قناة المسيرة.. سبع سنوات من العطاء والمواجهة .. بقلم/ حميد رزق
الثالث والعشرين من شهر مارس 2019 الذكرى السابعة لتأسيس قناة المسيرة، في ذات اليوم والشهر من عام 2012 بدأت القناة بمكتب وحيد وبسيط في محافظة صعدة وانطلق البث التجريبي من شقة بسيطة في بيروت بكادر يمني 100% عدا بعض الفنيين في مجالات الهندسة والاتصالات التي من الطبيعي أن يبدأها مختصون قبل انتقال الخبرة إلى شباب يمنيين امتلكوا من المهارة والخبرة ما جعلهم مؤهّلين لاستلام الجانب التقني والنفي بشكل كامل.
انطلقت قناة المسيرة بشباب يمنيين ثوار ومجاهدين، بعضُهم بدأ من ساحات الثورة في صنعاء والبعض الآخر كان جزءاً من المشهد الصحفي والإعلامي اليمني، والقاسم المشترك بين الجميع أنهم حديثو العهد بالإعلام المرئي والمسموع.
كادرُ المسيرة هم الشباب اليمنيون الذين تزدان بهم شاشتُها بشكل يومي في مختلف البرامج والفترات الإخبارية، بداياتُهم كانت متواضعةً وبإمكانات محدودة، لم تصقل قدراتهم وتتقدم بمهارتهم سوى التجربة والانطلاق في ميدان العمل كغيرهم من المجاهدين في بقية الجبهات ممن لم تمهلهم الظروف للاستفادة من فرص التأهيل والتدريب الكافية، فكان ميدانُ الجهاد والعمل هو ساحةَ التدريب والتطوير الذي بات ملموساً في قناة المسيرة كغيرها من مجالات العمل والبناء والمواجهة التي يتحَـرّك فيها المجاهدون والثوار في المجالات المختلفة.
تأسيسُ قناة المسيرة كان ضرورةً حتميةً في فترة ما بعد الربيع العربي التي أتاحت المجال للأطراف كافة للتعبير عن نفسها، وكان تيارُ أنصار الله أكثرَ القوى السياسيّة والاجتماعية التي تعرضت لحملات تشويه كبيرة بدءاً من مرحلة ما قبل العام 2004 وهو العام الذي دشّن فيه النظام حروبَه العبثية ضد محافظة صعدة وصولاً إلى حملات التشويه المتواصلة ضد أنصار الله ومشاركتهم في الثورة الشعبيّة السلمية.
كان من الطبيعي أن تبدأ المسيرة مراحلَها الأولى خارج اليمن نتيجة القمع ومصادَرة الحريات، فلم يسمح النظامُ بالنشاط السلمي والمدني لأنصار الله وظلت الملاحقة والسجون والاغتيالات تترصّدُ نشطاءهم وقيادتهم بتنفيذ من أطراف داخلية وخارجية نافذة، ولم يكن لهذه القناة أن ترى النورَ في ظل سيطرة السلطة المرتهنة للوصاية الأمريكية والسعوديّة فكان خيار فتح مكتب في بيروت بالإضافَة إلى مكتب صعدة الذي كان يفتقرُ إلى التجهيزات الفنية والتقنية المطلوبة، قبل أن تتاح الفرصة لافتتاح مكاتب في صنعاء ومحافظات أُخْــرَى.
ومنذ انطلاقتها قبل سبعة أعوام لم يكن أمام كادر المسيرة فسحة من الوقت للراحة والاستجمام ففي انتظارهم أعباء كبيرة؛ كون هذه القناة تمثل الجبهة الأولى التي يُعَوَّلُ عليها مواجهة أشدّ وأعظم حملات الشتوية والإساءة التي يتعرض لها مجتمعُ أنصار الله بعدما رسم له الإعلام السلطوي والحزبي صورةً نمطية مشوّهة فكانت المهمة مزدوجة: تصحيح الصورة المغلوطة التي راكمها إعلامُ النظام في سنوات سابقة، وفي ذات الوقت مواكبة يوميات الثورة ومواجهة الحملات التشويهية المتواصلة التي لم تتوقفْ ضد أنصار الله والثورة الشعبيّة بل ازدادت شراسةً وإسفافاً وبذاءة.
كادرُ القناة بدأ قليلاً ومتواضعاً، لكن الهمم عالية فنجحت القناة في أول أَيَّام انطلاقتها في لفت الأنظار وشد الناس إليها فصارت منبراً يومياً لا يستغني عنه اليمنيون بمختلف توجهاتهم؛ باعتبارها لسانَ أنصار الله والكثير من الناس يتطلعون إلى معرفة “من هم الحوثيون” كما يتحدثون عن أنفسهم ومن خلال تقييم خطابهم الإعلامي.
قناة المسيرة كانت ولا تزال قناة الثورة بامتياز، فبعد العام 2012 وتوقيع المبادرة الخليجية حملت القناة وكادرها مشعلَ الثورة وواكبت ساحاتِ الاعتصام بعد انقلاب الأحزاب على ثورة الشباب وتوقيع المبادرة الخليجية، وبعد ذلك شاركت المسيرة بفعالية في تغطية جلسات مؤتمر الحوار الوطني، وبعد هروب السلطة وأحزابها من استحقاقات الحوار ونتائجه كانت قناة المسيرة ضمير ثورة 21 سبتمبر وصوتَها ومثّلت واحداً من أهمّ عوامل انتصارها، واستنهضت اليمنيين في مختلف الساحات، وعبرها قاد السيدُ عَبدالملك بدر الدين الحوثي ثورة 21 سبتمبر وواكب الجماهيرَ أوّلاً بأول وصولاً إلى إعلان نجاح الثورة وإقامة الاحتفال الحاشد بالمناسبة في ميدان التحرير نهار الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 م.
