الرئيس المشّاط: المكاسبُ كلها في الصمود والمخاطر كلها في التراجع
المسيرة | خاص
أعلن رئيسُ المجلس السياسيّ الأعلى، مهدي المشّاط، أمس الثلاثاءَ، إطلاقَ الرؤية الوطنية لبناءِ الدولة المدَنية العادلة ومصفوفتها التنفيذية تحت شعار “يدٌ تحمي ويدٌ تبني” الذي أطلقه الشهيدُ الرئيسُ صالح الصمّاد.
وأكّــد الرئيسُ في خطاب هام ألقاه، أمس، بمناسبة اكتمال أربعة أعوام من الصمود في وجه العدوان، ودخول العام الخامس، أن الصمودَ اليمني مستمرٌّ، موجهاً التحيةَ لجماهير الشعب التي خرجت بحشود كبيرة في فعاليات الذكرى الرابعة للعدوان، وداعياً قوى العدوان إلى الانصياعِ للسلام في هذا العام واستئناف العملية السياسيّة.
وعبّر المشّاطُ عن الفخر والاعتزاز بالإنجازات التي حقّقها اليمن خلال السنوات الأربع الماضية في المجالات العسكريّة والأمنية والدبلوماسية، مؤكّداً على أن المكاسب كلها تكمُنُ في مواصلة الصمود لا غيره، مشيراً إلى أن هذه الحربَ العدوانية ارتدت على العدوّ وبات في حالةٍ بائسة يعاني التشظّي والتفكك.
ووجّه رسالةً للشرفاء والمناضلين في عموم المحافظات الجنوبية المحتلّة، مؤكّداً أن الشعبَ اليمني سيقفُ إلى جانبهم في وجه الاحتلال، وأن النصرَ سيكون حليفَهم.
رسائلٌ وتأكيداتٌ كثيرة تضمنها خطابُ الرئيس على مختلف المستويات.
ولأهميتها تنشُرُ صحيفة المسيرة نَصَّ الخطاب كاملاً فيما يلي:
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم..
الحمدُ لله القائلُ (وبَشِّرِ الصابرين)، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله القائل (الإيْـمَـان يمان) وعلى آله الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أصحابه المنتجَبين وبعدُ:
احتفاءً بصمود الشعب اليمني العظيم أربعةَ أعوامٍ في وجه الطغيان والعدوان الإقليمي والدولي.
باسمي واسم زملائي في المجلس السياسيّ الأعلى أَشكُرُ لكم حضورَكم المشرِّفَ الذي إن دل على شيء فإنما يَــدُلُّ على إيْـمَـانِكم بعدالة قضيتكم وحبِّكم العميق لوطنكم؛ لذا فإن الباطلَ لا محالة زاهقٌ، وأن الحَـقّ لا محالة منتصر.
ومن هذا المقام أتوجَّهُ بتحية إجلال وإكبار إلى رجال الله المرابطين في سوح الوغى، والذائدين عن شرف الحِمى، أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، والى كافة تشكيلات القُــوَّات المسلحة والأمن البطلة، وكل رفاق السلاح من عموم القبائل اليمن الأبية وإلى كافة الأحزاب والتنظيمات السياسيّة والاجتماعية والشخصيات العلمائية والثقافية والأكاديمية والإعلامية والدبلوماسية وكل الشرفاء من أبناء شعبنا اليمني الصامد المجاهد في الداخل والخارج.
يا جماهير شعبنا اليمني العظيم:
لقد مرّت أربعةُ أعوام من النضالات والتضحيات المجيدة في مواجهة الظلم والإرهاب والفساد وعلى طريق الدفاع عن الأرض والوطن والشرف، من أجلِ عزة وكرامة اليمن وذوداً عن سيادته واستقلاله، وأمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه.
نعم.. لقد مرت أربعُ سنوات عجاف؛ ولذلك كان كُــلُّ شهر من أشهرها وَأسبوع من أسابيعها، وَيوم من أيّامها وَساعة من ساعاتها، شاهدَ صدق على صمودكم وعلى نضالاتكم وتضحياتكم، وبرهاناً ساطعاً على صبركم وعزمكم وصلابة إرادتكم، وعلى ما حباكم اللهُ به من أَخْــلَاق ومروءة، وتجسيداً لما شهد لكم به نبيُّنا محمدٌ صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله من قُــوَّة الإيْـمَـان والثبات، ومن الحكمة وسَداد الرأي والرؤية، مثلما كانت أيضاً شاهدَ حق وعدل، على بشاعة عدوِّكم وعلى تنكره لأواصر القُربى وروابط الدين والدم والعروبة، وانفصالِه التام عن كُــلّ معاني الإخاء وحُسنِ الجوار؛ وذلك بفعل توجّـهاته العدائية التي اختطّها، وجرائم الحرب التي ارتكبها، وبمطامعه ومساعيه نحو الهيمنة على بلدكم وخيرات أرضكم، وبتحالفاته المشبوهة التي نسجها ضد أمنكم واستقراركم، وضد حقكم في بناء يمنكم القوي والغني والمستقلّ والموحد.
