جرحى الحرب.. من حماية الوطن إلى بنائه
المسيرة| محمد ناصر
مصداقاً لوعود الملك الجليل يتسابق عباد الرحمن من شعب الحكمة والإيْمَان نحو جبهات القتال للمكوث في المحراب الأقدس لمواجهة الظالمين وإذاقتهم بأساً من بأس الله الشديد، فمنهم من يرتقي لله شهيداً ومنهم من يظل شاهداً في الأرض على جور الظالمين وعدالة المتقين.
إنهم الجرحى من نزفوا الدماء وفقدوا أجزاء من أعضائهم وهم يخوضون غمار البطولة في سبيل أن يحيا الجميع في أمن وسلام؛ ولكي لا تذهب دماؤهم هدراً يحرص النصف الآخر من عباد الرحمن المتواجدون في خندق بناء الوطن كما يتخندق إخوانهم في حمايته، على الاهتمام بمن يسهم في حمايتهم ويصون أعراضهم من المقاتلين والشهداء والأسرى وكذلك الجرحى.
وفي هذا السياق دشّنت مؤسّسة بنيان التنموية مشروع تدريب وتمكين جرحى الدفاع المقدس والذي يهدف إلى تدريب الجرحى على مختلف الأعمال الإدارية التي يرغب فيها الجريح ويتم دمجهم في المؤسّسات الحكومية والخَاصَّـة ومؤسّسات المجتمع المدني؛ كون كذلك واجباً يفرضه الدينُ والأَخْلَاق والقيم وكذا القانون، فيما قامت صحيفة المسيرة بجولة ميدانية للحصول على المزيد من المعلومات في هذا الجانب، وكانت الخلاصة في التقرير التالي:
اهتمامٌ خاصٌّ بالجرحى ومعرفة ميولهم المهنية لتمكينهم
نائب المدير التنفيذي لمؤسّسة بنيان أحمد الكبسي أكّـد في تصريح لصحيفة المسيرة أن شريحة الجرحى يحظون باهتمام خاص لدى المؤسّسة في مختلف المجالات سواء من التدريب أَو التمكين أَو البرامج الإغاثية وغيرها من البرامج؛ وذلك لما لهم من دور كبير في حماية الوطن والدفاع عن المستضعفين.
وقال الكبسي: “نحن في مؤسّسة بنيان نقوم بعمل التدريب من أجل التمكين فأنشأنا برنامجَ تدريب الجرحى بعد الدراسة الكاملة والمسح الميداني، حَيثُ تمت معرفة ميول الجرحى وقدراتهم ورغباتهم في الأعمال التي يريدونها”، مضيفاً “تم التواصل مع عدد من الجهات والمؤسّسات لمعرفة الأماكن الشاغرة التي سيأتي إليها الجريح بعد إتمام التدريب وبناء على ذلك تم تنفيذ المشروع باستهداف الجرحى عدد (32) جريحاً”.
ونوّه الكبسي في تصريحه بأنه “من المفترض أن يكون الجرحى هم القيادات لتلك المؤسّسات ونحن في بنيان نتمنى في يوم من الأَيَّـام أن تكون قيادة المؤسّسة من تلك الشريحة العظيمة الجرحى أَو أسر الشهداء وسنكون سعداء جداً بتسليمهم القيادة؛ لأَنَّ من ضحى بجزء من جسده لن يفشل في إدارة مؤسّسة وسيكون عند مستوى المسؤولية”.
وتابع الكبسي: “الجريح لا ينتظر سلة غذائية أَو مبلغا معينا من أحد؛ لأَنَّ مثل هذه الأعمال تحبطه وتزيد من معاناته،؛ لأَنَّه يظن بأنه عاجز ولا يستطيع عمل أي شيء للوطن الذي طالما دافع عنه وضحى بنفسه من أجله لكننا في مؤسّسة بنيان نؤمن بأن الجريح يستطيع أن يعمل كُــلّ شيء وكما بدأ جهاده بحماية الوطن سيكمل مشواره النضالي في بناء الوطن”.
مشروعُ تدريب وتمكين الجرحى يستهدف 600 جريح
وحول بداية المشروع وانطلاقته يقول الكبسي: “بدأنا تنفيذ المشروع منذ سنة ونصف سنة، بدأنا بالتعامل مع مؤسّسات الجرحى وذوي الإعاقة وعملنا دراسات وأخذنا بيانات صحيحة، حَيثُ أخذت الدراسةُ منّا جهدا كبيراً، فقد شملت حوالي (600) جريح وبدأنا بتدريب (32) جريحاً”.
وأردف الكبسي: “بإذن الله سنشرف على عملية التوزيع والدمج في المؤسّسات، وقد أنهينا المشروعَ الأول، وسنعمل إن شاء الله على إنجاز المشروعين الثاني والثالث، ونحن لا نعد الجرحى بأن نجد لجميعهم وظائف ولكننا أعددنا مشاريعَ صغيرة تقوم على منحهم قروضاً ويتم إرجاع القروض من خلال الأرباح لمنح القرض جريح آخر وبدون أي أرباح؛ لأَنَّنا مؤسّسة خدمية وسيتم تدريب الجرحى على إدارة المشاريع الصغيرة قبل منحهم القرض”.
