الرئيس المشّاط في مقابلته مع صحيفة الأخبار يكشف معضلة السلام .. بقلم/ عبدالملك العجري
المقابلةُ الهامةُ لمهدي المشّاط رئيس المجلس الأعلى مع جريدة الأخبار اللبنانية بمثابة مراجعة لمحصلة أربعة أعوام من العدوان قدمت صورةً بانورامية للمشهد اليمني، الحرب والسلام، الأمم المتحدة من الكويت إلى ستوكهولم، دور المجتمع الدولي، سيما أمريكا وبريطانيا، تحالف العدوان السعوديّة والإمارات وخلطة القوى اليمنية في سلة التحالف التي تتعارك كالجِراء المحشورة في كيس واحد.
المقابلةُ غنيةٌ بمواضيعها غير أني هنا أريد أن أركز على ما قاله في رده على سؤال الصحيفة هل نحن أمام فصل من فصول الحرب أم السلام؟ وكانت إجابته مصوبة بدقة عالية فعلى حدة أنه بحسابات العقل والمنطق والسياسة والمصلحة، يمكننا القول إن المرحلة مرحلة سلام،.. وإن الاستمرار في الحرب لن يكونَ في مصلحته (يقصد التحالف) بالمطلق. هذا طبعاً بحسابات السياسة والعقل والمنطق، كما أسلفت، ولكن بحسابات التجربة العملية مع تحالف العدوان بكل مكوناته، فإن الدخول في فصل جديد من الحرب يصبح هو التوقع الأقرب للحقيقة.
وهذه هي المعضلة الحقيقية التي تجعل تنبؤَ أو توقعَ مستقبل الحرب والسلام أمراً صعباً، فأحداثُها وَفصولُها تجري خارج المألوف ولا يكاد يحكُمُها منطقٌ، وفي بداية الحرب اعترف أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مقالة له بعنوان “لماذا ذهبنا نحن السعوديّين إلى الحرب في اليمن؟” أنه بالكاد اتضح للعامة وله شخصياً! لماذا قامت المملكة بشن الحرب في المقام الأول. وفي 2016م قالت مجلة ذا جلوباليست الأمريكية: “لقد مضى عام على بداية الحرب التي شنتها الحكومة السعوديّة على اليمن وحتى الآن لم تقدم السعوديّة ولو توضيحاً بسيطاً عن الأسباب التي دعتها إلى شن الحرب لتبدأ به أو لتدعم به دفاعها علناً لاتّخاذ قرار شن الحرب.
ومن هنا صعوبة توقع مستقبل الحرب والسلام، كما أشار الرئيس المشّاط، فأنت تواجه خصما لا يحكم تفكيره منطقٌ مألوف ويصعب تنبؤ أو توقع ما الذي يفكر فيه ويمكن توقع أي تصرف منه. لم يكن خطأ السعوديّة الوحيد تجاهلها لحقائق الأوضاع في اليمن وَإعلانها الحرب دون أن تبذل أي جهد حقيقي لتجنّبها مع أن هناك ألف طريق وطريق تجعل الحرب الخيارَ الأضعفَ بينها، ثم بعد ذلك لم تبذل أي جهد لتجنّب استمرارها وايقافها بعد أن تحولت لكارثة سياسيّة واقتصادية وإنْسَانية وأَخْلَاقية وعسكريّة وبدأت خياراتها تتضاءل عَاماً بعد عام.
وكما لم يكن ثمة منطق يبرر إعلان الحرب، لم يعد هناك أي مبرر لاستمرارها يوماً واحداً ومسار الحرب أثبت أنه عدمي من كُــلّ النواحي السياسيّة، إضافةً للكلفة الإنْسَانية الباهظة وتعذر الحسم العسكريّ والأضرار التي لحقت بسُمعة المملكة عربيًّا وإسْــلَامياً وعالمياً، وقد كشف مقتل خاشقجي كيف انفجر العالم بوجه الرياض وكشر عن أنيابه وأن مقتله لم يكن إلّا بمثابة الفتيل الذي اشعل النار في برميل البارود.
بكل الحسابات كما أشار الرئيس المشّاط، المنطق أن المرحلة مرحلة سلام والعالم كله تقريباً أصبح على قناعة تامة بذلك، الأمم المتحدة تقول إن الحَـلّ في التسوية السياسيّة الشاملة، المبعوث الأممي يقول نفس الكلام، مجلس الأمن يؤكد في كُــلّ بياناته على الحَـلّ السياسيّ الشامل، العالم كله يقول: الحَـلّ في اليمن من خلال تسوية سياسيّة شاملة، حتى بيان الرباعية في فبراير الجاري أكد على الحَـلّ السياسيّ الشامل.