يا جماهيرَ شعبنا الصامد المجاهد:
إننا نحتفي اليومَ بهذه المناسبة؛ لأَنَّها كشفت عن اقتدار يماني يبعثُ على الفخر والاعتزاز..
اقتدارٌ.. أفشل كُــلَّ مُخَطّطات دول العدوان وأسقط كُــلّ رهاناتهم وفضح كُــلّ ما هم عليه من فساد وظلم وإرهاب، ومن عمالة وتآمر على شعبنا وعلى أمتنا العربية المسلمة
لقد قرّروا هذه الحربَ على اليمن بلا أدنى مسوغ أَو مبرّر عدا النزوع إلى الهيمنة على قرارهِ السياسيّ وموقعهِ الجغرافي والحيلولة دون حق اليمنيين في بناء دولتهم اليمنية القوية والعادلة التي تجسد آمالهم وتطلعاتهم وتعيد لهم اعتبارهم ويستعيدون من خلالها دورهم ومكانتهم التي يستحقونها.
وهم عندما قرّروا حربَهم كانوا يظنونها أشبهَ ما يكون بالنزهة، وكانت كُــلّ حساباتهم تقولُ بأنهم وفي ظرف أسابيع محدودة سيكونون على موعد مع كُــلّ شروط الزعامة والنفوذ والمجد، ومع مصفوفة واسعة من الأهداف والأحلام، متكئين في كُــلِّ ذلك على خزائنَ متخمة بالمال والنفط، وعلى تحالُفات عسكريّة واستخباراتية واسعة، وماكينات وامبراطوريات إعلامية ضخمة، وجيوش متعددة، وأسلحة غربية متطورة وفتاكة بما فيها أسلحة محرّمة، ومطمئنين أَيْــضاً إلى ما توفره لهم أمريكا وبريطانيا وشبكات الصهيونية العالمية من خبراتٍ ومعلومات ومن دعم عسكريّ وسياسيّ وغطاء دولي.
وفوق ذلك زادهم تهوراً وطمعاً أن اليمن في لحظتها يمُرُّ بأقسى الظروف وأصعب المراحل بل وَيعيش الذروةَ من الضعف والتفكك في كُــلّ مجال وعلى كُــلّ صعيد سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا..
بعدَ أن أثخنته جراحاتُ السنين الطوال، وبعد أن راكمت عقودُ الفساد والتبعية والارتهان كُــلَّ ما يمكنُ أن نتصوُّرَه ولا نتصوره من عوامل الضعف والوهن.
وفي غمرة هذا الحال نفّــذوا عدوانهم، وفجروا في خصومتهم، وجلبوا الجيوشَ المتعددة ومعها القاعدة وداعش واستقدموا المرتزِقة والمتطرفين من كُــلّ أصقاع الأرض ومن مختلف الألوان والجنسيات، ومضوا من دون أي مسوغ يحتلون الأرضَ وينشرون الفوضى والهلع والخوف ويدمّــرون البنى التحتية ومعالم التراث والحضارة اليمنية، وبدم بارد سفكوا دماء النساء والأطفال والمسنين، وظلوا يستهدفون المدنيين في مختلف حالاتهم وهم في نومهم وصحوهم، وَفي أعراسهم وعزائهم، وَفي أسواقهم ومتاجرهم ومكاتبهم وفي مزارعهم وقراهم وحتى في مساجدهم، حتى المرضى والجرحى والأسرى نالهم الاستهدافُ، بل وحتى دُور العجزة والمعاقين لم تكُنْ بمنأىً من نيرانهم.
لقد ارتكب تحالفُ العدوان أبشعَ جرائم الحرب وأبشعَ الجرائم ضد الإنْسَــانية يدُلُّهم في ذلك حفنة من اللصوص والخَوَنة الرخاص ممن هم –وبكل أسف- محسوبون على يمننا الميمون.
نعم لقد ظهروا في المشهد والتقط التأريخ صورَهم وهم يدلون الغزاةَ الأجانبَ على تدمير بلدهم الذي لطالما نهبوا خيراته، وعلى حصار شعبهم الذي لطالما صبر على فسادهم وظلمهم، وعلى قتل من يفترض أنهم أهلهم وأبناء وطنهم.