ودعا الكبسي في ختام حديثه كُــلّ المؤسّسات الحكومية والخَاصَّـة ومؤسّسات المجتمع المدني لاستيعاب الجرحى ليس تفضلاً ولكن كحق من حقوقهم، فالاهتمام بهم كفله القانون وكرد جزء بسيط جداً مما قدموه للوطن، مضيفاً بالقول: “لولا الله وهم لما تمكّنا من القيام بأعمالنا”.
مجموعةُ مشاريع تستهدفُ الجرحى والتمكين يحل محل الإعاقة
وللتفاصيل بشكل أوسع عن هذا الموضوع وما تقدمه بنيان في إطار مشروع تدريب وتمكين جرحى الحرب، يؤكّـد مسؤول المشروع عبد الله المداني، أن هذا المشروع يأتي ضمن برنامج يتكون من عدة مشاريعَ يهدفُ إلى تدريب ودمج عددٍ من الجرحى وذوي الإعاقة وتمكينهم من إدارة مشاريع، حَيثُ ركز على تدريبهم في المشاريع الإدارية والحاسوب مع دمجهم ضمن أعمال جاهزة.
وقال المداني “لا يخفانا أن هؤلاء ممن شاركوا في حماية الوطن وضحوا بجزء من أجسادهم، نزلنا إليهم ووجدنا فيهم إرادةً صادقة وعزيمة لخدمة الوطن والانتقال إلى من مرحلة حماية الوطن إلى مرحلة البناء وهو ما يجسد مقولة الرئيس الشهيد الصماد يدٌ تحمي ويدٌ تبني”.
وأضاف المداني “في هذا المشروع الجرحى يوجهون رسالة إلى المجتمع وللعالم أجمع أنهم ما زلوا قادرين على المشاركة في حماية الوطن وبنائه وأنه لن تثنيَهم إعاقتهم وإصابتهم مهما كانت الظروف وأنهم قادرون على تنمية قدراتهم ومهارتهم والمساهمة في جميع المجالات وأن الإعاقة هي الخنوع أمام العدوّ والوقوف إلى صف العدوان، أما الإعاقة الجسدية لا يمكن أن تقف أمامهم في مواصلة المشوار”.
برامج تأهيل تؤمن العيش
وحول البرامج المتخصصة لخدمة أسر الشهداء والأسرى، قال المداني: “لدينا برامج وقد سبق وَنفذنا أكثرَ من عشرة مشاريعَ لتأهيل وتدريب أسر الشهداء والأسرى والمفقودين، حَيثُ أن أغلب البرامج تتم بالتنسيق مع المؤسّسات المعنية كمؤسّسة الشهداء”.
وأضاف: “مؤسّسة بنيان بالشراكة مع المؤسّسة الوطنية أنهت المجموعة الأولى من تدريب عدد (32) من جرحى الحرب وهي ليست الأخيرة”، مردفاً بالقول: “ندعو كُــلّ المؤسّسات والجهات المعنية لمشاركتنا هذا الشرف الذي يعتبر واجبا علينا وليس فضلا منا؛ كونه واجباً دينياً وأَخْلَاقياً وأتمنى من الجميع المشاركة والاهتمام بهذه الشريحة الهامة”.
ودعا المداني في ختام حديثه كُــلّ المؤسّسات الحكومية ومؤسّسات المجتمع المدني الاهتمام بالجرحى وأسر الشهداء والأسرى؛ كون ذلك واجبا دينيا وأَخْلَاقيا ومجتمعيا ونحن نمد أيدينا ولدينا رغبة لمشاركة كُــلّ من يريد أن يعمل في هذا المجال.
الاهتمامُ بالجرحى واجبٌ ديني ووطني
بدوره الأُستاذ عدنان بوارة -المدير التنفيذي للمؤسّسة الوطنية- يوضح بالقول: “نفذنا مع مؤسّسة بنيان مشروع تدريب وتمكين (32) جريحاً من جرحى الحرب ذوي الاعاقات، حَيثُ يهدف المشروع إلى تدريب الجرحى ودمجهم في المؤسّسات الحكومية والخَاصَّـة، حَيثُ أن مؤسّسة بنيان والمؤسّسة الوطنية قامتا بتبني بعض الجرحى المستهدفين ضمن المشروع وذلك كواجب ديني ووطني وكتحفيز لبقية المؤسّسات لتبني مثل شريحة هامة شريحة الجرحى”.
جريحٌ يعلّقُ على مشاريع التأهيل التي تستهدفهم
والتقينا أحدَ الجرحى المتدربين الأخ جلال الصرير الذي عبّر عن هذا المشروع بالقول: “في الحقيقة لم نكن نتوقعُ أن نحظى بمثل هذ الاهتمام الذي أخرجنا من الجو الكئيب والعزلة الاجتماعية وأعاد الينا الأمل بأننا ما زلنا نستطيع أن نخدم الوطن الذي فديناه بأجزاء من أجسادنا، وبإذن الله أن نكون محط الثقة لبناء وطننا الحبيب، ونشكر مؤسّسة بنيان ومن تعاون معها على اهتمامها البالغ بالجرحى وتنفيذها مثلَ هذا المشروع العظيم.