النضال اليمني من انطلاق الثورة إلى اندلاع العدوان .. بقلم/ علي الدرواني
منذ قديم الزمن لم تتوقف المؤامراتُ على اليمن نظراً للاهمية التي تتمتع بها سواء من حيث موقعها الاستراتيجي أو الثروات التي تزخر بها أو حتى من حيث الثقافة النابعة من التزام شعبها بمبادئ الدين الإسْــلَامي العظيم.
ولا يخفى كيف عملت القوى الدولية والإقليمية على إنتاج أنظمة تابعة لها وحكومات تنفّــذ أجندتها في اليمن خلال العقود القليلة الماضية إلى أن انطلقت شرارةُ الثورة الشعبيّة الشبابية السلمية في العام 2011 المنادية بالتحرّر والاستقلال ورفض الوصاية والتبعية للخارج، بمشاركة واسعة من كُــلّ أطياف الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً.
نجحت الثورةُ الشعبيّةُ الشبابية السلمية في هز عرشِ النظام وتفكيكه وانقسامه على نفسه، وكادت تقضي عليه لولا تدخل الخارج عبر فرض المبادرة الخليجية التي هدفت للقضاء على ثورة التحرّر، والابقاء على النظام والمصالحة بين أطرافه ليستمر في تنفيذ أجنداتهم المرسومة لليمن، تمزيقاً وتفكيكاً وإضعافاً.
وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل النظام الهجين من السلطة والمعارضة، بعيداً عن شباب الثورة، ونكوصاً على أهدافها، استمر شبابُ الثورة في الساحات تعبيراً عن رفض المبادرة الخليجية ومنتجاتها، واستمرت الأنشطة الثورية التوعوية والتحشيدية والتصعيدية في وجه النظام الجديد القديم.
إبان الثورة كانت القوى السياسيّة تنادي بحوار وطني شامل للتعامل مع مرحلة ما بعد سقوط النظام، وهي النقطة التي اتفقت عليها كُــلّ القوى السياسيّة سواء في السلطة أو المعارضة بما فيها كُــلّ قوى الثورة وشبابها، وهو الأمر الذي لم تستطع تجاوزه المبادرة الخليجية.
دخلت البلاد في مرحة الحوار الوطني، وكانت السلطة الجديدة ترتب الساحة بعيداً عن مؤتمر الحوار، مستخدمة أدوات كثيرة أمنية وعسكريّة وسياسيّة، وبالمقابل كانت قوى الثورة متنبهة لذلك فكانت الخطوات الثورية مستمرّة أَيْـضاً.
وخلال التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل ونظراً لحالة الضعف والهشاشة التي كانت عليها المبادرة الخليجية أمام تطلعات الشعب اليمني وروحه الثورية المتقدة عقدت القوى الدولية جلسةً لمجلس الأمن في صنعاء اواخر يناير 2013 لنفخ المبادرة الخليجية ودعمها رغم معارضتها لأهداف الثورة وتطلعات شبابها.
انعقد مؤتمر الحوار الوطني في الفترة من 18 مارس 2013 إلى 25 يناير2014، شاركت فيه كُــلّ القوى السياسيّة والثورية بما فيها أنصار الله والحراك الجنوبي، الأمر الذي دفع قوى معينةً للتشويش على مشاركة أنصار الله وإشغالها بحروب حروب داخلية مستخدمة الأدوات التكفيرية في دماج وكتاف، وبعض القوى القبلية والتابعة لأولاد الأحمر وحزب الإصلاح، وبإيعاز ودعم عسكريّ ومالي كبير من جارة السوء السعوديّة، ولكنها فشلت وتهاوت بشكل سريع أمام يقظة أبناء الشعب اليمني، وتكاتفه ووعيه.
كانت هناك الكثيرُ من الأمور التي حازت على إجماع المتحاورين في موفنبيك، عدا أهمّ مسائل الحوار والمتعلقة بشكل الدولة والنظام فيها، حيث كانت جميع القوى السياسيّة ترفض فكرة هادي بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، فاستخدم هادي كُــلّ أوراقه للضغط على القوى المتحاورة للقبول بفكرته، وجاء الهجوم على مجمع الدفاع في صنعاء يوم الخميس 5 ديسمبر 2013، وحسب مراقبين قرأوا الحدث حينها كانت تلك واحدة من أوراق هادي، وكشفت تسجيلات لهادي مع مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك تؤيد تلك الاستنتاجات.