مستصحبين خطاباً طافحاً بالأكاذيب والشائعات، وطافحاً بالعُنصرية والتحريض على العنف والكراهية.
أيها الشعب اليمني العظيم:
لقد حاول العدوُّ أن يوظفَ كُــلّ ما يمكن أن نتصوره وما لا نتصوره من الأساليب والرهانات، ومن شراء الذمم وكل أشكال السياسات الإجرامية والانتهاكات الوحشية، ومضاعفة معاناتنا؛ بغيةَ الوصول إلى ضرب بيئة صمودنا وتحويلها إلى بيئة رخوة قابلة للاختراق وللتجنيد المضاد، وداعمة لكسر إرَادَة هذا الشعب؛ وكل ذلك بهدف الوصول السريع إلى تركيع شعبنا وتحويل يمن التأريخ والحضارة إلى مُـجَـرّد حديقة خلفية لهم.
وها نحن بفضل الله وتوفيقه ندشّنُ العامَ الخامسَ من الصمود ونحن بالله أقوى شكيمةً وأمضى عزيمة، وأكثر عتاداً وعدة، في دلالة على أن العدوَّ قد خاب في ظنه، وأخطأ في حسابه، وما كان لهذا العدوِّ أن يخطئَ الحسابَ لولا حكمةُ الله وتسديدُه وتأييدُه لكم.
ولولا رجالُ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه وشمّروا عن سواعدهم في كُــلّ مجال وعلى كُــلّ صعيد، فوصلوا الليل بالنهار حتى وصلوا إلى بعضِ ما أودعه الله في هذا الشعب العظيم من أسرار وقدرات وطاقات كامنة، وما حباهم به من إرَادَة صلبة وخصائصَ إيْـمَـانية كانت وما زالت وستبقى بعون الله قادرةً على ترويض الصعاب وقهر المستحيل.
لقد صمدتم فكسبتم المجدَ والشرفَ وما تزال الأَيَّـامُ تُثبِتُ بأن المكاسبَ كلَّها في الصمود والمخاطر كلها في التراجع ولكم اليوم أن تتأملوا في حال المرتزِقة وما هم عليه من ذل وخزي، وانظروا أَيْــضاً إلى تحالف العدوّ لكي تلمسوا كيف ارتدت عليه هذه الحرب وكيف جرجره المرجفون والمنتفعون إلى هذه الورطة الكبيرة وما يعانيه اليوم من استنزاف ومن ابتزاز ومن إملاءات سلكت به إلى مسالك القمع الداخلي والتفكك والتشظي واتساع دوائر التذمر على مستوى الداخل والمحيط والعالم ليصبحَ تحت وطأة الخضوع والإملاء والتطبيع.
أيها الإخْــوَة والأَخَوَات يكفي أن ينهزمَ منتخبٌ سعوديّ أَو إماراتي حتى تخرُجَ كُــلُّ الشعوب العربية والإسْــلَامية للاحتفال في دلالة على غربتهم عن الشعوب وانحسار عمقهم العربي والإسْــلَامي وفي ذلك لنا ولهم منتهى العبرة ومنتهى اليقين بان الله (لا يُحِبُّ المعتدين) و(إن الله َلا يصلِحُ عملَ المفسدين).
أيها الإخْــوَة والأَخَوَات:
وفي ختام هذا الخطاب لا بد من الإشارة إلى بعض المواقف والرسائل المتصلة بهذه المناسبة:
أولاً– نجَــدِّدُ مباركتَنا لكم بشرف الصمود، وبشرف الدفاع عن دينكم ووطنكم وندعو الجميع إلى مواصلة ذلك والثقة بالله والتوكل عليه واستشعار المسؤولية تجاه استحقاقات العام الخامس، الذي نؤكّــد وبكل ثقة أنه إن شاء الله سيكون عاماً حافلاً بالأعمال التي تشرق لها نفوس الأحرار، وتطرب لها قلوب الشرفاء.
ثانياً– نُعَبِّــــرُ عن عميق الفخر والاعتزاز بما تكون خلال الأربعة الأعوام من قدرات عسكريّة وأمنية ومن تجارب رائدة سواءً على مستوى تعزيز الجبهة الداخلية أَو على مستوى التحشيد والتجنيد أَو التدريب والتأهيل أَو على مستوى التصنيع والتحصين ونعتز بالرفد المستدام للجبهات العسكريّة، وبالوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بمتطلبات المعركة العسكريّة من الطلقة والسلاح الشخصي إلى الصاروخ والطائرة، ونُقدِّمُ تحيةَ إجلال وإكبار لكل أبطال القُــوَّات المسلحة ونشد على أيدي المعنيين في مواصلة العمل والمثابرة بنفس الروحية الإيْـمَـانية الصادقة ولله في كُــلّ ذلك عظيم الفضل والمَنّ.