واصلت القناة مواكبة مراحل ما بعد انتصار الثورة ومن ضمن ذلك معركة الجيش واللجان الشعبيّة ضد عناصر تنظيم القاعدة في مختلف المحافظات، بالإضافَة إلى التطورات السياسيّة التي بدأت بتوقيع وثيقة السلم والشراكة وَانتهت بمؤامرة الخارج لإفشال هذا الاتّفاق وصولاً إلى استقالة عَبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح.
ما كاد فريق المسيرة المتواضع يتنفّس الصعداء عقب ثورة 21 سبتمبر حتى اندلع العدوانُ السعوديّ الأمريكي في 26 مارس 2015 فتعاظمت المسؤولية وكبرت التحديات، ومن جديد وجدت المسيرةُ نفسَها في مقدمة الجبهة الإعلامية، تنتظرُها مهام واسعة في معركة إعلامية شرسة وكبيرة لمواجهة آلة العدوّ الإعلامية الجبارة بإمكاناتها المادية والبشرية، فبالإضافَة إلى إعلام أكثر من 15 دولة تشارك رسمياً في العدوان، فإن الإعلام الدولي والعالمي يدور في فلك التوجهات الأمريكية والغربية الرافضة للثورة اليمنية والتي تناصبها العداءَ الشديدَ والخصومة الحادة.
بعد بدء العدوان توجهت الأنظار أكثرَ من ذي قبلُ إلى قناة المسيرة فكانت الخبر اليقين، والكلمة الفصل، والحقيقة الناصعة، والمنبر الشجاع الذي لا يكل ولا يمل، لم يتسلّل إليه الضعف والوهن في أية مرحلة من مراحل المواجهة –وبالإضافَة إلى دورها الإعلامي كانت المسيرة جبهةَ الاستنهاض ورفع المعنويات والتعبئة العامة ومنبر التوعية والتثقيف السياسيّ والديني- فارتقت بوعي المجتمع اليمني وكانت بالنسبة للكثيرين مدرسة ثقافية وسياسيّة وإعلامية رائدة، رفدت ثقافة الصغير والكبير والمرأة والرجل واهتمت بنقل وعرض الثقافة القُــرْآنية من خلال محاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ومحاضرات السيد القائد عَبدالملك بدر الدين الحوثي السياسيّة والثقافية.
المسيرة نافذة اليمن نحو الخارج –يمن الحضارة والحرية والثورة والاستقلال– يمن الانحياز إلى القضايا العربية والإسْـلَامية ويمن مقارعة الظلم والاستكبار ومعسكر الرجعية والامبريالية، وأصبحت حاضرةً ومتابَعةً في العالم العربي والإسْـلَامي من العراق إلى لبنان وسوريا وفلسطين ومصر والسودان وبلدان المغرب العربي، فضلاً عن دول الخليج خَـاصَّـةً السعوديّة، تنقل مظلوميةَ اليمن وبطولات مجاهديه وجيشه ولجانه إلى الفضاء العالمي كاسرةً قيودَ الحظر والتعتيم الإعلامي، كما سجلت القناة حضوراً في الدول الأوروبية والغربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال التقاط بثها عبر الأقمار الصناعية أَو بواسطة البث المباشر في شبكة الانترنت وفي موقع القناة وحساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي.
وبسبب دورها الرياد وتأثيرها الكبير، تعرضت قناة المسيرة لاستهداف متواصل وأعمال حجب لم تتوقف بين الفينة والأُخْــرَى وتعرضت للإنزال من الأقمار الصناعية سبع مرات متفرقة، وأمام الإصرار والهمة العالية كانت القناة تتجاوز الحجب في أوقات قياسية وتعاود البث مجدّداً على ذات الأقمار الصناعية الموجهة نحو المنطقة العربية.
أما في شبكة الإنترنت، فقد استمرتِ الحربَ على قناة المسيرة بنفس الشراسة، وإلى الآن لا يزالُ اليوتيوب شبهَ مغلقاً أمام القناة وبرامجها وكلما تم إنشاء قناة في هذا التطبيق سَرعانَ ما يتم إغلاقها، وكذلك الأمر في الفيس بوك وأحياناً في التويتر.
اضطرتِ القناةُ إلى تحديث موقعها الإلكتروني وتزويده بتقنية تحميل الحلقات والمواد المسجلة في برنامج خاص بالموقع لا سلطة للقراصنة عليه، الأمر الذي أسهم في توثيق المواد الإعلامية وإتاحة الفرصة أمام نسبة كبيرة من المتابعين عبر الشبكة العنكبوتية بَعيداً عن قرصنة الرقيب الإلكتروني المنحاز للأجندة الأمريكية الصهيونية..
إلى هنا ولم تنتهِ التحدياتُ أَو تتراجع الأعباء أمام قناة صدق الكلمة وكادرها في الداخل والخارج، فالعدوان على اليمن خلّف تبعاتٍ كبيرةً جداً، سواء على صعيد الكلفة الإنْسَــانية أَو في المجالات العسكريّة والأمنية وكذلك المِـلَـفّات الحقوقية والسياسيّة، الأمر الذي يتطلب المزيدَ من الوعي لأهميّة رسالة قناة المسيرة وضرورة الارتقاء بها لتواصلَ الريادة حتى لا تسبقَها التطوراتُ أَو تُضعِفَ من سرعة انطلاقتها جسامةُ المِـلَـفّات المفتوحة في كُــلّ اتّجاه.
* مدير البرامج السياسيّة