لكن كما أشار المشّاط -ونتمنى أن يخيب توقعه – فإنه نظراً لطبيعة تفكير التحالف الخارجة عن المنطق فإن الدخول في فصل جديد من الحرب يصبح هو التوقع الأقربَ للحقيقة.
ما الذي حقّقته الحرب العدوان وهي على أبواب العام الخامس غيرَ نشر الخراب والدمار والتجريف الشامل الذي يستهدفُ اليمن الحياة والإنْسَان في واحدة من أَكْثَــرِ الحروب الانتقامية خسةً ونذالة ووحشية!!
هل أعادت هادي وما يسمونه “الشرعية”؟
لا عاد هادي ولا عادت عدن (حتى عدن التي يقولون إنها تحررت منذ أربعة أعوام) ولا عادت حكومة الفنادق.
وحدَهم المغتربون عادوا بدون حقوق، حتى سياراتهم التي اكتسبوها بكد عرقهم منعوها من العودة.
هل أنهوا الانقلابَ كما يسمونه أم صار لدينا عشراتُ الانقلابات وَفي كُــلّ مدينة وقرية وعزلة انقلاب وانقلابيون في عدن وفي حضرموت وفي شبوة وفي مأرب وفي تعز، حتى تلك المحافظات التي كانت بعيدةً عن الأحداث والمشاكل مثل المهرة وسقطرة؟!.
هل أزاحوا الميليشيا كما يزعمون أم مشلنوا مَن لم يتمشلن، وفي كُــلّ مدينة نشروا الميليشيات وكل ميليشيا تسيطرُ على مدينة ولا تقر لغيرها بأية سلطة أو شرعية، وحدَها حكومةُ الفنادق لا تحكم شبراً واحداً وليست لها من الشرعية إلّا ذلك الاعتراف الشكلي في بيانات الأمم المتحدة وتأكيدات الجامعة العربية في قممها الدورية السنوية.
لا يستطيع أحدٌ إنكارَ هذه الحقائق حتى أَكْثَــر مطبلي حكومة الفنادق غلوا.. كتب أحدهم أن عاصفة الحزم حقّقت أَهْــدَافها بنجاح، فعلى حَدِّه، أوقفت التوسعُ الإيراني في المنطقة وحركة المياه العربية الراكدة ونقلت العرب من الشعارات إلى مرحلة الفعل ودشنت واقع عربي جديد وافشلت المشروع الإيراني.. الخ
هذا الكلام نفسه قيل بعد عام من عاصفة العدوان، مر عامان ثلاثة أربعة ونفس الكلام يتكرر.. طيب اذا كانت قد حقّقت هدفها وعملت كل هذه العمايل فلماذا لا تتوقف المفروض ان تتوقف.. الا يفترض انها توقف قبل ثلاثة أعوام ما دامت حقّقت أَهْــدَافها؟ أم ستستمر تحقّق نفس الهدف كل عام دون توقف؟ وإلا فأن سنصحو بعد عشرة أعوام وهي تحقّق أَهْــدَافها دون أن تتوقف!!
وإذا كانت العاصفة كما قال بن دغر صحوة قومية أيقظت الخمول القومي من سباته… إلخ يعني العرب ناموا ناموا وناموا وعندما استيقظوا أعلنوا الحربَ على اليمن..، ثم أين هذه الصحوة من الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.. أليست القدس أرضاً عربية وأين هي من الجولان؟ أليست عربية.. لم يصحُ العرب إلا في اليمن فقط ثكلتك أمك يا ليتهم استمروا في رقدتهم.
ختاماً كان خطابُ المشّاط في مقابلته مع جريدة الأخبار خطابَ رجل دولة يعيش قضايا شعبه وهمومه، حريصٍ على وحدته وسلامة أراضيها و اليمنيون في عموم اليمن شماله وجنوبه مواطنون، ملتزم قانوناً وأخلاقياً بمسؤوليته تجاههم، خطاب يمد يد الأخوّة لكل القوى اليمنية بما فيها تلك المتورطة مع العدوان ويد السلام مع دول العدوان لأقصى حَـدٍّ، لكن في نفس الوقت يلوّحُ بأقسى الخيارات وأكثرها إيلاماً وإرباكاً وزعزعةً لم نستعملها إلى حدِّ الآن بحسبه.. مستشهدا بقول الشاعر العربي: «لو لم يكن حق الدفاع مقدساً.. ما كان للحمل الوديع قرون».