة أربعين عاماً ينشر المحبة والسلام، ويحذر من تنامي التيار التكفيري الوهابي في اليمن وفي العالم الإسْــلَامي بشكل عام.
الدكتور المرتضى –يا سادة يا كرام- لم يكن استهدافُه عبثاً وإنما عن إدراك لدى الأعداء بأنه شخصيةٌ محورية بين علماء اليمن الذين واجهوا حملات وهبنة المجتمع اليمني، وأن تصفية الدكتور المرتضى شرطٌ من شروط نجاح العدوان العسكريّ.. هكذا خطط الأعداء ونفّــذوا مُخَطّطهم بكل بشاعة وفظاعة.
وفي المقابل ونحن في الذكرى الرابعة لتفجيرات المسجدين (بدر والحشحوش) واستشهاد جمع عريض من المصلين في مقدمتهم الدكتور المرتضى المحطوري.. أين هي جاسيندا النيوزيلندية التي تنزلُ بكامل حكومتها لتحتضن مواطنيها، وتعمل على رد الاعتبار للمسجدين وتجعلُ مما حَـلّ بهما من كارثة فرصةً لاستعادة الروح الإنْسَــانية، والقيم المشتركة، وتكريس مفهوم الدولة والمواطنة.
ماذا لو كان بدر والحشحوش في غير اليمن..؟ وماذا لو كان الدكتور المرتضى خطيباً على منبر من منابر نيوزيلندا..؟
نعذركم أن جراح اليمن تنزف ولا تزال جراء العدوان، ولكن لا تتركوا الآخرين المسيحيين يتفوقون إنْسَــانياً!
أين جامعة صنعاء من أحد أهم وأبرز كوادرها، وأين الحكومة الموقرة، وأين وأين.. أعيدوا الاعتبار لضحايا مسجدي بدر والحشحوش.
تذكّروا بأن الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري.. من أوائل من تصدى لحملة وهبنة المجتمع اليمني، ومن أوائل من استنهض الهمم لترتقي إلى مستوى الأمم!
إلى الآن لا يزال الاحتفاء بذكرى استشهاد الدكتور المرتضى وشهداء المسجدين مقتصرا فقط على جهود مركز بدر العلمي، أو المجلس الزيدي الإسْــلَامي، وكأنما شهيد المنبر محصوراً على هذه الجهة أو تلك، لا أنه عالم وهب كُــلّ حياته لليمن والإسْــلَام.
إن الدكتور المرتضى وهو الزيدي فقهًا وثورةً، فهو الشافعيُّ أخوةً، واليمني وطناً، وهو القبيلي حميةً وغيرةً، وهو المسلم رسالةً، والإنْسَــان تطلعًا، والاهتمام به وبإحياء ذكرى استشهاده بالشكل اللائق هو تكريس للهوية الإيمانية اليمانية التي كان من أوائل المدافعين عنها في مواجهة الزحف الوهابي.
ما نؤمله هو أن يتم التعاطي بمسؤولية أكبر، مع اليقين بأن الأبطال في الجبهات هم بثباتهم وجهادهم ينتصرون لكل قطرة دم يمنية سقطت ظلماً وغدراً وبغياً وعدواناً.
لتكن ذكرى المسجدين (بدر والحشحوش) منطلقاً سنوياً لإعَادَة الاعتبار للشهداء جميعاً وللكوادر الوطنية التي ذهبت غيلةً في سلسلة جرائم اغتيال نفّــذت بغرض إفراغ اليمن من رجالات العلم والدولة.
الالتفاتة المسؤولة مطلوبة، حتى لا تجعلونا نقولُ: ليتنا كنا مواطنين لدى جاسيندا النيوزيلندية!