وعلى كُــلّ حال فقد تميزت هذه الفترة باغتيال الكوادر الوطنية والعسكريّة والأمنية، والهجمات الإرهابية على المقرات العسكريّة والأمنية في العاصمة صنعاء، وغيرها من المدن، لاسيما جنوب البلاد.
وأمام كُــلّ تلك الأحداث لم يبرح شباب الثورة ساحاتهم، وظلوا حاملين مشعل الثورة متقدا تحسبا للانقلاب على نهج الثورة وتضحيات شهدائها، وكانت شوارع صنعاء وبعض المدن الرئيسية الأُخْرَى تشهد كُــلّ يوم جمعة مسيرات أسبوعية تذكر بالثورة وأهدافها وتحذر من تجاوزها.
وبفعل حكمة قيادتها وحيوية شبابها نجحت الثورة الشعبيّة في تجاوز كُــلّ العقبات والعراقيل التي كانت تضعها القوى الخارجية في وجه الاستقلال بدءا بالمبادرة الخليجية وليس انتهاء بمشروع الدستور المشوه والتفتيتي وسدّدت لها الضربة القاضية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 الذي توج بتوقيع كافة القوى السياسيّة على اتّفاق السلم والشراكة الوطنية كعلامة ناصعة على الأهداف النبيلة للثورة والرامية إلى شراكة كُــلّ الأطراف في قيادة البلد وصناعة حاضره ومستقبله.
هذا التوجه لم يرق لدول اعتادت على ممارسة حق الوصاية على يمن الايمان والحكمة لتبدأ حينها في حياكة فصول جديدة من المؤامرة والمُخَطّطات الخبيثة والتي بدأت تأخذ مسارات التصعيد الأمني والعسكريّ والتأزيم السياسيّ
وفي محاولة لكبح جماح الثورة وإعَادَة اليمن تحت نير الوصاية الدولية أصدر مجلس الأمن قراراً يضع اليمن تحت الفصل السابع لتعلن نفسها وصية على البلاد باسم القانون الدولي
وبالتالي سعت دول الوصاية أو ما سمي برعاة المبادرة الخليجية إلى الإسراع في انضاج طبخات التآمر والتفكيك بإنتاج مسودة دستور مشوه بعيداً عن مخرجات الحوار والتوافق الوطني
وتزامن ذلك الاخراج المستعجل مع وضع مُخَطّطات تفكيك وشيطنة قوى ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ومحاولة عزلها عن الجماهير، وبناء تحالفات مناوئة لها وأن بجمع الفرقاء الألداء من اركان النظام السابق بفروعه السياسيّة والعسكريّة والقبلية والدينية، وهذا ما أثبتته وثائق بن مبارك عندما اوقفته اللجان الشعبيّة في صنعاء 17 يناير 2015.
دفعت قوى الشر نحو ارباك المشهد السياسيّ واجبار هادي وحكومته على الاستقالة في ظرف حساس بغية إظهار فشل قوى الثورة في تحمل المسؤولية أمام الشعب عبر ادخال اليمن في فراغ سياسيّ ودستوري وتحميل القوى الثورية مسؤولية ذلك الفراغ
ولضرب الروح الثورية أوعزت قوى الشر المتربصة باليمن لأدواتها التكفيرية باستهداف العمق الاجتماعي للثورة بتفجيرات متوحشة هزت صنعاء في مسجدَي بدر والحشوش وحصدت المئات من الشهداء والجرحى بينهم شخصيات بارزة وقيادية كبيرة.
بالتوازي مع كُــلّ هذه المؤامرات والمُخَطّطات كانت أقدام الثورة تمشي واثقة الخطى نحو الأهداف المرسومة لها للتحرّر والاستقلال التام والتنمية والسير في طريق
وبالتوازي أَيْـضاً كانت قوى الشر في المنطقة وعلى رأسها الرياض وكيان العدوّ الإسرائيلي في واشنطن تتنقل بين البنتاغون والبيت الأبيض وأجهزة المخابرات والمؤسّسات المعنية بحثا عن ترتيب خطط عسكريّة بديلة تكون جاهزة في حال فشل المُخَطّطات السابقة الذكر.
فكانت ليلة السادس والعشرين مارس 2015 هي اللحظة الفارقة والتي أيقن العدوان حينها بأن كُــلّ جهوده قد فشلت في إعَادَة عجلة الثورة أو إيقافها وقرّر بدء التدخل العسكريّ لفرض أجندته بالقُــوَّة.