ثالثاً– نُعَبِّــــرُ عن اعتزازنا بالنجاحات الأمنية وما تشهده المؤسّسة الأمنية من تطورات علمية وعملية مذهلة، ونشكر ما يبذُلُه منتسبوها من جهود مشكورة في السهر على أمن المواطن والحفاظ على السكينة العامة، ونحيي النموذجَ الأمني المشرف الذي تنعمُ به مناطقنا الطاهرة من دنس الاحتلال، ونعتبر هذا النموذج ثمرةً من ثمار صمودكم وصمود الشعب اليمني العظيم، وفي السياق نفسه نعبِّرُ عن حزنِنا الشديد جراء ما تشهدُه مناطقنا المحتلّة من فوضى وانفلات وما يعانيه أهلُنا هناك من مرارة الظلم والقهر والخوف ونعتبر ذلك نتيجةً من نتائج التفريط المبكر في مواجهة المحتلّ، ونؤكّــدُ بأن الحَـلَّ يكمُنُ في العمل على تحرير الأرض وطرد المحتلّ؛ وبهذا الخصوص نعبرُ عن اعتزازنا بالمستوى المتنامي من الوعي الشعبي والغضب الشعبي الذي يكادُ يكتسحُ المحتلَّ ويغمره بالرعب في جميع مناطق تواجده..
ونشد على أيدي الشرفاء والمناضلين في عموم جنوبنا المحتلّ، مؤكّــدين أن الشعب اليمني كله سيقفُ إلى جانبهم وأن النصر سيكون حليفَهم بإذن الله.
رابعاً– وبهذه المناسبة وعلى منوالِ الرئيس المجاهد والشهيد الخالد صالح بن علي الصمّاد رحمةُ الله تغشاه وبرّاً به نعلنُ لشعبنا اليمني العظيم إطلاقَ الرؤية الوطنية لبناء الدولة المدنية العادلة مشفوعة بمصفوفتها التنفيذية تحت شعار (يدٌ تحمي ويدٌ تبني)، وهي رؤية وطنية خالصة، شارك في إثرائها غالبية الأحزاب والنخب اليمنية من سياسيّين وعلماء ومفكرين وخُبراء، ونعتز بما تحقّقُ وسيتحقّقُ من الحفاظ على مؤسّسات الدولة.
خامساً– نُعَبِّــــرُ عن اعتزازنا بما يحقّقه جانبنا الدبلوماسي من نجاحات على صعيد إيصال مظلومية الشعب اليمني إلى مختلف دول وشعوب العالم وفضح جرائم العدوان، ونعتبرُ هذا التمزُّقَ في الغطاء الدولي لتحالف العدوان وهذه الانهيارات المتتالية في بنية التحالف وفي سمعة ومكانة دوله ومكوناته وهذه المواقف والإدانات وقرارات وقف صفقات الأسلحة الآخذة في التوسع وهذا الحراك والعراك الذي يحضُرُ بقُــوَّة ضد استمرار العدوان داخل كثير من دول العدوان والدول الغربية الداعمة إنما هو ثمرةٌ من ثمار هذا التواصل وفي هذا الصدد نشكُرُ وزارةَ الخارجية والإعلام والصحة وحقوق الإنْسَــان ونشكر شبابنا وجالياتنا وكل الناشطين الأحرار من الأشقاء والأصدقاء في الخارج كما نثمن عاليا التحولات الإيجابية في مواقف الدول الصديقة والشقيقة التي تقفُ اليومَ ضد العدوان على شعبنا.
سادساً- نؤكّــدُ لدول العدوان بأن صمودَنا مستمرٌّ وأن يدَنا التي مددناها للسلام من أول يوم ما تزال ممدودةً للسلام المشرّف لشعبنا، وندعوهم إلى أن نجعل من هذا العام عاماً للسلام واستئناف العملية السياسيّة، مؤكّــدين استعدادَنا الدائمَ للتعاطي الإيجابي مع كُــلّ جهود السلام، كما نؤكّــد الاستمرار في التعاون مع الأمم المتحدة ممثلة في أمينها العام ومبعوثه الخاص إلى اليمن.
تحيا الجمهورية..
المجدُ والخلودُ للشهداء..
الشفاءُ للجرحى..
الحريةُ للأسرى..
والنصرُ ليمننا الحبيب..
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه..