تناقضاتُ معسكر العدوان في حديث الرئيس المشّاط لصحيفة (الأخبار) .. بقلم د/ أحمد الصعدي
تناوَلَ رئيسُ المجلس السياسي الأعلى مهدي المشّاط في حديثه لصحيفة (الأخبار) البيروتية قضايا في غاية الأهميّةِ عن العدوان وإفرازاته على الساحة اليمنية والمنطقة، وعن إمكانيات السلام أَو استمرار الحرب، وعن تصورات الحل الشامل وأمور أُخرى بلُغةٍ تخلو من العبارات والألفاظ المنمَّقة، وتجنحُ إلى الوضوح والواقعية وَالمبدئية، بما في ذلك في تلخيصهِ لجوهر الحقوق المشروعة للشعب اليمني في ما يحقّق ((السلام والأمن لليمن، ويصون عزة الشعب اليمني وكرامته، وسيادته على أرضهِ، وامتلاكه قرارَه الحرَّ المستقل وصون وحدة وسلامة أراضيه، بما يسهم في دعم استقرار المنطقة)).
بهذه الرؤية الواضحة وبهذا الخطاب الخالي مِن أبسط مؤثرات الديماغوجية السياسية، تحدّث الرئيسُ المشّاط عن تناقضات معسكر العدوان وتأثيرها في عدم تنفيذ تفاهمات ستوكهولم، وفي استمرار الحرب العدوانية التي أصبح فشلُ المعتدي فيها واضحاً للعيان.
أول التناقضات التي ذكرها المشّاط هو التناقضُ بين حسابات العقل والمنطق والسياسة والمصلحة وبين حسابات التجربة. فبحسابات الشق الأول من طرفَي التناقض هذا ينبغي أن يبحث العدوان عن وسيلة لإيقاف الحرب؛ لأَنَّ ((الاستمرار في الحرب لن يكون في مصلحته بالمطلق)). أما بحسابات التجربة العملية، فإن ((الدخولَ في فصل جديد من الحرب يصبح هو التوقع الأقرب للحقيقة)).
ويبدو لنا أن هذا التناقُضَ بين ما تقتضيه نتائجُ العدوان بعد أربع سنوات فقد فيها الكثيرَ من مصادر قوته وزخمه على كل الأصعدة، بينما أصبح الجيشُ واللجان الشعبية والجبهة الداخلية أكبرَ قوة وأكثرَ تمكناً وتنظيماً واستعداداً لحربٍ دفاعية أطول، وكل ذلك يُفترَضُ أن يدفعَ قوى العدوان إلى السلام الذي تدعو إليه صنعاء باستمرار، وهو في مصلحة القوى المعتدية أيضاً من منظور عقلاني برجماتي، عائدٌ -أعني التناقض- إلى أن مخطّطي العدوان وضعوا له هدفاً واحداً ووحيداً، هو إسقاط اليمن، كل اليمن، واعتبروا بلوغَ هذا الهدف أمراً مؤكداً بل وحتمياً، ولم يضعوا في الحُسبان أبسطَ الاحتمالات لتعثر خططهم. فوقعوا في حالة ((شمشون)) المحاصَر بانعدام الخيارات.
التناقُضُ الثاني الذي أشار إليه الرئيس المشّاط يكمن في كون معسكر العدوان ((ليس طرفاً واحداً، بل هو تجمُّعٌ أَو خليطٌ متعددُ الألوان والجنسيات، ومتعدد الرؤوس والتوجهات والحسابات)). ومن هذا الخليط المتناقض في كُلّ شيء إلا في تعريف العدو وهو كُلّ من يرفض العدوان ويتصدى له، تبرز الأطراف الآتية.
طرف المرتزِقة الذين يقدمهم العدوانُ طرفاً ثانياً في المشاورات وفي ذرائع الحرب، إلا أنه ((ِطرف مسلوب القرار، وبلا قضية، ولا يستطيعون الدخول في التزامات حقيقية))، يضاف إلى ذلك شعورُهم بأنهم بلا مستقبل بعد أن أوغل العدوان الذي هم طرفٌ فيه في سفك الدماء والدمار والتسبب بمعاناة اليمنين. هذا الطرفُ يرى مصلحتَه في استمرار العدوان.
وهناك تناقُضٌ قائمٌ بين الطرف الإماراتي والسعودي. يقول الرئيس المشّاط ((وبصرف النظر عن وجود تباين بينهما أَو لا، إلا أن الإمارات -بلا شك- ترى أن في مصلحتها إبقاءَ السعودية في حالة استنزاف مستدام وهذا شيءٌ معروف)).
وما يمكننا ملاحظتهُ في هذا الشأن هو أن الإمارات والسعودية تتفقان على العدوان، وتحاولان تقاسُمَ المناطق اليمنية المحتلة، وتقاسم قوى المرتزِقة إلا أن هذا التوافق لا يستطيع إلغاء أسباب التناقض بينهما، وهي أسباب عميقة. فلا ننسى الخلافات الحدودية، وشعور حكام الإمارات الدفين بالغبن من تنمر وتطاولات الأخ الأكبر، وأطماعه في أراضٍ إماراتية بما فيها إمارة ابو ظبي. يشير وليم كوانت في كتابهِ السعودية في الثمانينيات ((الحقيقة برس، بيروت، 1989)) والذي صدرت طبعتُهُ الإنجليزيةُ في واشنطن عام 1981 أن السعوديةَ أبدت ادّعاءات دائماً في تبعية أراضٍ إماراتية، وأنه رغم التوصل في يوليو 1974 إلى حَلِّ معظم النزاعات الحدودية بين البلدين إلا أن هناك ((خلافاً كامناً بسبب النزاع على الأرض)).